تقسيم ثان العقود الواقعة بين اثنين على أقسام .
تقسيم ثان .
العقود الواقعة بين اثنين على أقسام .
الأول : لازم من الطرفين قطعا كالبيع و الصرف و السلم و التولية و التشريك و صلح المعاوضة و الحوالة و الإجارة و المساقاة و الهبة للأجنبي بعد القبض و الصداق و عوض الخلع .
الثاني : جائز من الطرفين قطعا كالشركة و الوكالة و القراض و الوصية و العارية و الوديعة و القرض و الجعالة قبل الفراغ و القضاء و الوصايا و سائر الولايات غير الإمامة .
الثالث : ما فيه خلاف : و الأصح أنه لازم منهما : و هو : المسابقة و المناضلة بناء على أنها كالإجارة و مقابله يقول : إنها كالجعالة و النكاح لازم من المرأة قطعا و من الزوج على الأصح كالبيع و قيل : جائز منه لقدرته على الطلاق .
الرابع : ما هو جائز و يئول إلى اللزوم و هو الهبة و الرهن قبل القبض و الوصية قبل الموت .
الخامس : ما هو لازم من الموجب جائز من القابل : كالرهن و الكتابة و الضمان و الكفالة و عقد الأمان و الإمامة العظمى .
السادس : عكسه كالهبة للأولاد .
تنبيه .
صرح العلائي في قواعده بأن من الجائز من الجانبين ولاية القضاء و التولية على الأوقاف و غير ذلك من جهة الحكام .
هذه عبارته .
فأما القضاء : فواضح فلكل من المولى و المولي : العزل .
و أما الولاية على الأيتام فظاهر ما ذكره : أن الحاكم إذا نصب قيما على يتيم فله عزله و كذا لمن يلي بعده من الحكام و هو ظاهر فإنه نائب الحاكم في أمر خاص و للحالم عزل نائبه و إن لم يفسق .
و قد كنت أجبت بذلك مرة في أيام شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام شرف الدين المناوي فاستفتى فأفتى بخلافه و أنه ليس للحاكم عزله و لم يتضح لي ذلك إلى الآن و كأنه رأى واقعة الحال تقتضي ذلك فإن الحاكم الذي أراد عزل القيم إنما كان غرضه أخذ مال اليتيم منه يستعين به فيما غرمه على الولاية لجهة السلطنة .
و لا ينافي هذا ما في الروضة كأصلها من أن المذهب الذي قطع به الأصحاب أن القوام على الأيتام و الأوقاف لا ينعزلون بموت القاضي و انعزاله لئلا تتعطل أبواب المصالح و هم كالمتولي من جهة الواقف لأن هذا في الانعزال بلا عزل .
و أما التولية على الأوقاف فقد ذكر الأصحاب أن للواقف على الصحيح عزل من ولاه النظر أو التدريس و نصب غيره .
قال الرافعي : و يشبه أن تكون المسألة مفروضة في التولية بعد تمام الوقف دون ما إذا أوقف بشرط التولية لفلان ؟ لأن في فتاوى البغوي أنه لو وقف مدرسة ثم قال لعالم فوضت إليك تدريسها أو اذهب و درس فيها كان له تبديله بغيره .
و لو و قف بشرط أن يكون هو مدرسها أو قال حال الوقف فوضت تدريسها إلى فلان فهو لازم لا يجوز تبديله كما لو وقف على أولاده الفقراء لا يجوز التبديل بالأغنياء .
قال الرافعي : و هذا حسن في صيغة الشرط و غير متضح في قوله : و قفتها و فوضت التدريس إليه .
زاد النووي في الروضة هذا الذي استحسنه الرافعي : هو الأصح أو الصحيح .
و يتعين أن يكون صورة المسألة كما ذكروا و من أطلقها فكلامه محمول على هذا التأوبل .
و في فتاوى ابن الصلاح : ليس للواقف تبديل من شرط له النظر حال إنشاء الوقف إن رأى المصلحة في تبديله .
و لو عزل الناظر المعين حال إنشاء الوقف نفسه فليس للواقف نصب غيره فإنه لا نظر له بعد أن جعل النظر في حال الوقف لغيره بل ينصب الحاكم ناظرا انتهى .
