مسألة وفصول : انتقاض الوضوء بمس الفرج .
مسألة : قال : ومس الفرج .
الفرج اسم لمخرج الحدث ويتناول الذكر والدبر وقبل المرأة وفي نقض الوضوء بجميع ذلك خلاف في المذهب وغيره فنذكره إن شاء الله مفصلا ونبدأ بالكلام في مس الذكر فإنه آكدها فعن أحمد فيه روايتان إحداهما ينقض الوضوء وهو مذهب ابن عمر وسعيد بن المسيب و عطاء و أبان بن عثمان و عروة و سلمان بن يسار و الزهري و الأوزاعي و الشافعي وهو المشهور عن مالك وقد روي أيضا عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وابن سيرين وأبي العالية والرواية الثانية لا وضوء فيه روي ذلك عن علي وعمار وابن مسعود وحذيفة وعمران بن حصين وأبي الدرداء وبه قال ربيعة و الثوري و ابن المنذر وأصحاب الرأي لما روى قيس بن طلق عن أبيه قال : [ قدمنا على نبي الله A فجاء رجل كأنه بدوي فقال : يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ ؟ فقال : وهل هو إلا بضعة منك - أو مضغة منك ] رواه أبو داود و النسائي و الترمذي و ابن ماجة ولأنه عضو منه فكان كسائره ووجه الرواية الأولى ما روت بسرة بنت صفوان أن النبي A قال : [ من مس ذكره فليتوضأ ] وعن جابر مثل ذلك وعن أم حبيبة وأبي أيوب قالا : سمعنا رسول الله A يقول [ من مسه فرجه فليتوضأ ] وفي الباب عن أبي هريرة رواهن ابن ماجة وقال أحمد : حديث بسرة وحديث أم حبيبة صحيحان وقال الترمذي : حديث بسرة حسن صحيح وقال البخاري أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة وقال أبو زرعة حديث أم حبيبة أيضا صحيح وقد روي عن بضعة عشر من الصحابة فأما خبر قيس فقال أبو زرعة وأبو حاتم : قيس ممن لا تقوم بروايته حجة إن حديثنا متأخر لأن أبا هريرة قد رواه وهو متأخر الإسلام صحب النبي A أربع سنين وكان قدوم طلق على رسول الله A وهو يوسسون المسجد أول زمن الهجرة فيكون حديثنا ناسخا له وقياس الذكر على سائر البدن لا يستقيم لأنه تتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد من المهر وغير ذلك .
فصل : فعلى رواية النقض لا فرق بين العامد وغيره وبه قال الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبو أيوب و أبو خيثمة لعموم الخبر وعن أحمد لا ينتقض الوضوء إلا بمسه قاصدا مسه قال أحمد بن الحسين : قيل ل أحمد : الوضوء من مس الذكر : فقال هكذا وقبض على يده إذا قبض عليه وهذا قول مكحول وطاوس وسعيد بن جبير وحميد الطويل قالوا : إن مسه يريد وضوءا وإلا فلا شيء عليه لأنه لمس فلا ينقض الوضوء من غير قصد كلمس النساء .
فصل : ولا فرق بين بطن الكف وظهره وهذا قول عطاء و الأوزاعي وقال مالك و الليث و الشافعي و إسحاق لا ينقض مسه إلا بباطن كفه لأن ظاهر الكف ليس بآلة اللمس فأشبه ما لو مسه بفخذه وأحتج أحمد بحديث النبي A : [ إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس بينهما سترة فليتوضأ ] وفي لفظ : [ إذا أفضى أحدكم إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء ] رواه الشافعي في مسنده وظاهر كفه من يده والافضاء اللمس من غير حائل ولأنه جزء من يده تتعلق به الأحكام المعلقة على مطلق اليد فأشبه باطن الكف .
فصل : ولا ينقض مسه بذراعه وعن أحمد أنه ينقض لأنه من يده وهو قول عطاء و الأوزاعي والصحيح الأول لأن الحكم المعلق على مطلق اليد في الشرع لا يتجاوز الكوع بدليل قطع السارق وغسل اليد من نوم الليل والمسح في التيمم وإنما وجب غسله في الوضوء لأنه قيده بالمرافق ولأنه ليس بآلة للمس أشبه العضد وكونه من يده يبطل بالعضد فإنه لا خلاف بين العلماء فيه .
فصل : ولا فرق بين ذكره وذكر غيره وقال داود لا ينقض مس ذكر غيره لأنه لا نص فيه والأخبار إنما وردت في ذكر نفسه فيقتصر عليه ولنا أن مس ذكر غيره معصية وأدعى إلى الشهوة وخروج الخارج وحاجة الإنسان تدعو إلى مس ذكره نفسه فإذا انتقض بمس نفسه فبمس ذكر غيره أولى وهذا تنبيه يقدم على الدليل وفي بعض ألفاظ خبر بسرة : [ من مس الذكر فليتوضأ ] .
فصل : ولا فرق بين ذكر الصغير والكبير وبه قال عطاء و الشافعي و أبو ثور وعن الزهري و الأوزاعي لا وضوء على من مس ذكر الصغير لأنه يجوز مسه والنظر إليه وقد روي عن النبي A أنه قبل زبيبة الحسن وروي وروي أن النبي A مس زبيبة الحسن ولم يتوضأ ولنا عموم قوله : [ من مس الذكر فليتوضأ ] ولأنه ذكر آدمي متصل به أشبه الكبير والخبر ليس بثابت ثم إن نقض اللمس لا يلزم منه كون القبلة ناقضة ثم ليس فيه أنه صلى ولم يتوضأ فيحتمل أنه لم يتوضأ في مجلسه وجواز اللمس والنظر يبطل بذكر نفسه .
