" ويحرم بالحدث " حيث لا عذر " الصلاة " بأنواعها بالإجماع وحديث الصحيحين : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) . والقبول يقال لحصول الثواب ولوقوع الفعل صحيحا وهو المراد هنا بقرينة الإجماع فالمعنى : لا تصح صلاة إلا بوضوء ومنها صلاة الجنازة لكن فيها خلاف للشعبي و ابن جرير الطبري وفي معناها سجدتا التلاوة والشكر وخطبة الجمعة . أما عند العذر فلا تحرم بل قد تجب كأن فقد الماء والتراب وضاق الوقت فالمراد بالحدث هنا المنع المترتب على ما ينتهي به الوضوء . " .
والطواف " فرضه ونفله في ضمن نسك أو غيره لقوله A : ( الطواف صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام فمن تكلم لا يتكلم إلا بخير ) رواه الحاكم عن ابن عباس وقال : صحيح الإسناد . وقيل يصح طواف الوداع بلا طهارة ووقع في " الكفاية " نقله في طواف القدوم ونسب للوهم . " .
وحمل المصحف " بتثليث ميمه لكن الفتح غريب " ومس ورقه " المكتوب فيه وغيره بأعضاء الوضوء أو بغيرها ( 1 / 37 ) ولو كان فاقدا للطهورين أو مسه من وراء حائل كثوب رقيق لا يمنع وصول اليد إليه أو مس ما كان منسوخ الحكم دون التلاوة قال تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) أي المتطهرون هو خبر بمعنى النهي . ولو كان باقيا على أصله لزم الخلف في كلامه تعالى لأن غير المطهر يمسه وقال A : ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) رواه الحاكم وقال : إسناده على شرط الصحيح والحمل أبلغ من المس نعم يجوز حمله لضرورة كخوف عليه من غرق أو حرق أو نجاسة أو وقوعه في يد كافر ولم يتمكن من الطهارة بل يجب أخذه حينئذ كما ذكره في " التحقيق " و " شرح المهذب " فإن قدر على التيمم وجب . وخرج بالمصحف غيره كتوراة وإنجيل ومنسوخ تلاوة من القرآن وإن لم ينسخ حكمه فلا يحرم لزوال حرمتها بالنسخ بل وبالتبديل في الأولين . قال المتولي : فإن الظن أن في التوراة ونحوها غير مبدل كره مسه . " .
وكذا جلده " المتصل به يحرم مسه بما ذكر " على الصحيح " لأنه كالجزء منه ولهذا يتبعه في البيع والثاني : يجوز لأنه ليس جزءا متصلا حقيقة فإن انفصل عنه فقضية كلام البيان حل مسه وبه صرح الإسنوي وفرق بينه وبين حرمة الاستنجاء بأن الاستنجاء أفحش ونقل الزركشي عن الغزالي أنه يحرم مسه أيضا ولم ينقل ما يخالفه وقال ابن العماد : إنه الأصح إبقاء لحرمته قبل انفصاله ا . ه . وهذا هو المعتمد إذا لم تنقطع نسبته عن المصحف فإن انقطعت كأن جعل جلد كتاب لم يحرم مسه قطعا كما قاله شيخنا . " .
وخريطة " وهي وعاء كالكيس من أدم وغيره " وصندوق " وهو بضم الصاد وفتحها وعاء معروف معدان للمصحف كما قاله ابن المقري " فيهما مصحف " يحرم مسهما بما ذكر في الأصح لأنهما لما كانا معدين له كانا كالجلد وإن لم يدخلا في بيعه والعلاقة كالخريطة والثاني : يجوز مسهما لأن الأدلة وردت في المصحف وهذه خارجة عنه ولهذا لا يجوز تحليتهما جزما وإن جوزنا تحلية المصحف وفرق الأول بالاحتياط في الموضعين ومحل الخلاف في المس - كما تفهمه عبارته - أما الحمل فيحرم قطعا أما إذا لم يكن المصحف فيهما أو هو فيهما ولم يعدا له فلا يحرم مسهما . " .
