اتجاه الوصي بمال اليتيم والمضاربة به وبيع عقاره .
مسألة : قال : ويتجر الوصي بمال اليتيم ولا ضمان عليه والربح كله لليتيم فإن أعطاه لمن يضارب له به فللمضارب من الربح ما وافقه الوصي عليه .
وجملته أن لولي اليتيم أن يضارب بماله وإن يدفعه إلى من يضارب له به ويجعل له نصيبا من الربح أبا كان أو وصيا أو حاكما أو أمين حاكم وهو أولى من تركه وممن رأى ذلك ابن عمر و النخعي و الحسن بن صالح و مالك و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي ويروى إباحة التجارة به عن عمر وعائشة والضحاك ولا نعلم أحدا كرهه إلا ما روي عن الحين ولعله أراد اجتناب المخاطرة به ولأن خزنه أحفظ له والذي عليه المجهول ألوى لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص [ أن النبي A قال : من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ] وروي ذلك عن عمر بن الخطاب Bه وهو أصح من المرفوع ولأن ذلك أحظ للمولى لعيه لتكون نفقته من فاضله وربحه كما يفعله البالغون في أموالهم وأموال من يعز عليهم من أولادهم إلا أنه لا يتجر إلا في المواضع الآمنة ولا يدفعه إلا لأمين ولا يغرر بماله وقد روي عن عائشة Bها أنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر في البحر فيحتمل أنه كان في موضع مأمون قريب من الساحل ويحتمل أنها جعلته من ضمانه عليها أن هلك غرمته فمتى اتجر في المال بنفسه فالربح كله لليتيم وأجاز الحسن ابن صالح وإسحاق أن يأخذه الوصي مضاربة لنفسه لأنه جاز أن يدفعه بذلك إلى غيره فجاز أن يأخذ ذلك لنفسه والصحيح ما قلنا لأن الربح نماء مال اليتم فلا يستحقه غيره إلا بعقد ولا يجوز أن يعقد الولي المضاربة مع نفسه فأما إن دفعه إلى غيره فللمضارب ما جعله له الولي ووافقه عليه أي اتفقا لعيه ف قولهم جميعا لأن الوصي نائب عن اليتيم فيما فيه مصلحته وهذا فيه مصلحته فار تصرفه فيه كتصرف المالك في ماله .
فصل : ويجوز لولي اليتيم ابضاع ماله ومعناه دفعه إلى من يتجر به والربح كله لليتيم وقد ريو عن عائشة Bها أنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر ولأنه إذا جاز دفعه بجزء من ربحه فدفعه إلى من يوفر الربح أولى ويجوز أن يشتري له العقار لأنه مصلحة له فإنه يحصل منه الفضل ويبقى الأصل والغرر فيه أقل من التجارة لأن أصله محفوظ ويجوز أن يبني له عقارا لأنه في معنى الشراء إلا أن يكون الشراء أحظ وهو ممكن فيتعين تقديمه وإذا أراد البناء بناه بما يرى الحظ في البناء به وقال أصحابنا : يبينه بالآخر والطين ولا يبني باللبن لأه إذا هدم لا مرجوع له ولا بجص لأنه يلتصق بالآجر فلا يتخلص منه فإذا هدم فسد الآجر لأنه تخليصه منه يفضي إلى كسره وهذا مذهب الشافعي والذي قلناه أولى إن شاء الله تعالى فإنه إذا كان لاحظ له في البناء بغيره فتركه ضيع حظه وماله ولا يجوز تضييع الحظ العاجل وتحمل الضرر الناجز المتيقن لتوهم مصلحة بقاء الآجر عند هدم البناء ولعل ذل كلا يكون في حياته ولا يحتاج إليه مع أن كثيرا من البلدان لا يوجد فيها الآجر وكثير منها لم يجز عادتهم بالبناء به فلو كلفوا البناء به لاحتاجوا إلى غرامة كثيرة لا يحصل منها طائل وقول أصحابنا يختص من عادتهم البناء بالآجر كالعراق ونحوه فلا يصح في حق غيرهم .
