" والصبح " - بضم الصاد وحكي كسرها - في اللغة : أول النهار فلذلك سميت به هذه الصلاة . وقيل : لأنها تقع بعد الفجر الذي يجمع بياضا وحمرة . والعرب تقول : وجه صبيح لما فيه بياض وحمرة .
ويدخل وقتها " بالفجر الصادق " لحديث جبريل فإنه علقه على الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب على الصائم وإنما يحرمان بالفجر الصادق . " .
وهو المنتشر ضوؤه معترضا بالأفق " أي نواحي السماء بخلاف الكاذب فإنه يطلع مستطيلا بأعلاه ضوء كذنب السرحان أي الذئب ثم تعقبه ظلمة .
وشبه بذنب السرحان لطوله وقيل : لأن الضوء يكون في الأعلى دون الأسفل كما أن الشعر على أعلى ذنب السرحان دون أسفله .
تنبيه : .
تقييده هنا الفجر بالصادق وإهماله في خروج وقت العشاء ربما يوهم أن هذا الوصف لا يعتبر هناك وليس مرادا بل إنما يخرج بالصادق كما قدرته الذي يدخل به وقت الصبح .
ولو عكس فوصفه به أولا وأطلقه ثانيا بلام العهد ليعود إليه لكان أولى . " .
ويبقى " وقتها " حتى تطلع الشمس " لحديث مسلم : ( وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس ) والمراد بطلوعها هنا طلوع بعضها بخلاف غروبها فيما مر إلحاقا لما لم يظهر بما ظهر فيهما ولأن وقت الصبح يدخل بطلوع بعض الفجر فناسب أن يخرج بطلوع بعض الشمس . " .
والاختيار أن لا تؤخر عن الإسفار " وهو الإضاءة لخبر جبريل السابق وقوله فيه بالنسبة إليها : ( الوقت ما بين هذين ) محمول على وقت الاختيار فلها ستة أوقات : وقت فضيلة أول الوقت ووقت اختيار ووقت جواز بلا كراهة إلى الاحمرار ثم وقت كراهة ووقت حرمة ووقت ضرورة وهي نهارية لقوله تعالى : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم ) الآية وللأخبار الصحيحة في ذلك .
وهي عند الشافعي والأصحاب الصلاة الوسطى لقوله تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) الآية إذ لا قنوت إلا في الصبح ولخبر مسلم قالت عائشة Bها لمن يكتب لها مصحفا : ( أكتب والصلاة الوسطى وصلاة العصر ثم قالت : سمعتها من رسول الله A ) إذ العطف يقتضي التغاير .
قال المصنف عن الحاوي الكبير : صحت الأحاديث أنها العصر لخبر : ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ) ومذهب الشافعي اتباع الحديث فصار هذا مذهبه ولا يقال فيه قولان كما توهم فيه بعض أصحابنا .
وقال في " شرح مسلم " الأصح أنها العصر كما قاله الماوردي .
ولا يكره تسمية الصبح غداة كما في " الروضة " والأولى عدم تسميتها بذلك وتسمى صبحا وفجرا لأن القرآن جاء بالثانية والسنة بهما معا . " .
قلت : يكره تسمية المغرب عشاء " وتسمية " العشاء عتمة " للنهي عن الأول في خبر البخاري : ( لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب وتقول الأعراب : هي العشاء ) وعن الثاني في خبر مسلم : ( لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا ( 1 / 125 ) إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل ) بفتح أوله وضمه وفي رواية : ( بحلاب الإبل ) قال في " شرح مسلم " : معناه أنهم يسمونها العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الإبل أي يؤخرونه إلى شدة الظلام .
والله تعالى إنما سماها في كتابه العشاء .
وما ذكره من كراهة تسمية العشاء عتمة وهو ما جزم به في " التحقيق " و " زوائد الروضة " لكن قال في " المجموع " : نص في " الأم " على أنه يستحب أن لا تسمى بذلك وهو مذهب محققي أصحابنا وقالت طائفة قليلة : يكره .
قال في " المهمات " : فظهر أن الفتوى على عدم الكراهة .
وقال في " العباب " : ويندب أن لا تسمى العشاء عتمة ولا يكره أن يقال للمغرب والعشاء العشاءان ولا العشاء العشاء الآخرة .
فإن قلت : قد سميت في الحديث عتمة لقوله A : ( لو تعلمون ما في الصبح والعتمة ) .
