تفريق الصفقة ومعناه واقسامه .
فصل : ولو باعه بشرط أن يسلفه أو يقرضه أو شرط المشتري ذلك عليه فهو محرم والبيع باطل وهذا مذهب مالك و الشافعي ولا أعلم فيه خلافا إلا أن مالكا قال : إن ترك مشترط السلف السلف صح البيع ولنا ما روى عبد الله بن عمر [ أن النبي A نهى عن ربح ما لم يضمن وعن بيع ما لم يقبض وعن بيعتين في بيعة وعن شرطين في بيع وعن بيع وسلف ] أخرجه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي لفظ لا يحل بيع وسلف ولأنه اشترط عقدا في عقد ففسد كبيعتين في بيعة ولأنه إذا اشترط القرض زاد في الثمن لأجله فتصير الزيادة في الثمن عوضا عن القرض وربحا له وذلك ربا محرم ففسد كما لو صح به ولأنه بيع فاسد فلا يعود صحيحا كما لو باع درهما بدرهمين ثم ترك أحدهما .
فصل : وإذا جمع بين عقدين مختلفي القيمة بعوض واحد كالصرف وبيع ما يجوز الفرق فيه قبل القبض والبيع والنكاح أو الإجارة نحو أن يقول بعتك هذا الدينار وهذا الثوب بعشرين درهما أو بعتك هذه الدار وأجرتك الأخرى بألف أو باعه سيفا محلى بالذهب بفضة أو زوجتك ابنتي وبعتك عبدها بألف صح العقد فيهما لأنهم عينان يجوز أخذ العضو عن كل واحدة منهما منفردة فجاز أخذ العوض عنهما مجتمعتين كالعبدين وهذا أحد قولي الشافعي وقال أبو الخطاب : في ذلك وجه آخر أنه لا يصح وهو القول الثاني للشافعي حكمهما مختلف إن المبيع يضمن بمجرد البيع والإجارة بخلافه والألو أصح وما ذكروه يبطل بما إذا باع شقصا وسفا فإنه يصح مع اختلاف حكمهما بوجوب الشفعة في أحدهما دون الآخر فأما إن جمع بين الكابة والبيع فقال : كاتبتك وبعتك عبدي هذا بألف في كل شهر مائة لم يصح لأن المكاتب قبل تمام الكتابة عبد قن فلا يصح أن يشتري من سيده شيئا ولا يثبت لسيده في ذمته ثمن وإذا بطل البيع فهل يصح في الكتابة بقسطها ؟ فيه روايتان نذكرهما في تفريق الصفقة وسوى أبو الخطاب بين هذه الصورة وبين الصورة التي قبلها فقال : في الكل وجهان والذي ذكرناه إن شاء الله تعالى أولى .
فصل : في تفريق الصفقة ومعناه أن يبيع ما يجوز بيعه وما لا يجوز صفقة واحدة بثمن واحد وهو على ثلاثة أقسام أحدها : أن يبيع معلوما ومجهولا كقوله بعتك هذه الفرس وما في بطن هذه الفرس الأخرى بألف فهذا البيع باطل بكل حال ولا أعلم فيبطلانه خلافا لأن الجهول لا يصح بيعه لجهالته والمعلوم مجهول الثمن ولا سبيل إلى معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما والمجهول لا يمكن تقويمه فيتعذر التقسيط .
الثاني : أن يكون المبيعان مما ينقسم الثمن عليهما بالأجزاء كعبد مشترك بينه وبين غيره باعه كله بغير إذن شريكه كقفزين من صبرة واحدة باعهما من لا يملك إلا بعضهما ففيه وجهان أحدهما : يصح في ملكه بقسطه من الثمن ويفسد فيما لا يملكه والثاني : لا يصح فهيما وأصل الوجهين أن أحمد نص فيمن تزوج حرة وأمة على روايتين إحداهما : يفسد فيهما والثاني : يصح في الحرة والأولى أنه يصح فيما يملكه وهو قول مالك و أبي حنيفة وهو قولي الشافعي وقال في الآخر : لا يصح وهو قول أبي ثور لأن الصفقة جمعت حلالا وحراما فغلب التحريم ولأن الصفقة إذا لم يكن تصحيحها في جميع المعقود عليه بطلت في الكل كالجمع بين الأختين وبيع درهم بدرهمين .
