مسألة : انتقاض الوضوء بأكل لحم الإبل .
مسألة : قال : وأكل لحم الجزور .
وجملة ذلك أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كل حال نيئا ومطبوخا عالما أو جاهلا وبهذا قال جابر بن سمرة و محمد بن إسحاق و إسحاق و أبو خيثمة و يحيى و ابن المنذر وهو أحد قولي الشافعي قال الخطابي ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث وقال الثوري و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي لا ينقض الوضوء بحال لأنه روي عن ابن عباس عن النبي A أنه قال : [ الوضوء مما يخرج لا مما يدخل ] وروي عن جابر قال : كان آخر الامرين من رسول الله A ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود ولأ ه مأكول أشبع سائر المأكولات وقد روي عن أبي عبد الله أنه قال في الذي يأكل من لحوم الإبل : إن كان لا يعلم ليس عليه وضوء فإن كان الرجل قد علم وسمع فهذا عليه واجب لأنه قد علم فليس هو كمن لا يعلم ولا يدري قال الخلال : وعلى هذا استقر قول أبي عبد الله في هذا الباب .
ولنا ما [ روى البراء بن عازب قا ل : سئل رسول الله A عن لحوم الإبل فقال : توضؤ وأمنها ] وسئل عن لحوم الغنم فقال : [ لا يتوضأ منها ] رواه مسلم و أبو داود وروى جابر بن سمرة عن النبي A مثله أخرجه مسلم وروى الإمام أحمد بإسناده عن أسيد بن حضير قال : [ قال رسول الله A : توضؤوا من لحوم الإبل ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم ] .
وروى ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو عن النبي A مثل ذلك قال أحمد و إسحاق و ابن راهويه فيه حديثان صحيحان عن النبي A حديث البراء وحديث جابر بن سمرة وحديثهم عن ابن عباس لا أصل له وإنما هو من قول ابن عباس موقوف عليه ولو صح لوجب تقديم حديثنا عليه لكونه أصح منه وأخص والخاص يقدم على العام وحديث جابر لا يعارض حديثنا أيضا لصحته وخصوصه فإن قيل فحديث جابر متأخر فيكون ناسخا قلنا لا يصح النسخ به لوجةه أربعة : أحدها أن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخر عن نسخ الوضوء مما مست النار أو مقارن له بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم وهي مما مست النار فإما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي وإما أن يكون قبله فإن كان به والأمر بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غيرت النار فكيف يجوز أن يكون منسوخا به ومن شروط النسخ تأخر الناسخ وإن كان الناسخ قبله لم يجز أن ينسخ بما قبله .
الثاني : إن أكل لحوم الإبل إنما نقض لكونه من لحوم الإبل لا لكونه مما مست النار ولهذا ينقض وإن كان شيئا نيئا فنسخ إحدى الجهتين لا يثبت به نسخ الجهة الأخرى كما لو حرمت المرأة للرضاع ولكونها ربيبة فنسخ التحريم بالرضاع لم يكون نسخا لتحريم الربيبة .
الثالث : إن خبرهم عام وخبرنا خاص والعام لا ينسخ به الخاص لأن من شروط النسخ تعذر الجمع والجمع بين الخاص والعام ممكن بتنزيل العام ما عدا محل التخصيص : الرابع : إن خبرنا صحيح مستفيض ثبتت له قوة الصحة والاستفاضة والخصوص وخبرهم ضعيف لعدم هذه الوجوه الثلاثة فيه فلا يجوز أن يكون ناسخا له فأن قيل الأمر بالوضوء في خبركم إذا أضيف إلى الطعام فتحمله عليه ويحتمل أنه أراد بالوضوء قبل الطعام وبعده غسل اليدين لأن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام اقتضى غسل اليد كما كان عليه السلام يأمر بالوضوء قبل الطعام وبعده وخص ذلك بلحم الإبل لأن فيه من الحرارة والزهومة ما ليس في غيره قلنا أما الأول فمخالف للظاهر من ثلاثة أوجه أحدها أن مقتضى الأمر الوجوب الثاني أن النبي A سئل عن حكم هذا اللحم فأجاب بالأمر بالوضوء منه فلا يجوز حمله على غير الوجوب لأنه يكون تلبيسا على السائل لا جوابا الثالث : أنه عليه السلام قرنه بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم والمراد بالنهي ههنا نفي الإيجاب لا التحريم فيتعين حمل الأمر على الإيجاب ليحصل الفرق .
وأما الثاني فلا يصح لوجوه أربعة أحدها أنه يلزم منه حمل الأمر على الاستحباب فإن غسل اليد بمفرده غير واجب وقد بينا فساده الثاني : أن الوضوء إذا جاء في لسان الشارع وجب حمله على الموضوع الشرعي دون اللغوي لأن الظاهر منه أنه إنما يتكلم بموضوعاته : الثالث : أنه خرج لسؤال السائل عن حكم الوضوء من لحومها والصلاة في مباركها فلا يفهم من ذلك سوى الوضوء المراد للصلاة الرابع : أنه لو أراد غسل اليد لما فرق بيه وبين لحم الغنم فإن غسل اليد منهما مستحب ولهذا قال : [ من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ] وما ذكروه من زيادة الزهومة فأمر يسير لا يقتضي التفريق والله أعلم ثم لا بد من دليل تصرف به اللفظ عن ظاهره ويجب أن يكون الدليل له من القوة بقدر قوة الظواهر المتروكة وأقوى منها وليس لهم دليل وقياسهم فاسد فإنه طردي لا معنى فيه وانتفاء الحكم في سائر المأكولات لانتفاء المقتضى لا لكونه مأكولا فلا أثر لكونه مأكولا ووجوده كعدمه .
ومن العجب أن مخالفينا في هذا المسألة أوجبوا الوضوء بأحاديث ضعيفة تخالف الأصول ف أبو حنيفة أوجبه بالقهقهة في الصلاة دون خارجها بحديث من مراسيل أبي العالية و مالك و الشافعي أوجباه بمس الذكر بحديث مختلف فيه معارض بمثله دون مس بقية الاعضاء وتركوا هذا الحديث الصحيح لا معارض له مع بعده عن التأويل وقوة الدلالة فيه لمخالفته لقياس طردي