و اختار السبكي في هذه الصورة أعني إذا عزل الناظر المعين نفسه أنه لا ينعزل و ضم إلى ذلك المدرس الذي شرط تدريسه في الوقف أنه لا ينعزل بعزل نفسه و ألف في ذلك مؤلفا فعلى هذا يكون لازما من الجانبين فيضم إلى القسم الأول .
و قيل : إن منشأ الخلاف فيه أنه تردد بين أصلين .
أحدهما : الوكالة لأنه تفويض فينعزل .
و الثاني : ولاية النكاح لأنه شرط في الأصل فلا ينعزل .
و في الروضة و أصلها عن فتاوى البغوي و أقره : أن القيم الذي نصبه الواقف لا يبدل بعد موته تنزيلا له منزلة الوصي فيكون هذا من القسم الرابع .
و كأن هذا الفرع مستند ما أفتى به شيخنا فيما تقدم لكن الفرق واضح لأن الحاكم ليس له عزل الأوصياء بلا سبب بخلاف القوام لأنهم نوابه .
و في الروضة قبيل الغنيمة عن الماوردي و أقره : أنه إذا أراد ولي الأمر إسقاط بعض الأجناد المثبتين في الديوان بسبب جاز أو بغير سبب فلا يجوز .
قال المتأخرون : فيقيد بهذا ما أطلقناه في الوقف : من جواز عزل الناظر و المدرس فلا يجوز إلا بسبب .
نعم أفتى جمع من المتأخرين : منهم العز الفاروني و الصدر ابن الوكيل و البرهان الن الفركاح و البلقيني : بأنه حيث جعلنا للناظر العزل لم يلزمه بيان مستنده .
و وافقهم الشيخ شهاب الدين المقدسي لكن قيده بما إذا كان الناظر موثوقا بعلمه و دينه .
و قال في التوشيح لا حاصل لهذا القيد فإنه إن لم يكن كذلك لم يكن ناظرا و إن أراد علما و دينا زائدين على ما يحتاج إليه الناظر فلا يصح .
ثم قال : في أصل الفتيا نظر من جهة أن الناظر ليس كالقاضي العام الولاية فلم لا يطالب بالمستند .
و قد صرح شريح في أدب القضاء : بأن متولي الوقف إذا ادعى صرفه على المستحقين و مهم معينون و أنكروا فالقول قولهم و لهم المطالبة بالحساب .
و قال الشيخ ولي الدين العراقي في نكته : الحق تقييد المقدسي و له حاصل فليس كل ناظر يقبل قوله في عزل المستحقين من وظائفهم من غير إبداء مستند في ذلك إذا نازعه المستحق فإن عدالته ليست قطعية فيجوز أن يقع له الخلل و علمه قد يحتمل أيضا بظن ما ليس بقادح قادحا بخلاف من تمكن في العلم و الدين و كان فيه قدر زائد على ما يكفي في مطلق النظار : من تمييز بين ما يقدح و مالا يقدح و من ورع و تقوى يحولان بينه و بين متابعة الهوى .
و قد قال البلقيني في حاشية الروضة مع فتواه بما تقدم : إن عزل الناظر للمدرس و غيره تهورا من غير طريق تسوغ : لا ينفذ و يكون قادحا في نظره .
فيحمل كل من جوابيه على حالة انتهى .
هذا حكم ولايات الوقف .
و أما أصل الوقف فإنه لازم من الوقف و من الموقوف عليه أيضا إذا قبل حيث شرطنا القبول فلورد بعد القبول لم يسقط حقه و لم يبطل الوقف .
و في الأشباه و النظائر لابن السبكي : كثيرا ما يقع أن شخصا يقر بأنه لا حق له في هذا الوقف أو أن زيدا هو المستحق دونه و يخرج شرط الواقف مكذبا للمقر مقتضيا لاستحقاقه فيظن بعض الأغبياء أن المقر يؤاخذ بإقراره فالصواب أنه لا يؤاخذ سواء علم شرط الواقف و كذب في إقراره أم لم يعلم فإن ثبوت هذا الحق له لا ينتقل بكذبه .
ضابط .
ليس لنا في العقود اللازمة ما يحتاج إلى استقرار للمعقود عليه إلا البيع و السلم و الإجارة و المسا بقة و الصداق و عوض الخلع