فصل : وفرج الميت كفرج الحي لبقاء الاسم والحرمة لاتصاله بجملة الآدمي وهو قول الشافعي و قال إسحاق : لا وضوء عليه وفي الذكر المقطوع وجهان أحدهما ينقض لبقاء اسم الذكر والآخر لا ينقض لذهاب الحرمة وعدم الشهوة بمسه فأشبه ثيل الجمل ولو مس القلفة التي تقطع في الختان قبل قطعها انتقض وضوؤه لأنها من جلدة الذكره وإن مسها بعد القطع فلا وضوء عليه لزوال الاسم والحرمة .
فصل : فأما مس حلقة الدبر فعنه روايتان أيضا إحداهما لا ينقض الوضوء وهو مذهب مالك قال الخلال : العمل والاشيع في قوله : وحجته أنه لا يتوضأ من مس الدبر لأن المشهور من الحديث : [ من مس ذكره فليتوضأ ] وهذا ليس في معناه لأنه لا يقصد مسه ولا يفضي إلى خروج خارج والثانية ينقض نقلها أبو داود وهو مذهب عطاء و الزهري و الشافعي لعموم قوله : [ من مس فرجه فليتوضأ ] ولأنه أحد الفرجين أشبه الذكر .
فصل : وفي مس المرأة فرجها أيضا روايتان إحداهما ينقض لعموم قوله : [ من مس فرجه فليتوضأ ] وروى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي A : [ أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ ] ولأنها آدمي مس فرجه فانتقض وضوؤه كالرجل والأخرى لا ينتقض قال المروذي : قيل ل أبي عبد الله فالجارية إذا مست فرجها أعليها وضوء ؟ قال : لم أسمع في هذا بشيء قلت لـ أبي عبد الله حديث عن عبد الله ابن عمرو عن النبي A : [ أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ ] فتبسم وقال : هذا حديث الزبيدي وليس إسناده بذاك ولأن الحديث المشهور في مس الذكر وليس مس المرأة فرجها في معناه لكونه لا يدعو إلى خروج خارج فلم ينقض .
فصل : فأما لمس فرج المشكل فلا يخلو من أن يكون اللمس منه أو من غيره فإن كان اللمس منه فلمس أحد فرجيه لم ينتقض وضوؤه لأنه يحتمل أن يكون الملموس خلقة زائدة لمسهما جميعا وقلنا لا ينقض وضوء المرأة مس فرجها لم ينتقض وضوؤها لجواز أن يكون امرأة مست فرجها او خلقة زائدة وإن قلنا ينقض انتقض وضوؤه لأنه لا بد أن يكون أحدهما فرجا وإن كان اللامس رجلا فمس الذكهر لغير شهوة لم ينتقض وضوؤه وإن مسه لشهوة انتقض وضوؤه في ظاهر المذهب فإنه إن كان ذكرا فقد مسه وإن كان انثى فقد مسها لشهوة وإن مس قبل المرأة لم ينتقض وضوؤه لجواز أن يكون خلقة زائدة من رجل وإن مسهما جميعا لشهوة انتقض وضوؤه لما ذكرنا في الذكر وإن كان لغير شهوة انتقض وضوؤه في الظاهر لأنه لا يخلو من أن يكون مس ذكر رجل أو فرج امرأة وإن كان اللامس امرأة فلمست أحدهما لغير شهوة لم ينتقض وضوؤها وإن لمست الذكر لشهوة لم ينتقض وضوؤها لجواز أن يكون زائدة من امرأة فإن مست فرج المرأة لشهوة انبنى على مس المرأة الرجل لشهوة فإن قلنا ينقض انتقض وضوؤها ههنا لذلك وإلا لم ينتقض وإن مستهما جميعا لغير شهوة وقلنا إن مس فرج المرأة ينقض الوضوء انتقض وضوؤها ههنا وإلا فلا وإن كان اللامس خنثى مشكلا لم ينتقض وضوؤه إلا أن يجمع بين الفرجين في اللمس ولو مس أحد الخنثيين ذكر الآخر ومس الآخر فرجه وكان اللمس منهما لشهوة أو لغيرها فلا وضوء على واحد منهما لأن كل واحد منهما على انفراده يقين الطهارة باق في حقه والحدث مشكوك فيه فلا نزول عن اليقين بالشك لأنه يحتمل أن يكون جميعا امرأتين فلا ينتقض وضوء لامس الذكر ويحتمل أن يكون رجلين فلا ينتقض وضوء لامس الفرج وإن مس كل واحد منهما ذكر الآخر احتمل أن يكون امرأتين وقد مس كل واحد منهما خلقة زائدة من الآخر وإن مس كل واحد منهما قبل الآخر احتمل أن يكون رجلين .
فصل : ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن كالرفع والانثيين والأبط في قول عامة أهل العلم إلا أنه روي عن عروة قال : من مس أنثييه فليتوضأ وقال الزهري : أحب إلي أن يتوضأ وقال عكرمة : من مس ما بين الفرجين فليتوضأ وقول الجمهور أولى لأنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه ولا ينتقض وضوء الملموس أيضا لأن الوجوب من الشرع وإنما وردت السنة في اللامس .
ولا ينتقض الوضوء بمس فرج بهيمة وقال الليث بن سعد : عليه الوضوء وقال عطاء من مس قنب حمار عليه الوضوء ومن مس ثيل جمل لا وضوء عليه وما قلناه قول جمهور العلماء وهو أولى لأن هذا ليس بمنصوص على النقض به ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا وجه للقول به