" الثالث " من أركان الصلاة : " القيام في فرض القادر " عليه ولو بمعين بأجرة فاضلة عن مؤنته ومؤنة ممونه يومه وليلته فيجب حالة الإحرام به وهذا معنى قول " الروضة " كأصلها : يجب أن يكبر قائما حيث يجب القيام لخبر البخاري عن عمران بن حصين : كانت بي بواسير فسألت النبي A عن الصلاة فقال : ( صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ) زاد النسائي : ( فإن لم تستطع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) وأجمع الأمة على ذلك وهو معلوم من الدين بالضرورة .
وخرج بالفرض النفل وبالقادر العاجز وسيأتي حكمهما لكنه أفهم صحة صلاة الصبي قاعدا مع القدرة على القيام والأصح كما في " البحر " خلافه ومثل صلاة الصبي الصلاة المعتادة .
واستثنى بعضهم من كلامه مسائل : .
منها ما لو خاف راكب السفينة غرقا أو دوران رأس فإنه يصلي من قعود ولا إعادة عليه .
ومنها ما لو كان به سلس بول لو قام سال بوله وإن قعد لم يسل فإنه يصلي من قعود على الأصح بلا إعادة .
ومنها ما لو قال طبيب ثقة لمن بعينه ماء : إن صليت مستلقيا أمكن مداواتك فله ترك القيام على الأصح ولو أمكن المريض القيام منفردا بلا مشقة ولم يمكنه ذلك في جماعة إلا أن يصلي بعضها قاعدا فالأفضل الانفراد وتصح مع الجماعة وإن قعد في بعضها كما في زيادة " الروضة " .
ومنها ما لو كان للغزاة رقيب يرقب العدو ولو قام لرآه العدو أو جلس الغزاة في مكمن ولو قاموا لرآهم العدو وفسد تدبير الحرب صلوا قعودا ووجبت الإعادة على المذهب لندرة ذلك لا إن خافوا قصد العدو لهم فلا تلزمهم الإعادة كما صححه في " التحقيق " ونقله في " الروضة " عن تصحيح المتولي . وقيل : تلزمهم الإعادة كما نقله الروياني عن النص .
وعلى الأول : يفرق بأن العذر هنا أعظم منه ثم وفي الحقيقة لا استثناء لأن من ذكر عاجز إما لضرورة التداوي أو خوف الغرق أو الخوف على المسلمين أو نحو ذلك فتناوله كلامه .
فإن قيل : لم أخر القيام عن النية والتكبير مع أنه مقدم عليهما ؟ أجيب : بأنهما ركنان في الصلاة مطلقا وهو ركن في الفريضة فقط فلذا قدما عليه . " .
وشرطه " أي القيام : " نصب فقاره " أي المصلي وهو - بفتح الفاء - عظام من الظهر أو مفاصله لأن اسم القيام دائر معه لا نصب رقبته لما مر أنه يستحب إطراق الرأس . " .
فإن وقف ( 1 / 154 ) منحنيا " إلى قدامه أو خلفه " أو مائلا " إلى يمينه أو يساره " بحيث لا يسمى قائما لم يصح " قيامه لتركه الواجب بلا عذر .
والانحناء السالب للاسم أن يصير إلى الركوع أقرب كما في " المجموع " . ومقتضاه أنه لو كان أقرب إلى القيام أو استوى الأمران صح وهو كذلك وإن نظر فيه الأذرعي .
ولو استند إلى شيء كجدار أجزأه مع الكراهة ولو تحامل عليه وكان بحيث لو رفع ما استند إليه لسقط لوجود اسم القيام وإن كان بحيث يرفع قدميه إن شاء وهو مستند لم يصح لأنه لا يسمى قائما بل معلقا نفسه . " .
فإن لم يطق انتصابا " لنحو مرض ككبر " وصار كراكع فالصحيح أنه يقف " وجوبا " كذلك " لأنه إلى القيام أقرب " ويزيد انحناءه لركوعه إن قدر " على الزيادة ليتميز الركنان .
والثاني : لا بل يقعد فإذا وصل إلى الركوع لزمه الارتفاع لأن حد الركوع يفارق حد القيام فلا يتأدى هذا بذاك . " .
