" الثاني : زوال العقل " أي التمييز بنوم أو غيره كإغماء وسكر وجنون وذلك لقوله A : ( العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ ) رواه أبو داود وغيره وهو بسين مهملة مشددة مفتوحة وهاء : حلقة الدبر والوكاء بكسر الواو والمد : الخيط الذي يربط به الشيء والمعنى فيه أن اليقظة هي الحافظة لما يخرج والنائم قد يخرج منه الشيء ولا يشعر به وغير منوم مما ذكر أبلغ منه في الذهول الذي هو مظنة لخروج شيء من الدبر كما أشعر به الخبر . فإن قيل : الأصل عدم خروج شيء فكيف عدل عنه وقيل بالنقض ؟ أجيب : بأنه لما جعل مظنة لخروجه من غير شعور به أقيم مقام اليقين كما أقيمت الشهادة المفيدة للظن مقام اليقين في شغل الذمة ولهذا لم يعولوا على احتمال ريح يخرج من القبل لأن ذلك نادر . وخرج بزوال التمييز النعاس وحديث النفس وأوائل نشوة السكر فلا نقض بها ومن علامات النوم الرؤيا ومن علامات النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه " ولو شك هل نام أو انعكس أو نام ممكنا أو لا لم ينتقض ولو تيقن الرؤيا وشك في النوم انتقض لما مر أنها من علاماته .
والعقل لغة : المنع لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب الفواحش ولذا قيل : إن العقل لا يعطى لكافر إذ لو كان له عقل لآمن إنما يعطى الذهن لما روى الترمذي أن رجلا قال : يا رسول الله ما أعقل فلانا النصراني فقال : ( مه إن الكافر لا عقل له أما سمعت قوله تعالى : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) ) وأجاب الجمهور بحمل هذا على العقل النافع .
وأما اصطلاحا فأحسن ما قيل فيه : إنه صفة يميز بها بين الحسن والقبيح وعن الشافعي : أنه آلة التمييز . وقيل : هو غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات . وقيل غير ذلك . واختلف في محله فقال أصحابنا وجمهور المتكلمين : إنه في القلب وقال أصحاب أبي حنيفة وأكثر الأطباء : إنه في الدماغ وسيأتي في الجنايات ( 1 / 34 ) إن شاء الله تعالى أنه لا قصاص فيه للاختلاف في محله . " .
إلا نوم ممكن مقعده " أي ألييه من مقره من أرض أو غيرها فلا ينقض وضوؤه ولو مستندا إلى ما لو زال لسقط لا من خروج شيء حينئذ من دبره ولا عبرة باحتمال خروج ريح من قبله لأنه نادر كما مر ومثل ذلك ما لو نام متمكنا بالمنفتح الناقض كما يؤخذ من كلام التنبيه ولقول أنس رضي الله تعالى عنه : ( كان أصحاب رسول الله A ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون ) رواه مسلم وفي رواية لأبي داود : ( ينامون حتى تخفق رؤوسهم الأرض ) وحمل على نوم الممكن جمعا بين الحديثين ودخل في ذلك ما لو نام محتبيا وأنه لا فرق بين النحيف وغيره وهو ما صرح به في " الروضة " وغيرها وقال ابن الرفعة : إنه المذهب ونقل الرافعي في " الشرح الصغير " عن الروياني : أن النحيف ينتقض وضوؤه وقال الأذرعي : إنه الحق وجمع شيخي بينهما : بأن عبارة الروضة محمولة على نحيف لم يكن بين مقره ومقعده تجاف والشرح على خلافه وهو جمع حسن لكن عبارة الشرح الصغير " بين بعض مقعده ومقره تجاف " فيكون الفرق التجافي الكامل . ولا تمكين لمن نام على قفاه ملصقا مقعده بمقره وكذا لو تحفظ بخرقة ونام غير قاعد . ولو نام متمكنا فسقطت يده على الأرض لم ينتقض ما لم تزل أليته عن التمكن . ومن خصائصه A أنه لا ينتقض وضوؤه بنومه مضطجعا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح . ويستحب الوضوء من النوم متمكنا خروجا من الخلاف بالنوم غيره مما ذكر معه فينتقض الوضوء به مطلقا .
فائدة : .
قال الغزالي : الجنون يزيل العقل والإغماء يغمره والنوم يستره ولهذا قال بعضهم : لو عبر المصنف بالغلبة على العقل ليكون الاستثناء متصلا لكان أحسن ويندفع ذلك بما حملت عليه عبارته تبعا للشارح