ولنا أن كل واحد منهما له حكم لو كان منفردا فإذا جمع بينهما ثبت لكل واحد منهما حكمه كما لو باع شقصا وسيفا ولأن ما يجوز نله بيعه قد صدر فيه البيع من أهله في محله بشرطه فصح كما لو انفرد ولأن البيع سبب اقتضى الحكم في محلين وامتنع حكمه في أحد المحلين لنبوته عن قبوله فيصح في الآخر كما لو أوصى بشيء لآدمي وبهيمة وأما الدرهمان والاختان فليس واحد منهما أولى بالفساد من الآخر فلذلك فسد فيهما وههنا بخلافه .
القسم الثالث : أن يكون المبيعان معلومين مما لا ينقسم عليهما الثمن بالأجزاء كعبد وحر وخل وخمر وعبده وعبد غيره وعبد حاضر وآبق فهذا يبطل البيع فيما لا يصح بيعه وفي الآخر روايتان نقل صالح عن أبيه فينم اشترى عبدين فوجد أحدهما حرا رجع بقيمته من الثمن ونقل عنه مهنا تزوج امرأة على عبدين فوجد أحدهما حرا فلها قيمة العبدين فأبطل الصداق فيهما جميعا وللشافعي قولان كالروايتين وأبطل مالك العقد فيهما إلا أن يبيع ملكه وملك نغيره فيصح في ملكه ويقف في ملك غيره على الإجازة ونحوه قول أبي حنيفة فإنه قال : إن كان أحدهما لا يصح بيعه بنص أو إجماع كالحر والخمر لم يصح العقد فيهما وإن لم يثبت بذلك كملكه وملك غيره صح فيما يملكه لأن ما اختلف فيه يمكن أن يلحقه حكم الإجازة بحكم حاكم بصحة بيعه وقال أبو ثور : لا يصح بيعه لما تقدم في القسم الثاني ولأن الثمن مجهول لأنه إنما يتبين بالتقسيط للثمن على القيمة وذلك مجهول في الحلل فلم يصح البيع به كما قال : بعتك هذه السلعة برقمها أو بحصة من رأس المال ولأنه لو صرح به فقال : بعتك هذا بقسطه من الثمن لم يصح فكذلك إذا لم يصرح وقال عن نصر الرواية الأولى : إنه متى سمى ثمنا في مبيع يسقط بعضه لا يوجب ذلك جهالة تمنع الصحة كما لو وجد بعض المبيع معيبا فأخذه أرشه والقول بالفساد في هذا القسم إن شاء الله أظهرن والحكم في الرهن والهبة وسائر العقود إذا جمعت ما يجوز وما لا يجوز كالحكم في البيع إلا أن الظاهر فيها الصحة لأنها ليست عقود معاوضة فلا توجد جهالة العوض فيها .
فصل : وإن وقع العقد على مكيل أو موزون فتلف بعضه قبل قبضه لم ينفسخ العقد في الباقي رواية واحدة المشتري الباقي بحصته من الثمن لأن العقد وقع صحيحا فذهاب بعضه لا يفسخه كما بعد القبض وكما لو وجد أحد المبيعين معيبا فرده أو قال أحد المتبايعين الآخر في بعض المبيع .
فصل : وإن كان لرجلين عبدان لكل واحد عبد فباعهما صفقة واحدة بثمن واحد أو وكل أحدهما صاحبه فباعهما بمثن واحد ففيه وجهان أحدهما : يصح فيهما ويتقسط العوض على قدر قيمتهما وهو قول مالك و أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأن جملة الثمن معلومة فصح كما لو كانا لرجل واحد وكما لو باعا عبدا واحدا لهما أو قفيزين من صبرة واحدة والثاني : لا يحص لأن كل واحد منهما مبيع بقسطه من الثمن وهو مجهول على ما قدمنا وفارق ما إذا كانا لرجل واحد فإن جملة المبيع مقابلة بجملة الثمن من غير تقسي والعبد المشترك والقفيزان ينقسم الثمن عليهما بالأجزاء فلا جهالة فيه .
فصل : ومتى حكمنا بالصحة في تفريق الصفقة وكان للمشتري عالما بالحال فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة وإن لم يعلم مثل إن اشترى عبدا يظنه كله للبائع فبان أنه لا يملك إلا نصفه أو عبدين فتبين أنه لا يملك إلا أحدهما فله الخيار بين الفسخ والإمساك لأن الصفقة تبعضت عليه وأما البائع فلا خيار له لأنه رضي بزوال ملكه عما يجوز بيعه بقسطه ولو وقع العقد على شيئين يفتقر إلى القبض فيهما فتلف أحدها قبل قبضه فقال القاضي للمشتري : الخيار بين إمساك الباقي بحصته وبين الفسخ لأن الحكم ما قبل القبض في كون المبيع من ضمان البائع حكم ما قبل العقد بدليل أنه لو تعيب قبل قبضه لملك المشتري الفسخ به