ولو أمكنه " القيام متكئا على شيء أو القيام على ركبتيه لزمه ذلك لأنه ميسوره أو أمكنه " القيام دون الركوع والسجود " لعلة بظهره مثلا تمنع الانحناء " قام " وجوبا " وفعلهما بقدر إمكانه " في الانحناء لهما بالصلب لقوله A في الحديث الصحيح : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) .
فإن عجزه فبالرقبة والرأس فإن عجز أومأ إليهما .
ولو قدر على الركوع دون السجود أتى به مرتين مرة للركوع ومرة للسجود وإن قدر على زيادة على الركوع لزمه أن يقتصر في الركوع على حد الكمال ويأتي بالزيادة للسجود .
ومن قدر على القيام والاضطجاع فقط قام بدل القعود قال في " الروضة " عن البغوي : لأنه قعود وزيادة وأومأ بالركوع والسجود إمكانه وتشهد قائما . " .
ولو عجز عن القيام قعد " للحديث السابق وللإجماع " كيف شاء " لإطلاق الحديث المذكور ولا ينقص ثوابه عن ثواب المصلي قائما لأنه معذور .
قال الرافعي : ولا نعني بالعجز عدم الإمكان فقط بل في معناه خوف الهلاك أو الغرق وزيادة المرض أو لخوف مشقة شديدة أو دوران الرأس في حق راكب السفينة كما تقدم بعض ذلك .
قال في " زيادة الروضة " : والذي اختاره الإمام في ضبط العجز أن تلحقه مشقة تذهب خشوعه لكنه قال في " المجموع " : إن المذهب خلافه ا . ه .
وجمع شيخي بين كلامي " الروضة " و " المجموع " بأن إذهاب الخشوع ينشأ عن مشقة شديدة . " .
و " لكن " افتراشه " - وسيأتي في بيانه - موضع قيامه " أفضل من تربعه " وغيره " في الأظهر " لأنها هيئة مشروعة في الصلاة فكانت أولى من غيرها .
والثاني : تربيعه أفضل وهو نصه في البويطي .
وقيل : إن تربيع المرأة أفضل واختاره في " الحاوي " لأنه أستر لها . وقيل : التورك أفضل لأنه أعون للمصلي .
فإن قيل : لا يؤخذ من العبارة تفضيل الافتراش على سائر الهيئات بل على التربيع فقط ولم يقيده في " المحرر " بالتربيع .
أجيب : بأنه إذا فضل على التربيع فغيره أولى وفيه نظر إذ لا يلزم من أفضليته على التربيع أفضليته على التورك لأن التورك قعود عبادة بخلاف التربيع وإنما فضل الافتراش على التورك لأنه قعود يعقبه حركة فأشبه التشهد الأول فلو أطلق ك " المحرر " أو زاد ما قدرته كان أولى . " .
ويكره الإقعاء " هنا وفي سائر قعدات الصلاة للنهي عنه كما أخرجه الحاكم وصححه .
وفسر الإقعاء بتفاسير أحسنها ما ذكره المصنف بقوله : " بأن يجلس " المصلي " على وركيه " وهما أصل فخذيه " ناصبا ركبتيه " بأن يلصق ألييه بموضع صلاته وينصب فخذيه وساقيه كهيئة المستوفز وضم إليه أبو عبيدة أن يضع يديه على الأرض .
ووجه النهي عنه ما فيه من التشبه بالكلب والقرد كما وقع التصريح به في بعض الروايات .
ومن الإقعاء نوع مستحب عند المصنف و ابن الصلاح وهو أن يفرش رجليه ويضع ألييه على عقبيه وجعله الرافعي أحد الأوجه في تفسير الإقعاء المكروه وعلى هذا فهو تفسير ثان للمكروه .
وفسر البيهقي المستحب بأن يضع أطراف أصابعه بالأرض وألييه على عقبيه وفي البويطي نحوه وظاهره نصب قدميه لا فرشهما .
والتفسير الثالث : أن يضع يديه على الأرض ويقعد على أطراف أصابعه ( 1 / 155 ) قال في " المجموع " : ويكره أيضا أن يقعد مادا رجليه . " .
ثم ينحني " المصلي قاعدا " لركوعه بحيث تحاذي " أي تقابل " جبهته ما قدام ركبتيه " وهذا أقل ركوعه " والأكمل أن تحاذي موضع سجوده " لأنه يضاهي ركوع القائم في المحاذاة في الأقل والأكمل . " .