فصل : ولا يجوز بيع عقاره لغير حاجة لأننا نأمره بالشراء لما فيه من الحظ فيكون بيعه تفويتا للحظ فإن احتيج إلى بيعه جاز نقل أبو داود عن أحمد : يجوز للوصي بيع الدور على الصغار إذا كان نظرا لهم وبه قال الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي و إسحاق قالوا يبيع إذا رأى الصلاح قال القاضي : لا يجوز إلا في موضعين أحدهما : أن يكون به ضرورة إلى كسوة أو نفقة أو قضاء دين أم ما لا بد منه وليس له ما تندفع له حاجته الثاني : أن يكون في بيعه غبطة وهو أن يدفع فيه زيادة كثيرة على ثمن المثل قال أبو الخطاب : كالثلث ونحوه أ يخاف عليه الهلاك بغرق أو خراب أو نحوه وهذا مذهب الشافعي وكلام أحمد يقتضي إباحة البيع في كل موضع يكون نظرا لهم ولا يختص بما ذكروه وقد يرى الولي الحظ في غير هذا مثل غبطة ولا يمكنه شراؤه إلا ببيع عقاره وقد تكون داره في مكان يتضرر الغلام بالمقام أو يرى شيئا في شرائه فيبيعها ويشتري له بثمنها دارا يصلح له المقام بها وأشباه هذا ما لا ينحصر وقد لا يكون له حظ في بيع عقاره وإن دفع فيه مثلا ثمنه إما لحاجته إليه وإما لأنه لا يمكن صرف ثمنه في مثله فيضيع الثمن ولا يبارك فيه فقد جاء [ عن النبي A من باع دارا أو عقارا ولم يصرف ثمنه في مثله لم يبارك له فيه ] فلا يجوز بيعه إذا فلا معنى لتقييده بما ذكروه في الجواز ولا في المنع بل متى كان بيعه أحظ له جاز بيعه وإلا فلا .
فصل : ويجوز لولي اليتيم كتابة رقيق اليتيم وإعتاقه على مال إذا كان الحظ فيه مثل أ تكون قيمته ألفا فيكاتبه بألفين أو يعتقه بألفين فإن لم يكن فيها حظ لم يصح وقال مالك وأبو حنيفة : لا يجوز إعتاقه لأن الإعتاق بمال تعليق له عشر شرط فلم يملكه ولي اليتيم كالتعليق على دخول الدار وقال الشافعي : لا تجوز كتابته ولا إعتاقه لأن المقصود منهما العتق دون المعاوضة فلم تجز كالإعتاق بغير عوض ولنا إنها معاوضة لليتم فيها حظ فملكها وليه كبيعه ولا عبرة بنفع العقد ولا يضره كونه تعليقا فإنه إذا حصل الحظ لليتيم لا يضره نفع غيره ولا كون العتق حصل بالتعليق وفارق ما قاسوا عليه فإنه لا نفع فيه فمنع منه لعدم الحظ وانتفاء المقتضي لا لما ذكروه ولو قدر أن يكون في العتق بغير مال نفع كان نادرا ويتوجه أن يصح قال أبو بكر : يتوجه العتق بغير عضو للحظ مثل أن يكون لليتيم جارية وابنتها يساويان مائة مجتمعتين ولو أفردت إحداهما ساوت مائتين ولا يمكن إفرادها بالبيع فيعق الأخرى لتكثر قيمة الباقية فتصير ضعف قيمتها .
فصل : قال أحمد : ويجوز للوصي أن يشتري لليتيم أضحية إذا كان له مال يعني مالا كثيرا لا تضرر بشراء الأضحية فيكون ذلك على وجه التوسعة في النفقة في هذا اليوم الذي هو عيد ويوم فرح فيه جبر قبله وتطييبه وإلحاقه بمن له أب فينزله منزلة الثياب الحسنة وشراء اللحم سميا مع استحباب التوسعة في هذا اليوم وجري العاد بها تدليل قول النبي A : [ إنها أيام أكل وشرب وذكر لله D ] رواه مسلم ومتى كان خلط مال اليتيم أرفق به وألين في الخبز وأمكن في حصول الأدم فهو أولى وإن كان إفراده أرفق به أفرده لقول الله تعالى : { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم } أي ضيق عليكم وشدد من قولهم أعنت فلان فلانا إذا ضيق عليكم وشدد وعنت الرجل إذا ظلعت ويجوز للوصي ترك الصبي في المكتب بغير إذن الحاكم وحيك لأحمد قول سفيان لا يسلم الوصي الصبي إلا بإذن الحاكم فأنكر ذلك لأن المكتب من مصالحة فجرى مجرة نفقته لمأكوله ومشروبه وملبوسه وكذلك يجوز له إسلامه في صناعة إذا كنت مصلحته في ذلك لما ذكرناه