فصل : التطهر بالمياه المتعصرة من النبات وطهورية الماء الذي يخالطه غيره من الطاهرات والمضاف .
فصل فاما غير النبيذ من المائعات غير الماء كالخل والدهن والمرق واللبن فلا خلاف بين أهل العلم فيما نعلم أنه لا يجوز وضوء ولا غسل لان الله تعالى أثبت الطهورية للماء بقوله تعالى : { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وهذا لا يقع عليه اسم الماء .
ومنها أن المضاف لا تحصل به الطهارة وهو على ثلاثة أضرب أحدها ما لا تحصل به الطهارة رواية واحدة وهو على ثلاث أنواع أحدها ما اعتصر من الطاهرات كماء الورد وماء القرنفل وما ينزل من عروق الشجر اذا قطعت رطبة الثاني ما خالطه طاهر فغير اسمه وغلب على أجزائه حتى صار صبغا أو حبرا أو خلا أو مرقا ونحو ذالك الثالث ما طبخ فيه طاهر فتغير به كماء الباقلا المغلي فجميع هذه الانواع لا يجوز الوضوء بها ولا الغسل لا نعلم فيه خلافا إلا ما حكي عن ابن ابي ليلى و الاصم في المياه المعتصرة أنها طهور يرتفع بها الحدث ويزال بها النجس ولأصحاب الشافعي وجه في ماء الباقلا المغلي وسائر من بلغنا قوله من أهل العلم على خلافهم قال أبو بكر و المنذر أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم أن الوضوء غير جائز بماء الورد وماء الشجر وماء العصفر ولا تجوز الطهارة إلا بماء مطلق يقع عليه اسم الماء ولان الطهارة انما تجوز بالماء وهذا لا يقع عليه اسم الماء باطلاقه .
الضرب الثاني : ما خالطه طاهر يمكن التحرز منه فغير احدى صفاته - طعمه أو لونه أو ريحه كماء الباقلا وماء الحمص وماء الزعفران واختلف أهل العلم في الوضوء به واختلفت الرواية عن امامنا C في ذلك فروي عنه لا تحصل الطهارة به وهو قول مالك و الشافعي و اسحاق قال القاضي ابو يعلى وهي أصح وهي المنصورة عند أصحابنا في الخلاف ونقل عن أحمد جماعة من أصحابه منهم أبو الحارث و الميموني و اسحاق بن منصور جواز الوضوء به وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه لان الله تعالى قال : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وهذا عام في كل ماء لأنه نكرة في سياق النفي والنكرة في سياق النفي تعم فلا يجوز التيمم مع وجوده وأيضا قول النبي A : في حديث أبي ذر [ التراب كافيك ما لم تجد الماء ] وهذا واجد للماء ولان النبي A وأصحابه كانوا يسافرون وغالب أسقيتم الادم والغالب أنها تغير الماء فلم ينقل عنهم تيمم مع وجود شيء من تلك المياه ولأنه طهور خالطه طاهر لم يسلبه اسم الماء ولا رقته ولا جريانه فأشبه المتغير بالدهن - ووجه الاول انه ماء تغير بمخالطة ما ليس بطهور يمكن الاحتراز منه فلم يجز الوضوء به كماء الباقلا المغلي ولأنه زال عن اطلاقه فأشبه المغلي اذا ثبت هذا فإن أصحابنا لم يفرقوا بين المذرور في الماء مما يختلط بالماء كالزعفران والعصفر والاشنان ونحوه وبين الحبوب من الباقلا والحمص والثمر كالتمر والزبيب والورق وأشباه ذلك وقال أصحاب الشافعي : ما كان مذرورا منع اذا غير الماء وما عداه لا يمنع إلا أن ينحل في الماء وإن غيره من غير انحلال لم يسلب طهوريته لانه تغير مجاورة أشبه تغيير الكافور ووافقهم أصحابنا في الخشب والعيدان وخالفوهم في سائر ما ذكرنا لان تغير الماء به انما كان لانفصال أجزاء منه إلى الماء وانحلالها فيه فوجب أن يمنع كما لو طبخ فيه ولأنه ماء تغير بمخالطة طاهر يمكن صونه عنه أشبه مالو أغلي فيه .
الضرب الثالث : من المضاف ما يجوز الوضوء به رواية واحدة وهو أربعة أنواع أحدها ما اضيف إلى محله ومقره كماء النهر والبئر وأشباههما لهذا لا ينفك منه ماء وهي إضافة إلى غير مخالط وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم الثاني ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب والخز وسائر ما ينبت في الماء وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء أو تحمله الريح فتلقيه فيه وما تجذبه السيول من العيدان والتبن ونحوه فتلقيه في الماء وما هو قرار الماء كالكبريت والقار وغيرهما اذا جرى عليه الماء فتغير به أو كان في الأرض التي يقف الماء فيها وهذا كله يعفى عنه لأنه يشق التحرز منه فان أخذ شيء من ذلك فألقي في الماء وغيره كان حكمه حكم ما يكن التحرز منه من الزعفران ونحوه لأن الاحتراز منه ممكن الثالث ما يوافق الماء في صفيته الطهارة والطهورية كالتراب اذا غير الماء لا يمنع الطهورية لأنه طاهر مطهر كالماء فان ثخن بحيث لا يجري على الاعضاء لم تجر الطهارة به لأنه طين وليس بماء ولا فرق في التراب بين وقوعه في الماء عن قصد أو غير قصد وكذلك الملح الذي أصله الماء كالبحري والملح الذي ينعقد من الماء الذي يرسل على السبخة فيصير ملحا فلا يسلب الطهورية لأن أصله الماء فهو كالجليد والثلج وان كان معدنيا ليس أصله الماء كالزعفران وغيره الرابع ما يتغير به الماء بمجاورته من غير مخالطة كالدهن على اختلاف أنواعه والطاهرات الصلبة كالعود والكافور والعنبر إذا لم يهلك في الماء ولم يمع فيه لا يخرج به عن اطلاقه لأنه تغيير مجاورة أشبه ما لو تروح الماء بريح شيء على جانبه ولا نعلم في هذه الأنواع خلافا وفي معنى المتغير بالدهن ما تغير بالقطران والزفت والشمع لأن في ذلك دهنية يتغير بها الماء تغير مجاورة فلا يمنع كالدهن