" الثاني " من الفروض : " غسل " ظاهر " وجهه " لقوله تعالى : ( فاغسلوا وجوهكم ) وللإجماع .
والمراد بالغسل : الانغسال سواء أكان بفعل المتوضئ أم بغيره وكذا الحكم في سائر الأعضاء . " .
وهو " طولا " ما بين منابت " شعر " رأسه غالبا و " تحت " منتهى لحييه " وهما بفتح اللام على المشهور : العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى . " و " عرضا " ما بين أذنيه " لأن الوجه : ما تقع به المواجهة وهي تقع بذلك وخرج ب " ظاهر " داخل الفم والأنف والعين فإنه لا يجب غسل ذلك قطعا بل ولا يستحب غسل داخل العين بل صرح بعضهم بالكراهة للضرر ولكن يجب غسل ذلك إن تنجس والفرق غلظ النجاسة بدليل أنها تزال عن الشهيد إذا كانت من غير دم الشهادة . أما مآق العين فيغسل بلا خلاف فإن كان عليه ما يمنع وصول الماء إلى المحل الواجب كالرماص وجب إزالته وغسل ما تحته وبغالبا الأصلع وهو من انحسر الشعر عن ناصيته فإنه لا يلزمه غسلها وقد نبه في " المحرر " عليه وأسقطه المصنف .
ودخل موضع الغمم كما قال : " .
فمنه " أي من الوجه " موضع الغمم " لحصول المواجهة به وهو ما ينبت عليه الشعر من الجبهة والغمم أن يسيل الشعر حتى تضيق الجبهة والقفا يقال : رجل أغم وامرأة غماء والعرب تذم به وتمدح بالنزع لأن الغمم يدل على البلادة والجبن والبخل والنزع بضد ذلك كما قيل : .
فلا تنكحي إن فرق الله بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا ( 1 / 51 ) بل قوله " غالبا " لا حاجة إليه كما قاله الإمام لأن الجبهة ليست منبتا وإن نبت الشعر عليها لعارض والناصية منبت وإن انحسر عنها الشعر لعارض فمنبت الشيء : ما صلح لنباته وغير منبته : ما لم يصلح له كما يقال : الأرض منبت لصلاحيتها لذلك وإن لم يوجد فيها نبات والحجر ليس منبتا لعدم صلاحيته وإن وجد فيه نبات بل قال الولي العراقي : إنه لا معنى له فإن منابت شعر رأسه شيء موجود لاغالب فيه ولا نادر .
وإنما يصح الإتيان بقوله " غالبا " لو عبر بشعر الرأس من غير إضافة كما فعل غيره ا . ه . ومنتهى اللحيين من الوجه كما تقرر وإن لم تشمله عبارة المصنف . " .
وكذا التحذيف " بالمعجمة أي موضعه من الوجه " في الأصح " لمحاذاته بياض الوجه وهو ما ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة وسمي بذلك لأن النساء والأشراف يحذفون الشعر عنه ليتسع الوجه .
وضابطه : - كما قاله الإمام وجزم المصنف به في " الدقائق " : أن تضع طرف خيط على رأس الأذن والطرف الثاني على أعلى الجبهة وتفرض هذا الخيط مستقيما فما نزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع التحذيف . والثاني : أنه من الرأس وسيأتي تصحيحه . " لا النزعتان " بفتح الزاي ويجوز إسكانها ويقال فيه : رجل أنزع ولا يقال : امرأة نزعاء بل يقال : زعراء . " وهما بياضان يكتنفان الناصية " : وهي مقدم الرأس من أعلى الجبين فليستا من الوجه لأنهما في حد تدوير الرأس . " .
قلت صحح الجمهور أن موضع التحذيف من الرأس - والله أعلم - " لاتصال شعره بشعر الرأس ونقل الرافعي ترجيحه في شرحه عن الأكثرين وتبع في " المحرر " ترجيح الغزالي للأول .
ومن الرأس أيضا الصدغان : وهما فوق الأذنين متصلان بالعذارين لدخولهما في تدوير الرأس .
ويسن غسل موضع الصلع والتحذيف والنزعتين والصدغين مع الوجه للخلاف في وجوبها في غسله .
ويجب غسل جزء من الرأس ومن الحلق ومن تحت الحنك ومن الأذنين . وتجب أدنى زيادة في غسل اليدين والرجلين على الواجب فيهما لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . ومن الوجه البياض الذي بين العذار والأذن لدخوله في حده وما ظهر من حمرة الشفتين ومن الأنف بالجدع .
ويجب غسل كل هدب .