فإن عجز " المصلي " عن القعود " بأن ناله من القعود تلك المشقة الحاصلة من القيام " صلى لجنبه " مستقبلا القبلة بوجهه ومقدم بدنه وجوبا لحديث عمرو السابق : ( وكالميت في اللحد ) .
والأفضل أن يكون على " الأيمن " ويكره على الأيسر بلا عذر كما ذكره في " المجموع " . " .
فإن عجز " عن الجنب " فمستلقيا " على ظهره وأخمصاه للقبلة ولا بد من وضع نحو وسادة تحت رأسه ليستقبل بوجهه القبلة إلا أن يكون في الكعبة وهي مسقوفة فالمتجه كما قال في " المهمات " : جواز الاستلقاء على ظهره وكذا على وجهه وإن لم تكن مسقفة لأنه كيفما توجه فهو متوجه لجزء منها .
ويركع ويسجد بقدر إمكانه فإن قدر المصلي على الركوع فقط كرره للسجود ومن قدر على زيادة على أكمل الركوع تعينت تلك الزيادة للسجود لأن الفرق بينهما واجب على المتمكن .
ولو عجز عن السجود إلا أن يسجد بمقدم رأسه أو صدغه وكان بذلك أقرب إلى الأرض وجب فإن عجز عن ذلك أومأ برأسه .
والسجود أخفض من الركوع فإن عجز فببصره فإن عجز أجرى أفعال الصلاة بسننها على قلبه ولا إعادة عليه ولا تسقط عنه الصلاة وعقله ثابت لوجود مناط التكليف .
فروع : .
لو قدر في أثناء صلاته على القيام أو القعود أو عجز عنه أتى بالمقدور له وبنى على قراءته ويستحب إعادتها في الأوليين لتقع حال الكمال .
وإن قدر على القيام أو القعود قبل القراءة قرأ قائما أو قاعدا ولا تجزئه قراءته في نهوضه لقدرته عليها فيما هو أكمل منه فلو قرأ فيه شيئا أعاده .
وتجب القراءة في هوي العاجز لأنه أكمل مما بعده .
ولو قدر على القيام بعد القراءة وجب قيام بلا طمأنينة ليركع منه لقدرته عليه وإنما لم تجب الطمأنينة لأنه غير مقصود لنفسه وإن قدر عليه في الركوع قبل الطمأنينة ارتفع لها إلى حد الركوع عن قيام فإن انتصب ثم ركع بطلت صلاته لما فيه من زيادة ركوع أو بعد الطمأنينة فقد تم ركوعه ولا يلزمه الانتقال إلى حد الراكعين .
ولو قدر في الاعتدال قبل الطمأنينة قام واطمأن وكذا بعدها إن أراد قنوتا في محله وإلا يلزمه القيام لأن الاعتدال ركن قصير فلا يطول .
وقضية المعلل جواز القيام وقضية التعليل منعه وهو كما قال شيخنا : أوجه فإن قنت قاعدا بطلت صلاته .
فائدة : .
سئل الشيخ عز الدين عن رجل يتقي الشبهات ويقتصر على مأكول يسد الرمق من نبات الأرض ونحوه فضعف بسبب ذلك عن الجمعة والجماعة والقيام في الفرائض .
فأجاب : بأنه لا خير في ورع يؤدي إلى إسقاط فرائض الله تعالى . " .
وللقادر " على القيام " التنفل قاعدا " بالإجماع سواء الرواتب وغيرها لأن النفل يكثر فاشتراط القيام فيه يؤدي إلى الحرج أو الترك ولهذا قيل : لا يصلي العيدين والكسوفين والاستسقاء من قعود مع القدرة لندرتها . " .
وكذا " له النفل " مضطجعا " مع القدرة على القيام " في الأصح " لحديث البخاري : ( من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما - أي مضطجعا - فله نصف أجر القاعد ) والأفضل أن يكون على شقه الأيمن فإن اضطجع على الأيسر جاز .
ويلزمه أن يقعد للركوع والسجود . وقيل : يوميء بهما أيضا . والثاني : لا يصح من اضطجاع لما فيه من انمحاق صورة الصلاة . قال في " شرح مسلم " : فإن استلقى مع إمكان الاضطجاع لم يصح . وقيل : الأفضل أن يصلي مستلقيا فإن اضطجع صح قال : والصواب الأول .
ومحل نقصان أجر القاعد والمضطجع عند القدرة وإلا لم ينقص من أجرهما شيء