باب الشك و اليقين في الطلاق .
قال الشافعي C تعالى : و إذا قال الرجل : ( أنا أشك أطلقت امرأتي أم لا ؟ ) قيل له ( الورع أن تطلقها فإن كنت تعلم أنك إن كنت قد طلقت لم تجاوز واحدة قلنا : قد طلقت واحدة فاعتدت منك فإقرارك بالطلاق و إن أردت رجعتها في العدة فأنت أملك لها و هي معك باثنتين و إذا طلقتها باثنتين و قد أوقعت أولا الثالثة حرمت عليك حتى يحلها لك زوج فتكون معك هكذا و إن كنت تشك في الطلاق فلم تدر أثلاثا طلقت أو واحدة فالورع أنك تقر بأنك طلقتها ثلاثا و الاحتياط لك أن توقها فإن كانت وقعت لم تضرك الثلاث و إن لم تكن تحرم عليك إلا بيقين تحريم فإن تشك في تحريم فلا تحرم عليك و قد قال رسول الله A : [ إن الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فلا ينصرف يسمع صوتا أو يجد ريحا ] قال الشافعي C : ( هذا كان على يقين الوضوء وشك في انقاضه فأمره رسول الله A أن يثبت على يقين الوضوء ولا ينصرف من الصلاة بالشك حتى يستيقن بانتقاض الوضوء بأن يسمع من نفسه صوتا أو يجد ريحا و هو في معنى الذي يكون على يقين النكاح و يشك في ترحيم الطلاق ولا يخالفه و إن نكلت فهي امرأته بحالها و إن ماتت فسأل ذلك ورثتها ليمنعوه ميراثها فذلك لهم و يقومون في ذلك مقامها ) قال الشافعي : و إن كان هو الميت فسأل وريثه أن تمنع ميراثها منه بقوله فليس لهم ذلك وإن سألوا يمينها و قالوا : إنه طلقها ثلاثا و هو صحيح أحلفت ما عملت ذلك فإن حلفت ورثت و إن نكلت حلفوا لقد طلقها ثلاثا ولم ترث ولو استيقن بطلاق واحدة وشك في الزيادة لزمته واحدة باليقين و كان فيما شك من الزيادة كهو فيما شك أولا من تطليقة أو ثلاث ( قال A ) : و لو شك في طلاق فأقام معها فأصابها و ماتت و أخذ ميراثها ثم استيقن أنه كان طلقها في الوقت الذي نسب إلى نفسه فيه الشك في طلاقها أو قامت عليه بينة أخذ منه مهر مثلها بالإصابة ورد جميع ما أخذ من ميراثها ولو كان هو الشاك في طلاقها ثلاثا و مات و قد أصابها بعد شكه و أخذت ميراثه ثم أقرت أنها عملت أنه كان قد طلقها في تلك الحال ثلاثا ردت الميراث و لم تصدق على أن لها مهرا بالإصابة ولو ادعت الجهالة بأن الإصابة كانت تحرم عليها أو ادعت غضبه إياها عليه أو لم تدع من ذلك شيئا تصدق على ما عليها أحلفناه و لا تصدق على ما تأخذ من مال غيرها ولو أقر لها الورثة بما ذكرت كان لها مهر مثلها و ترد ما أخذت من ميراثه و لو شك في عتق رقيقه كان هكذا لا يعتقون إلا ببقينه بعتقهم و إن أرادوا أحلفناه لهم فإن حلف فيهم رقيقه وإن نكل فحلفوا عتقوا و إن حلف بعضهم و نكل عتق من حلف منهم ورق من لم يحلف وإن كان فيهم صغير أو معتوه كان رقيقا بحاله ولا نخلفه إلا لمن أراد بيمينه منهم و لو استيقن أنه حنث في صحته بأحد أمرين : طلاق أو عتاق وقفناه عن نسائه و رقيقه حتى يبين أيهم أراد ونحلفه للذي زعم أنه لم