وما كتب لدرس قرآن " ولو بعض آية " كلوح " يحرم مسه بما ذكر " في الأصح " لأن القرآن قد أثبت فيه للدراسة فأشبه المصحف والثاني : يجوز مسه لأنه لا يراد للدوام كالمصحف أما ما كتب لغير الدراسة كالتميمة وهي ورقة يكتب فيها شيء من القرآن وتعلق على الرأس مثلا للتبرك والثياب التي يكتب عليها والدراهم - كما سيأتي - فلا يحرم مسها ولا حملها لأنه A كتب كتابا إلى هرقل وفيه : ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) الآية ولم يأمر حاملها بالمحافظة على الطهارة . وتكره كتابة الحروز وتعليقها إلا إذا جعل عليها شمع أو نحوه . ويستحب التطهر لحمل كتب الحديث ومسها " والأصح حل حمله " أي القرآن " في " متاع - كما عبر به في " الروضة " - أو " أمتعة " تبعا لما ذكر إذا لم يكن مقصودا بالحمل بأن قصد حمل غيره أو لم يقصد شيئا لعدم الإخلال بتعظيمه حينئذ . ويؤخذ من ذلك جواز حمل حامل المصحف بخلاف ما إذا كان مقصودا بالحمل ولو مع الأمتعة فإنه يحرم وإن كان ظاهر كلام الشيخين يقتضي الحل في هذه الصورة كما لو قصد الجنب القراءة وغيرها والثاني : يحرم تغليبا للحرمة ولأنه ممنوع عند الانفراد فمنع مع التبعية كحامل النجاسة في الصلاة .
فرع : .
لو حمل مصحفا مع كتاب في جلد واحد فحكم حمله حكم المصحف مع المتاع ففيه التفصيل . وأما مس الجلد فيحرم مس الساتر للمصحف دون ما عداه كما أفتى بذلك شيخي . " .
و " في " تفسير " سواء تميزت ألفاظه بلون أم لا إذا كان التفسير أكثر من القرآن لعدم الإخلال بتعظيمه حينئذ وليس هو في معنى المصحف بخلاف ما إذا كان القرآن أكثر منه لأنه في معنى المصحف أو كان مساويا له كما يؤخذ من كلام " التحقيق " والفرق بينه وبين الحمل فيما إذا استوى الحرير مع غيره أن باب الحرير أوسع بدليل جوازه للنساء وفي بعض الأحوال للرجال كبرد . قال بعض المتأخرين : والظاهر أن العبرة بالقلة والكثرة باعتبار الحروف لا الكلمات وأن العبرة في الكثرة وعدمها في المس بحالة موضعه وفي الحمل بالجميع ا . ه . وظاهر كلام الأصحاب حيث كان التفسير أكثر لا يحرم مسه مطلقا قال في " المجموع " : لأنه ليس بمصحف أي ولا في معناه كما قاله شيخنا . وقياس ما قاله في " الأنوار " من أنه لو شك هل الحرير أكثر أو لا أنه يحرم لبسه أنه يحرم هنا عند الشك في ( 1 / 38 ) أن القرآن أقل أو لا بل أولى كما يؤخذ من الفرق وحيث لم يحرم حمل التفسير ولامسه بلا طهارة كرها . " .
و " في دراهم و " دنانير " كالأحدية لأنها المقصودة دونه والثاني : يحرم لإخلاله بالتعظيم . " .
لا " حل " قلب ورقه " أي المصحف " بعود " ونحوه فإنه ممنوع في الأصح لأنه نقل للورقة فهو كحملها والثاني : لا يحرم لما سيأتي واحترز بذلك عما لو لف كمه على يده وقلب الأوراق بها فإنه يحرم قطعا قال في " المجموع " : وفرقوا بينه وبين العود بأن الكم متصل به وله حكم أجزائه في منع السجود عليه وغيره وقال إمام الحرمين : ولأن التقليب يقع باليد لا بالكم ا . ه وعلى كلام إمام الحرمين - وهو الظاهر - إذا قلبه بكمه فقط كان فتله وقلب به فهو كالعود . " .
