" الثاني " من الأركان : " تكبيرة الإحرام " في القيام أو بدله لحديث أبي داود والترمذي بإسناد صحيح : ( مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ) وحديث المسيء صلاته : ( إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك ) كلها رواه الشيخان وفي رواية للبخاري : ( ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ) .
وفي صحيح ابن حبان بدل ( 1 / 151 ) قوله : ( حتى تعتدل قائما ) ( حتى تطمئن قائما ) .
فائدة : .
إنما سميت هذه التكبيرة بتكبيرة الإحرام لأنه يحرم بها على المصلي ما كان حلالا له قبلها من مفسدات الصلاة كالأكل والشرب والكلام ونحو ذلك . " .
ويتعين " فيها " على القادر " على النطق بها " الله أكبر " لأنه المأثور من فعله A مع رواية البخاري : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) .
فإن قيل : الأقوال لا ترى فكيف يستدل بذلك ؟ أجيب : بأن المراد بالرؤية العلم أي كما علمتموني أصلي فلا يجزئ " الله الكبير " لفوات مدلول أفعل وهو التفضيل وكذا " الرحمن أو الرحيم أكبر " على الأصح ولو قال " الرحمن أجل " أو " الرب أعظم " لم يجز قطعا لفوات اللفظين معا . " .
ولا تضر زيادة لا تمنع الاسم " أي اسم التكبير " كالله الأكبر " بزيادة اللام لأنه لفظ يدل على التكبير وعلى زيادة مبالغة في التعظيم وهو الإشعار بالتخصيص فصار كقوله : " الله أكبر من كل شيء " إذ معنى " الله أكبر " أي من كل شيء . " .
وكذا " لا يضر " الله أكبر وأجل " أو " الله الجليل أكبر في الأصح " وكذا كل صفة من صفاته تعالى إذا لم يطل بها الفصل كقوله : " الله D أكبر " لبقاء النظم والمعنى بخلاف ما لو تخلل غير صفاته تعالى كقوله : " الله هو الأكبر " أو طالت صفاته تعالى ك " الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس أكبر " . أو طال سكوته بين كلمتي التكبير أو زاد حرفا فيه يغير المعنى كمدة همزة الله وألف بعد الباء أو زاد واوا ساكنة أو متحركة بين الكلمتين أو زادها قبل الكلمتين كما في " فتاوى القفال " .
ولو شدد الباء من " أكبر " ففي " فتاوى ابن رزين " أنها لا تنعقد ووجهه واضح لأنه لا يمكن تشديدها إلا بتحريك الكاف لأن الباء المدغمة ساكنة والكاف ساكنة ولا يمكن النطق بهما وإذا حركت تغير المعنى لأنه يصير " أكبر " .
ونقل عنه شيخنا أنه قال : لو شدد الراء بطلت صلاته . واعترض عليه بأن الوجه خلافه ولعل النقل اختلف عنه .
ولو لم يجزم الراء من " أكبر " لم يضر خلافا لما اقتضاه كلام ابن يونس في " شرح التنبيه " واستدل له الدميري بقوله A : ( التكبير جزم ) ا . ه .
قال الحافظ ابن حجر : إن هذا لا أصل له وإنما هو قول النخعي نبه على ذلك في تخريج أحاديث الرافعي .
وعلى تقدير وجوده فمعناه عدم التردد فيه .
والثاني : تضر الزيادة فيه بالصفات المذكورة لاستقلالها بخلاف " الله أكبر " . وعلى الأول : الاقتصار على " الله أكبر " أولى اتباعا للسنة وللخروج من الخلاف . " .
لا أكبر الله " فإنه يضر " على الصحيح " لأنه لا يسمى تكبيرا بخلاف عليكم السلام آخر الصلاة كما سيأتي لأنه يسمى سلاما . والثاني : لا يضر لأن تقديم الخبر جائز .
فائدة : .
همزة الجلالة همزة وصل فلو قال المصلي مأموما : " الله أكبر " بحذف همزة الجلالة صح كما جزم به في " المجموع " لكنه خلاف الأولى .
والحكمة في افتتاح الصلاة بالتكبير - كما ذكره القاضي عياض - استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه ليمتلىء هيبة فيحضر قلبه ويخشع ولا يعبث .
ويجب أن يكبر قائما حيث يلزمه القيام لظاهر الخبر السابق وأن يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض عنده من لغط أو غيره .
ويسن أن لا يقصره بحيث لا يفهم وأن لا يمططه بأن يبالغ في مده بل يأتي به مبينا والإسراع به أولى من مده لئلا تزول النية وبخلاف تكبير الانتقالات لئلا يخلو باقيها عن الذكر وأن يجهر بتكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال الإمام ليسمع المأمومين فيعلموا صلاته بخلاف غيره من مأموم ومنفرد فالسنة في حقه الإسرار .
