مسألتان وفصلان : إسباغ الوضوء - معنى الاسباغ - مقدار الرطل العراقي - ويجزئ المد من الماء وما دون ذلك وإن بأكثر جاز .
مسألة : قال : ويتوضأ بالمد وهو رطل وثلث ويغتسل بالصاع وهو أربعة أمداد .
ليس في حصول الاجزاء بالمد في الوضوء والصاع في الغسل خلاف نعلمه وقد روى سفينة قال [ كان رسول الله A يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضئه المد ] رواه مسلم وروي إن قوما سألوا جابرا عن الغسل فقال : يكفيلك صاع فقال رجل : ما يكفيني فقال جابر : كان يكفي من هو أوفى شعرا منك وخير منك يعني النبي A متفق عليه وفيه أخبار كثيرة صحاح والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي والمد ربع ذلك وهو رطل وثلث وهذ قول مالك و الشافعي و إسحاق و أبي عبيد و أبي يوسف وقال أبو حنيفة : الصاع ثمانية أرطال لأن أنس بن مالك قال : [ كان رسول الله A يتوضأ بالمد وهو رطلان ويغتسل بالصاع ] .
ولنا ما روي [ أن النبي A قال لكعب بن عجرة : أطعم ستة مساكين فرقا من طعام ] متفق عليه قال أبو عبيد ولا اختلاف بين الناس أعلمه في أن الفرق ثلاثة آصح والفرق ستة عشر رطلا فثبت أن الصاع خمسة أرطال وثلث وروي أن أبا يوسف دخل المدينة فسألهم عن الصاع فقالوا خمسة أرطال وثلث فطالبهم بالحجة فقالوا : غداذ فجاء من الغد سبعون شيخا كل واحد منهم آخذ صاعا تحت ردائه فقال : صاعي ورثته عن أبي وورثه أبي عن جدي حتى انتهو به إلى النبي A فرجع أبو يوسف عن قوله وهذا اسناد متواتر يفيد القطع وقد ثبت [ أن النبي A قال : المكيال مكيال أهل المدينة ] ولم يثبت لنا تغييره وحديث أنس هذا انفرد به موسى بن نصر وهو ضعيف الحديث قاله الدارقطني .
فصل : والرطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباغ درهم وهو تسعون مثقالا والمثقال درهم وثلاثة أسباغ درهم هكذا كان قديما ثم أنهم زادوا فيه مثقالا فجعلوه إحدى وتسعين مثقالا وكمل به مائة وثلاثون درهما وقصدوا بهذه الزيادة إزالة كسر الدرهم والعمل على الأول لأنه الذي كان موجودا وقت تقدير المد به فيكون المد حينئذ مائة درهم وإحدى وسبعين درهما وثلاثة أسباغ درهم وذلك بالرطل الدمشقي وزنه ستمائة درهم - ثلاثة أواقي أسباغ أوقية والصاع أربعة أمداد فيكون رطلا وأوقية وخمسة أسباغ أوقية وإن شئت قلت هو رطل وسبع رطل .
مسألة : قال : فإن أسبغ بدونهما أجزأه .
معنى الإسباغ أن يعم جميع الأعضاء بالماء بحيث يجري عليها لان هذا هو الغسل وقد أمرنا بالغسل قال أحمد : إنما هو الغسل ليس المسح فإذا أمكنه أن يغسل غسلا وإن كان مدا أو أقل من مد أجزأه وهذا مذهب الشافعي وأكثر أهل العلم وقد قيل : لا يجزىء دون الصاع في الغسل والمد في الوضوء وحكى هذا عن أبي حنيفة لأنه روي عن جابر قال : [ قال رسول الله A : يجزىء من الوضوء مد ومن الجنابة صاع ] والتقدير بهذا يدل على أنه لا يحصل الأجزاء بدونه .
ولنا : أن الله تعالى أمر بالغسل وقد أتى به فيجب أن يجزئه وقد [ روي عن عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي A من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك ] رواه مسلم و [ عن عبد الله بن زيد أن النبي A توضأ بثلثي مد ] وحديثهم إنما دل بمفهومه وهم لا يقولون به ثم أنه إنما يدل بشرط أن لا يكون للتخصيص فائدة سوى تخصيص الحكم به وههنا إنما خصه لأنه خرج مخرج الغالب لأنه لا يكفي في الغالب أقل من ذلك ثم ما ذكرناه منطوق وهو مقدم على المفهوم اتفاقا وقد روى الأثرم عن القعنبي عن سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن عطاء أنه سمع سعيد بن المسيب ورجلا من أهل العراق يسأله عما يكفي الإنسان من غسل الجنابة فقال سعيد : إن لي تورا يسع مدين من ماء ونحو ذلك فاغتسل به ويكفيني ويفضل منه فضل فقال الرجل : فوالله لا ستنثر وأتمضمض بمدين من ماء ونحو ذلك فقال سعيد بن المسيب : فبم تأمرني إن كان الشيطان يلعب بك فقال له الرجل : فإن لم يكفني فإني رجل كما ترى عظيم فقال له سعيد بن المسيب ثلاثة أمداد فقال : ثلاثة أمداد قليل فقال له سعيد فصاع وقال سعيد : إن لي ركوة أو قدحا ما يسع إلا نصف المد ماء أو نحوه ثم أبول ثم أتوضأ وأفضل منه فضلا قال عبد الرحمن : فذكرت هذا الحديث الذي سمعت من سعيد بن المسيب لسليمان بن يسار فقال سليمان : وأنا يكفيني مثل ذلك قال عبد الرحمن : فذكرت ذلك ل أبي عبيدة بن عمار بن ياسر فقال أبو عبيدة وهكذا سمعنا من أصحاب رسول الله A وقال إبراهيم النخعي : أني لأتوضأ من كوز الحب مرتين .
فصل : وإن زاد على المد في الوضوء والصاع في الغسل جاز فان عائشة قالت : [ كنت أغتسل أنا والنبي A من إناء واحد من قدر يقال له الفرق ] رواه البخاري والفرق ثلاثة آصع وعن أنس قال : [ كان رسول الله A يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ] رواه البخاري أيضا ويكره الاسراف في الماء والزيادة الكثيرة فيه لما روينا من الآثار وروى عبد الله بن عمرو [ أن رسول الله A مر بسعد وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف فقال : أفي الوضوء أسراف ؟ فقال : نعم وإن كنت على نهر جار ] رواه ابن ماجة وعن أبي بن كعب قال : [ قال رسول الله A : إن للوضوء شيطانا يقال له ولهان فاتقوا وسواس الماء ] وكان يقال من قلة فقه الرجل ولوعه بالماء