و " الأصح " أن الصبي " المميز " المحدث " ولو حدثا أكبر كما في فتاوى المصنف " لا يمنع " من مس ولا من حمل لوح ولا مصحف يتعلم منه أي لا يجب منعه من ذلك لحاجة تعلمه ومشقة استمراره متطهرا بل يستحب وقضية كلامهم أن محل ذلك في الحمل المتعلق بالدراسة فإن لم يكن لغرض أو كان لغرض آخر منع منه جزما - كما قاله في المهمات - وإن نازع في ذلك ابن العماد . وأما غير المميز فيحرم تمكينه في ذلك لئلا ينتهكه " قلت : الأصح حل قلبه " أي ورق المصحف " بعود " ونحوه " وبه قطع العراقيون والله أعلم " . قال في " الروضة " : لأنه ليس بحامل ولا ماس . قال الأذرعي : والقياس أنه إن كانت الورقة قائمة فصفحها بعود جاز وإن احتاج في صفحها إلى رفعها حرم لأنه حامل لها ا . ه وما قاله علم من التعليل 0 .
فوائد : .
يكره كتب القرآن على حائط ولو لمسجد وثياب وطعام ونحو ذلك ويجوز هدم الحائط ولبث الثوب وأكل الطعام ولا يضر ملاقاته ما في المعدة بخلاف ابتلاع قرطاس عليه اسم الله تعالى فإنه يحرم . ولا يكره كتب شيء من القرآن في إناء ليسقى ماؤه للشفاء خلافا لما وقع لابن عبد السلام في فتاويه من التحريم . وأكل الطعام كشرب الماء فلا كراهة فيه . ويكره إحراق خشب نقش بالقرآن إلا إن قصد به صيانة القرآن فلا يكره - كما يؤخذ من كلام ابن عبد السلام - وعليه يحمل تحريق عثمان رضي الله تعالى عنه المصاحف . ويحرم كتب القرآن أو شيء من أسمائه تعالى بنجس وعلى نجس ومسه به إذا كان غير معفو عنه - كما في " المجموع " - لا بطاهر من متنجس . ويحرم الوطء على فراش أو خشب نقش بالقرآن - كما في " الأنوار " - أو بشيء من أسمائه تعالى . ولو خيف على مصحف تنجس أو كافر أو تلف بنحو غرق أو ضياع ولم يتمكن من تطهره جاز له حمله مع الحدث في الأخيرة ووجب في غيرها صيانة له كما مرت الإشارة إليه . ويحرم السفر به إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه في أيديهم وتوسده وإن خاف سرقته وتوسد كتب علم محترم إلا لخوف من نحو سرقة نعم إن خاف على المصحف من تلف نحو حرق أو تنجس أو كافر جاز له أن يتوسده بل يجب عليه . ويستحب كتبه وإيضاحه ونقطه وشكله ويجوز كتب آيتين ونحوهما إليهم في أثناء كتاب كما علم مما مر . ويمنع الكافر من مسه لا سماعه ويحرم تعليمه وتعلمه إن كان معاندا وغير المعاند إن رجي إسلامه جاز تعليمه وإلا فلا .
وتكره القراءة بفم متنجس . وتجوز بلا كراهة بحمام وطريق إن لم يتله عنها وإلا كرهت . والقراءة أفضل من ذكر لم يخص بمحل فإن خص به بأن ورد الشرع به فيه فهو أفضل منها . ويندب أن يتعوذ لها جهرا إن جهر بها في غير الصلاة أما في الصلاة فيسر مطلقا ويكفيه تعوذ واحد ما لم يقطع قراءته بكلام أو فصل طويل كالفصل بين الركعات وأن يجلس وأن يستقبل وأن يقرأ بتدبر وتخشع وأن يرتل وأن يبكي عند القراءة . والقراءة نظرا في المصحف أفضل منها عن ظهر قلب إلا إن زاد خشوعه وحضور قلبه في القراءة عن ظهر غيب فهي أفضل في حقه . وتحرم بالشاذ في الصلاة وخارجها وهو ما نقل آحادا قرآنا ك " أيمانهما " في قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) وهو عند جماعة - منهم المصنف - ما وراء السبعة أبي عمرو ونافع وابن كثير وعامر وعاصم وحمزة والكسائي وعند آخرين - منهم البغوي - ما وراء العشرة السبعة السابقة وأبي جعفر ويعقوب وخلف قال في " المجموع " : وإذا قرأ بقراءة من السبع استحب أن يتم القراءة بها فلو قرأ بعض الآيات بها وبعضها بغيرها من السبع جاز بشرط أن لا يكون ما قرأه بالثانية مرتبطا بالأول وبعكس الآي لا بعكس السور ولكن ( 1 / 39 ) تكره إلا في تعليم لأنه أسهل للتعليم . ويحرم تفسير القرآن بلا علم ونسيانه أو شيء منه كبيرة والسنة أن يقول : أنسيت كذا لا نسيته . ويندب ختمه أول نهار أو ليل والدعاء بعده وحضوره والشروع بعده في ختمة أخرى وكثرة تلاوته . وقد أفرد الكلام على ما يتعلق بالقرآن بالتصانيف وفيما ذكرته تذكرة لأولي الألباب . " .