نعم إن لم يبلغ صوت الإمام جميع المأمومين جهر بعضهم واحد أو أكثر بحسب الحاجة ليبلغ عنه لخبر الصحيحين : ( أنه A صلى في مرضه بالناس وأبو بكر Bه يسمعهم التكبيرة ) .
ولو كبر للإحرام تكبيرات ناويا بكل منها الافتتاح دخل في الصلاة بالأوتار وخرج منها بالأشفاع لأن من افتتح صلاة ثم نوى افتتاح صلاة بطلت صلاته هذا إن لم ينو بين كل تكبيرتين خروجا أو افتتاحا وإلا فيخرج بالنية ويدخل بالتكبير فإن لم ينو بغير التكبيرة الأولى شيئا لم يضر لأنه ذكر .
ومحل ما ذكر مع العمد - كما قاله ابن الرفعة - أما مع السهو فلا بطلان . " .
ومن عجز " وهو ناطق عن النطق بالتكبير بالعربية ولم يمكنه التعلم في الوقت " ترجم " لأنه لا إعجاز فيه والأصح أنه يأتي بمدلول التكبير بأي لغة شاء وقيل : إن عرفه بالسريانية أو العبرانية تعينت لشرفها ( 1 / 152 ) بإنزال بعض كتب الله تعالى بها .
وبعدهما الفارسية أولى من التركية والهندية وانفرد أبو حنيفة بجواز الترجمة للقادر . " .
ووجب التعلم إن قدر " عليه ولو بسفر إلى بلد آخر في الأصح لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
وقيل : لا يلزمه السفر كما لا يلزمه ذلك عند عدم الماء ليتوضأ .
وفرق الأول بأن هذا تعلم كلمة واحدة ينتفع بها طول عمره بخلاف الماء وبعد التعلم لا يجب عليه قضاء ما صلاه بالترجمة قبله إلا أن يكون أخر مع التمكن منه فإنه لا بد من صلاته بالترجمة عند ضيق الوقت لحرمته . ويجب القضاء لتفريطه بالتأخير وهذه الأحكام جارية فيما عدا القرآن من الواجبات .
فائدة : .
ترجمة التكبير بالفارسية " خداي بزركتر " فلا يكفي " خداي بزرك " لتركه التفضيل ك " الله كبير " .
ويلزم السيد أن يعلم غلامه العربية لأجل التكبير أو يخليه ليكتسب أجرة المعلم فلو لم يعلمه واستكسبه عصى بذلك .
وأما العاجز لخرس فيجب عليه تحريك لسانه وشفتيه ولهاته بالتكبير قدر إمكانه .
قال في " المجموع " : وهكذا حكم تشهده وسلامه وسائر أذكاره .
قال ابن الرفعة : فإن عجز عن ذلك نواه بقلبه كما في المريض . " .
ويسن " للمصلي " رفع يديه في تكبيره " للإحرام بالإجماع - كما نقله ابن المنذر وغيره - ولو مضطجعا مستقبلا بكفيه القبلة مميلا أطراف أصابعهما نحوها - كما قاله المحاملي وإن استغربه البلقيني - مفرقا أصابعهما تفريقا وسطا - كما في " الروضة " - قال : وإن في المجموع المشهور عدم التقييد به كاشفا لهما فالمراد باليدين هنا الكفان .
ويرفعهما " حذو " - بذال معجمة - أي مقابل " منكبيه " لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : ( أنه A كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة ) متفق عليه .
قال في " شرح مسلم " وغيره : معنى " حذو منكبيه " أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه وإبهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه .
وقال الأذرعي : بل معناه كون رؤوس أصابعه حذو منكبيه .
والمنكب : مجمع عظم العضد والكف .
فإن لم يمكن الرفع إلا بزيادة على المشروع أو نقص منه أتى بالممكن منهما فإن أمكنه الإتيان بكل منهما فالزيادة أولى لأنه أتى بالمأمور وزيادة فإن لم يمكنه رفع إحدى يديه رفع الأخرى .
وأقطع الكفين يرفع ساعديه وأقطع المرفقين يرفع عضديه تشبيها برفع اليدين . " .
والأصح " في زمن الرفع " رفعه مع ابتدائه " أي التكبير للاتباع كما في الصحيحين سواء انتهى التكبير مع الحط أم لا كما ذكره الرافعي ورجحه المصنف في " الروضة " و " شرح مسلم " .
وصحح في " التحقيق " و " المجموع " و " شرح الوسيط " أنه يسن انتهاؤهما معا ونقله في الأخيرين عن نص " الأم " قال في " المهمات " : فهو المفتي به .
والثاني : يرفع قبل التكبير ويكبر مع ابتداء الإرسال وينهيه مع انتهائه . وقيل : يرفع غير مكبر ثم يكبر ويداه مرتفعتان فإذا فرغ أرسلهما من غير تكبير فإن ترك الرفع حتى شرع في التكبير أتى به في أثنائه لا بعده لزوال سببه .
وردهما من الرفع إلى تحت صدره أولى من إرسالهما بالكلية ثم استئناف رفعهما إلى تحت صدره .
