" الثالث " من الفروض : " غسل يديه " من كفيه وذراعيه للآية والإجماع " مع " بفتح العين وتسكن بقلة " مرفقيه " بكسر الميم وفتح الفاء أفصح من عكسه أو قدرهما إن فقدا - كما نبه عليه في العباب - لما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في صفة وضوء رسول الله A : ( أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم اليسرى حتى أشرع في العضد إلى آخره ) وللإجماع ولقوله تعالى : ( وأيديكم إلى المرافق ) وجه دلالة الآية على ذلك أن تجعل اليد التي هي حقيقة إلى المنكب على الأصح مجازا إلى المرفق مع جعل " إلى " غاية للغسل الداخلة هنا في المغيا بقرينتي الإجماع والاحتياط للعبادة والمعنى : اغسلوا أيديكم من رؤوس أصابعها إلى المرافق أو للمعية كما في قوله تعالى : ( من أنصاري إلى الله ) ( ويزدكم قوة إلى قوتكم ) أو تجعل باقية على حقيقتها إلى المنكب مع جعل " إلى " غاية إلى الترك المقدر فتخرج الغاية والمعنى : اغسلوا أيديكم واتركوا منها إلى المرافق . قال البيضاوي في تفسيره : قيل : " إلى " بمعنى " مع " أي كما تقدم أو أن " إلى " متعلقة بمحذوف تقديره " وأيديكم مضافة إلى المرافق " ثم قال : ولو كان كذلك لم يكن لمعنى التحديد ولا لذكره مزيد فائدة لأن مطلق اليد يشتمل عليها أي المرافق .
ثم ذكر أقوالا أخر يطول الكلام بذكرها فلتراجع . ولا بد من غسل جزء من العضد ليتحقق غسل اليد وللحديث المذكور وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك . " .
فإن قطع بعضه " أي بعض ما يجب غسله من اليدين - واليد مؤنثة - " وجب " غسل " ما بقي " منه لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ولقوله A : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) " أو " قطع " من مرفقيه " بأن سل عظم الذراع وبقي العظمان المسميان برأس العضد " فرأس عظم العضد " يجب غسله " على المشهور " لأنه من المرفق بناء على أنه مجموع العظمين والإبرة الداخلة بينهما لا الإبرة وحدها ومقابله لا يجب غسله بناء على أنه طرف عظم الساعد فقط ووجوب غسل رأس العضد بالتبعية . " أو " قطع من " فوقه " أي المرفق " ندب " غسل " باقي عضده " لئلا يخلو العضو عن طهارة ولتطويل التحجيل كما لو كان سليم اليد وإنما لم يسقط التابع بسقوط المتبوع كرواتب الفرائض أيام الجنون لأن سقوط المتبوع ثم رخصة فالتابع أولى به وسقوطه هنا ليس رخصة بل لتعذره فحسن الإتيان بالتابع محافظة على العبادة بقدر الإمكان كإمرار المحرم الموسى على رأسه عند عدم شعره . وإن قطع من منكبيه ندب غسل محل القطع بالماء كما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه وجرى عليه الشيخ أبو حامد وغيره .
ويجب غسل الشعر على اليدين ظاهرا وباطنا وإن كثف لندرته وغسل ظفر وإن طال وغسل باطن ثقب وشقوق فيهما إن لم يكن له غور في اللحم وإلا وجب غسل ما ظهر منه فقط ويجري هذا في سائر الأعضاء كما يقتضيه كلام " المجموع " في باب صفة الغسل . وغسل يد زائدة إن نبتت بمحل الفرض ولو من المرفق ( 1 / 53 ) كأصبع زائدة وسلعة سواء جاوزت الأصلية أم لا وإن نبتت بغير محل الفرض وجب غسل ما حاذى منها محله لوقوع اسم اليد عليه مع محاذاته لمحل الفرض بخلاف ما لم يحاذه فإن لم تتميز الزائدة عن الأصلية بأن كانتا أصليتين أو إحداهما زائدة ولم تتميز بنحو فحش قصر ونقص أصابع وضعف بطش غسلهما وجوبا سواء أخرجتا من المنكب أم من غيره ليتحقق الإتيان بالفرض بخلاف نظيره من السرقة بقطع إحداهما فقط - كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابها - لأن الوضوء مبناه على الاحتياط لأنه عبادة والحد على الدرء لأنه عقوبة . وتجري هذه الأحكام في الرجلين .
وإن تدلت جلدة العضد منه لم يجب غسل شيء منها لا المحاذي ولا غيره لأن اسم اليد لا يقع عليها مع خروجها عن محل الفرض أو تقلصت جلدة الذراع منه وجب غسلها لأنها منه .
وإن تدلت جلدة أحدهما من الآخر بأن تقلعت من أحدهما وبلغ التقلع إلى الآخر ثم تدلت منه فالاعتبار بما انتهى إليه تقلعها لا بما منه تقلعها فيجب غسلها فيما إذا بلغ تقلعها من العضد إلى الذراع دون ما إذا بلغ من الذراع إلى العضد لأنها صارت جزءا من محل الفرض في الأول دون الثاني .
ولو التصقت بعد تقلعها من أحدهما بالآخر وجب غسل محاذي الفرض منها دون غيره . ثم إن تجافت عنه لزمه غسل ما تحتها أيضا لندرته وإن سترته اكتفى بغسل ظاهرها ولا يلزمه فتقها فلو غسله ثم زالت لزمه غسل ما ظهر من تحتها لأن الاقتصار على ظاهرها كان للضرورة وقد زالت .
ولو توضأ فقطعت يده أو تثقبت لم يجب غسل ما ظهر إلا لحدث فيجب غسله كالظاهر أصالة . ولو عجز عن الوضوء لقطع يده مثلا وجب عليه أن يحصل من يوضئه والنية من الآذن ولو بأجرة مثل فإن تعذر عليه ذلك تيمم وصلى وأعاد لندرة ذلك