ومن تيقن طهرا أو حدثا وشك " أي تردد باستواء أو رجحان كما في " الدقائق " " في ضده " هل طرأ عليه أو لا " عمل بيقينه " لأن اليقين لا يزول بالشك لخبر مسلم : ( إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أو لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) فمن ظن الضد لا يعمل بظنه لأن ظن استصحاب اليقين أقوى منه فعلم بذلك أن المراد باليقين استصحابه وإلا فاليقين لا يجامعه شك . وأما قول الرافعي : يعمل بظن الطهر بعد تيقن الحدث فمراده أن الماء المظنون طهارته بالاجتهاد مثلا يرفع يقين الحدث . وحمله على هذا وإن كان بعيدا أولى من حمله على أن ظن الطهر يرفع يقين الحدث الذي حمله عليه ابن الرفعة وغيره وقال : لم أره لغير الرافعي وأسقطه المصنف من " الروضة " وقال النسائي : إنه معدود من أوهامه . " .
فلو تيقنهما " أي الطهر والحدث بأن وجدا منه بعد الشمس مثلا " وجهل السابق " منهما " فضد ما قبلهما " يأخذ به " في الأصح " فإن كان قبلهما محدثا فهو الآن متطهر اعتاد تجديد الطهارة أم لا لأنه تيقن الطهارة وشك في تأخر الحدث عنها والأصل عدمه وإن كان قبلهما متطهرا فهو الآن محدث لأنه تيقن الحدث وشك في تأخر الطهارة عنه والأصل عدمه هذا إن اعتاد تجديد الطهارة وإن لم تطرد عادته أما إذا لم يعتد التجديد فهو متطهر لأن الظاهر تأخرها عن الحدث فإن تذكر أنه كان قبلهما متطهرا أو محدثا أخذ بما قبل الأولين عكس ما مر قاله في البحر قال : وهما في المعنى سواء . والحاصل أنه إن كان الوقت الذي وقع فيه الاشتباه وترا أخذ بالضد أو شفعا فبالمثل بعد اعتبار التجديد وعدمه فإن جهل ما قبلهما وجب الوضوء لتعارض الاحتمالين بلا مرجح . ولا سبيل إلى الصلاة مع التردد المحض في الطهارة وهذا فيمن يعتاد التجديد أما غيره فيأخذ بالطهارة مطلقا كما مر فلا أثر لتذكره والوجه الثاني : لا ينظر إلى ما قبلهما ويلزمه الوضوء بكل حال احتياطا وصححه المصنف في " شرحي المهذب " و " الوسيط " واختاره في " التحقيق " وغيره وقال في " الروضة " : إنه الصحيح عند جماعات من محققي أصحابنا وقال في " المهمات " : إنه المفتى به لذهاب الأكثرين إليه أي ولأن ما قبل الشمس بطل يقينا وما بعده معارض ولا بد من طهر معلوم أو مظنون . ومع هذا فالأول هو المعتمد كما صححه في " الروضة " و " التحقيق " .
فائدة : .
قال القاضي حسين : إن مبنى الفقه على أربع قواعد : اليقين لا يزال بالشك والضرر يزال والعادة محكمة والمشقة تجلب التيسير قال بعضهم : والأمور بمقاصدها . ثم قال : بني الإسلام على خمس والفقه على خمس . وقال ابن عبد السلام : يرجع الفقه كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد وقال السبكي : بل إلى اعتبار المصالح فقط لأن درء المفاسد من جملتها . " وموجب الطهارة وضوءا وغسلا هل هو الحدث أو القيام إلى الصلاة ونحوها أو هما أوجه أصحها ثالثها