قال المتولي : وينبغي أن ينظر قبل الرفع والتكبير إلى موضع سجوده ويطرق رأسه قليلا . " .
ويجب قرن النية بالتكبير " أي تكبيرة الإحرام لأنها أول الأركان وذلك بأن يأتي بها عند أولها ويستمر ذاكرا لها إلى آخرها كما يجب حضور شهود النكاح إلى الفراغ منه . " .
وقيل يكفي " قرنها " بأوله " بأن يستحضر ما ينويه قبله ولا يجب استصحابها إلى آخره واختار المصنف في " شرح المهذب " و " الوسيط " تبعا للإمام و الغزالي الاكتفاء بالمقارنة العرفية عند العوام بحيث يعد مستحضر الصلاة اقتداء بالأولين في تسامحهم بذلك . وقال ابن الرفعة : إنه الحق وصوبه السبكي ولي بهما أسوة .
وعلى الأول : لو عزبت قبل تمام التكبير لم تصح الصلاة لأن النية معتبرة في الانعقاد والانعقاد لا يحصل إلا بتمام التكبيرة .
وظاهر كلامهم اشتراط مقارنة النية للجليل مثلا إذا قال " الله الجليل أكبر " والظاهر - كما أفتى به شيخي - أن كلامهم خرج مخرج الغالب من عدم زيادة شيء بين لفظي التكبير فلا دلالة له على اشتراط المقارنة فيما عدا لفظي التكبير نظرا للمعنى إذ المعتبر اقترانها باللفظ الذي يتوقف الانعقاد عليه وهو " الله أكبر " فلا يشترط اقترانها بما تخلل بينهما ولا يجب استصحابها بعد التكبير للعسر لكنه يسن ويعتبر عدم المنافي كما في عقد الإيمان بالله تعالى فإن نوى الخروج من الصلاة أو تردد في أن يخرج أو يستمر بطلت بخلاف الوضوء والاعتكاف والحج والصوم لأنها أضيق بابا من ( 1 / 153 ) الأربعة فكان تأثيرها باختلاف النية أشد .
فالعبادة في قطع النية أضرب : .
الأول : الإيمان والصلاة يبطلان بنية الخروج وبالتردد .
الثاني : الحج والعمرة لا يبطلان بهما .
الثالث : الصوم والاعتكاف الأصح أنهما لا يبطلان .
الرابع : الوضوء لا يبطل بنية الخروج بعد الفراغ على المذهب ولا بالتردد فيه قطعا .
ولا أثر للوساوس الطارقة للفكر بلا اختيار بأن وقع في فكره أنه لو تردد في الصلاة كيف يكون الحال فقد يقع مثله في الإيمان بالله تعالى .
فروع : .
لو علق الخروج من الصلاة بحصول شيء بطلت في الحال ولو لم يقطع بحصوله كتعليقه بدخول شخص وفارق ذلك ما لو نوى في الركعة الأولى أن يفعل في الثانية فعلا مبطلا لصلاة كتكلم وأكل حيث لا تبطل في الحال بأنه هنا ليس بجازم وهناك جازم والمحرم عليه إنما هو فعل المنافي للصلاة ولم يأت به .
ولو شك هل أتى بتمام النية أو لا ؟ أو هل نوى ظهرا أو عصرا ؟ فإن تذكر بعد طول زمان أو بعد إتيانه بركن ولو قوليا كالقراءة بطلت صلاته لانقطاع نظمها وندرة مثل ذلك في الأولى ولتقصيره بترك التوقف إلى التذكر في الثانية وإن كان جاهلا إذا كان من حقه أن لا يأتي به ويتوقف عن الإتيان به بخلاف من زاد في صلاته ركنا ناسيا إذ لا حيلة في النسيان ذكره في " المجموع " .
وبعض الركن القولي فيما ذكر ككله ومحله إذا طال زمن الشك أو لم يعد ما قرأه فيه .
وألحق البغوي في " فتاويه " قراءة السور به فيما ذكر بقراءة الفاتحة وفيها عن الأصحاب أنه لو ظن أنه في صلاة أخرى فأتم عليه صحت صلاته ا . ه .
فإن تذكر قبل طول الزمان وإتيانه بركن لم تبطل لكثرة عروض مثل ذلك .
وقول ابن المقري تبعا للقمولي : أنه لو قنت في سنة الفجر ظانا أنها الصبح وطال الزمان أو أتى بركن ثم تذكر بطلت قال شيخي : ضعيف لمخالفته لما نقله البغوي عن الأصحاب في المسألة التي قبل هذه .
ولو شك في الطهارة وهو جالس للتشهد الأول فقام إلى الثالثة ثم تذكر الطهارة بطلت صلاته كما لو شك في النية ثم تذكر بعد إحداث فعل بخلاف ما لو قام ليتوضأ فتذكر فإنها لا تبطل بل يعود ويبني ويسجد للسهو