وهو بضم الهاء وسكون الدال المهملة وضمها وبفتحهما معا : الشعر النابت على أجفان العين . " وحاجب " جمعه حواجب وحاجب الأمير جمعه حجاب سمي بذلك لأنه يحجب عن العين شعاع الشمس . " وعذار " وهو بالذال المعجمة : الشعر النابت المحاذي للأذن بين الصدغ والعارض وقيل : هو ما على العظم الناتئ بإزاء الأذن وهو أول ما ينبت للأمرد غالبا . " وشارب " : وهو الشعر النابت على الشفة العليا سمي بذلك لملاقاته الإنسان عند الشرب . " وخد " : أي الشعر النابت عليه كذا ذكره البغوي والمصنف في " شرح المهذب " ولم يذكره الرافعي في شيء من كتبه ولا المصنف في " الروضة " فهو من زيادته على " المحرر " من غير تمييز . " .
وعنفقة " : وهو الشعر النابت على الشفة السفلى . " شعرا " بفتح العين " وبشرا " أي ظاهرا وباطنا وإن كثف الشعر لأن كثافته نادرة فألحق بالغالب . فإن قيل : كان ينبغي إسقاط شعر أو يقولوا بشرتها أي بشرة جميع ذلك فقوله " شعرا " تكرار فإن ما تقدم اسم لها لا لمنابتها وقوله " وبشرا " غير صالح لتفسير ما تقدم . أجيب : بأنه ذكر الخد أيضا فنص على شعره كما نص على بشرة ما ذكره من الشعر . " .
وقيل : لا يجب " غسل " باطن عنفقة كثيفة " بالمثلثة ولا بشرتها كاللحية . ولو قال : " وقيل عنفقة كلحية " لكان أشمل وأخصر وفي ثالث : يجب إن لم تتصل باللحية . " واللحية " من الرجل وهي بكسر اللام وحكي فتحها : الشعر النابت على الذقن خاصة وهي مجمع اللحيين . " إن خفت كهدب " فيجب غسل ظاهرها وباطنها " وإلا " بأن كثفت " فليغسل ظاهرها " .
ولا يجب غسل باطنها لعسر إيصال الماء إليه مع الكثافة الغير النادرة ولما روى البخاري : ( أنه A توضأ فغرف غرفة غسل بها وجهه وكانت لحيته الكريمة كثيفة ) وبالغرفة الواحدة لا يصل الماء إلى ذلك غالبا فإن خف بعضها وكثف بعضها وتميز فلكل حكمه وإن لم يتميز بأن كان الكثيف متفرقا بين أثناء الخفيف وجب غسل الكل - كما قاله الماوردي - لأن إفراد الكثيف بالغسل يشق وإمرار الماء على الخفيف لا يجزئ وهذا هو المعتمد وإن قال في " المجموع " ما قاله الماوردي خلاف ما قاله الأصحاب .
والشعر الكثيف : ما يستر البشرة عن المخاطب بخلاف الخفيف .
والعارضان : وهما المنحطان عن ( 1 / 52 ) القدر المحاذي للأذن كاللحية في جميع ما ذكر وإن لم يعلم ذلك من عبارة المصنف .
وخرج بالرجل المرأة فيجب غسل ذلك منها ظاهرا وباطنا وإن كثف لندرة كثافتها ولأنه يسن لها إزالتها لأنها مثلة في حقها ومثلها الخنثى في غسل ما ذكر إن لم نجعل ذلك علامة على ذكورته وهو المعتمد . فإن قيل : إيجاب ذلك في الكثيف عليهما مشكل لأن ذلك وإن كان نادرا لكنه دائم والقاعدة أن النادر الدائم كالغالب . أجيب : بأن القاعدة مختصة بالأعذار المسقطة لقضاء الصلاة كالمستحاضة وسلس البول وأما غيرها فيلحق نادر كل جنس بغالبه مع أن الإشكال لا يأتي في المرأة للعلة الثانية .
ويجب غسل سلعة نبتت في الوجه وإن خرجت عن حده لحصول المواجهة بها .
واعلم أن التفصيل المذكور في شعور الوجه إذا كانت في حده أما الخارجة عنه فيجب غسل ظاهرها وباطنها مطلقا إن خفت - كما في " العباب " - وظاهرها فقط مطلقا إن كثفت - كما في " الروض " - بل عبارته تقتضي أن يكتفى بغسل ظاهرها وإن كانت خفيفة لكنه غير مراد وبعضهم قرر في هذه الشعور خلاف ذلك فاحذره . " .
وفي قول لا يجب غسل خارج عن " حد " الوجه " من لحية وغيرها كالعذار خفيفا كان أم كثيفا لا ظاهرا ولا باطنا لخروجه عن محل الفرض .
ومن له وجهان وكان الثاني مسامتا للأول - كما أفتى به شيخي - وجب عليه غسلهما كاليدين على عضو واحد أو رأسان كفى مسح بعض أحدهما والفرق أن الواجب في الوجه غسل جميعه فتجب غسل جميع ما يسمى وجها وفي الرأس بعض ما يسمى رأسا وذلك يحصل ببعض أحدهما ذكره في " المجموع "