أجيب : بأنه خاطب بالعتمة من لا يعرف العشاء أو أنه استعمله لبيان الجواز وأن النهي للتنزيه . " .
و " يكره " النوم قبلها " أي صلاة العشاء بعد دخول وقتها لأنه A كان يكره ذلك متفق عليه .
والمعنى فيه خوف استمراره إلى خروج الوقت ولهذا قال ابن الصلاح : إن هذه الكراهة تعم سائر الصلوات ومحله إذا ظن تيقظه في الوقت وإلا حرم عليه ولو تيقظ في الوقت إلا أنه غلبه النوم فلا يعصي بل ولا يكره له ذلك لعذره .
قال الإسنوي : وينبغي أن يكره أيضا قبل دخول العشاء وإن كان بعد فعل المغرب للمعنى السابق ا . ه .
والظاهر عدم الكراهة قبل دخول الوقت لأنه لم يخاطب بها ولا يحرم عليه إذا غلب على ظنه استغراق الوقت لما ذكر . " .
و " يكره " الحديث بعدها " أي بعد فعلها لأنه A كان يكره ذلك متفق عليه .
وعلل ذلك بأن نومه يتأخر فيخاف فوت صلاة الليل وإن كان له صلاة ليل أو فوت الصبح عن وقتها أو عن أوله ولتقع الصلاة التي هي أفضل الأعمال خاتمة عمله والنوم أخو الموت وربما مات في نومه .
وقضية هذا أنه لا يكره بين الفرض والنافلة وعلله بعضهم بأن الله تعالى جعل الليل سكنا وهذا يخرجه عن ذلك .
والمراد الحديث المباح في غير هذا الوقت أما المكروه فهو أشد كراهة .
وشمل إطلاقه ما لو جمع العشاء مع المغرب تقديما قال الإسنوي : والمتجه خلافه .
والأول أوجه لما تقدم في بعض التعاليل .
ولو تحدث قبلها فمفهوم كلامهم عدم الكراهة .
قال ابن النقيب : ولو قيل : إنه بالكراهة أولى لزيادة المحذور بتأخير العشاء على القول بأفضلية التقديم لكان له وجه ظاهر . " .
إلا في خير والله أعلم " كقراءة قرآن وحديث ومذاكرة فقه وإيناس ضيف وزوجة عند زفافها وتكلم بما دعت الحاجة إليه كحساب ومحادثة الرجل أهله لملاطفة أو نحوها فلا كراهة لأن ذلك خير ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة .
وروى الحاكم عن عمران بن حصين قال : ( كان النبي A يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل ) .
واستثنى بعضهم من كراهة الحديث بعدها المسافر ومن كراهة الحديث قبلها إذا قلنا به المنتظر لصلاة الجماعة بعد مضي وقت الاختيار لقوله A : ( لا سمر بعد العشاء إلا لمصل أو مسافر ) رواه الإمام أحمد في مسنده .
فائدة : .
روى مسلم عن النواس بن سمعان قال : ( ذكر رسول الله A الدجال ولبثه في الأرض أربعين يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا : فذلك اليوم الذي كسنة يكفينا فيه صلاة يوم قال : لا اقدروا له قدره ) قال الإسنوي : فيستثني هذا اليوم مما ذكر في المواقيت ويقاس به اليومان التاليان له .
قال في " المجموع " : وهذه مسألة سيحتاج إليها نص على حكمها رسول الله A ا . ه .
واعلم أن وجوب هذه الصلوات موسع إلى أن يبقى ما يسعها وإذا أراد تأخيرها إلى أثناء وقتها لزمه العزم على فعلها في الوقت على الأصح في " التحقيق " و " المجموع " فإن أخرها مع العزم على ذلك ومات في أثناء الوقت وقد بقي منه ما يسعها قبل فعلها لم يعص بخلاف الحج إذا مات بعد التمكن من فعله ولم يفعله لأن الصلاة لها وقت محدود ولم يقصر بإخراجها عنه .
نعم إن غلب على ظنه أنه يموت في أثناء الوقت بعد مضي قدرها كأن لزمه قود فطالبه ولي الدم باستيفائه فأمر الإمام بقبله تعينت الصلاة في أول الوقت فيعصي بتأخيرها عنه لأن الوقت تضيق عليه بظنه وقضية كلام " التحقيق " أن الشك كالظن .
وأما الحج فآخر وقته غير معلوم فأبيح له تأخيره بشرط أن يبادره الموت فإذا لم يبادره فقد قصر بإخراجه عن وقته بموته قبل الفعل