يرد باليمين و إن مات قبل أن يحلف أقرع بينهم فإن وقعت القرعة على الرقيق عتقوا من رأس المال و إن طلقهن و لم يستيقن و الورع أن يدعن ميراثه و إن كان ذلك و هو مريض فسواء كله لأن الرقيق يعتقون من الثلث ( قال ) : و إذا قال لامرأتين له : إحداكما طالق ثلاثا ولنسوة له : إحداكن طالق أو اثنتان منكم طالقتان منع منهن كلهن وأخذ بنفقتهن حتى يقول : التي أردت هذه و الله ما أردت هاتين فإن أراد البواقي أن يحلف لهن أحلف بدعواهن عليه وإن لم يردنه لم أحلفه لهن لأنه قد أبان أن طرقه لم يقع عليهن وأنه وقع على غيرهن و لو كانت اثنتين فقال لإحداهما : لم أعن هذه بالطلاق كان ذلك إقرار يحدثه بطلاقها ولو قال : ليست هذه التي أوقعت عليها الطلاق التي أردت أوقعن الطلاق عليها أو لم نوقعه حتى قال : أخطأت وهذه التي زعمت أني لم أردها بالطلاق التي أردتها به طلقتا معا بإقراره به و هكذا إذا كان في أكثر من اثنتين من النساء و إذا قال الرجل لامرأتين له إحداكما طالق و قال : قال قائل : أولى أن أوقع الطلاق على إحداهما ؟ قيل له : إن فعلت ألزمناك ما أوقعت الآن و لم نخرجك من الطلاق الأول فأنا على يقين من أنه أوقع على إحداهما و لا نخرجك منه إلا بأن تخرجه على واحدة بعينها دون الأخرى و إن قلته فأردت الأخرى أحلفناك لها فإن لم يقل أردت واحدة بعينها ولم يحلف حتى ماتت إحداهما و قلنا له ميراثه منها فإن زعم أن التي طلق الحية ورثنا من الميتة و إن أراد ورثتها أحلفناه لهم ما طلقها و جعلنا له ميراثه منها إذا كنا لا نعرف أيتها طلق إلا بقوله فسواء ماتت إحداهما وبقيت الأخرى أو ماتتا معا أو لم يموتا و هكذا لو ماتت إحداهما قبل الأخرى أو ماتتا جميعا معا أو لم يعرف أيتها ماتت قبل وقفنا له من كل واحدة منهما ميراث زوج فإذا قال لإحداهما : هي التي طلقت ثلاثا رددنا على أهلها ما وقفنا لزوجها و أحلفناه لورثة الأخرى إن شاءوا فجعلنا له ميراثه منها و إن كان في ورثتها صغار و لم يرد الكبار يمينه لم نعطه ميراثها إلا بيمين و هكذا إن كان فيهم غائب ولو كان الطلاق في هذا كله يملك الرجعة فماتتا في العدة ورثهما أو مات ورثتاه لأنهما معا في معاني الأزواج في الميراث و أكبر أمرهما ولو كانت المسألة بحالها و كان هو الميت قبلهما و الطلاق ثلاثا وقفنا لهما ميراث امرأة حتى يصطلحا لأنا لو قسمناه بينهما أيقنا أنا قد منعنا الزوجة نصف حقها و أعطينا غير الزوجة نصف حق الزوجة وإذا وقفنا فإن عرفناه لإحداهما فلما لم يبين لأيهما هو وقفناه حتى نجد على الزوج بينة نأخذ بها أو تصادقا منهما فيلزمهما أن يصطلحا فتكون إحداهما قد عفت بعض حقها أو تركت ما ليس لها فلا يكون لنا في صلحهما حكم ألزمناهما كارهين و لا إحداهما ولو ماتت إحداهما قبله ثم مات قبل أن يبين ثم ماتت الأخرى بعده سئل الورثة فإن قالوا : إن طرقه قد وقع على الميتة ورثته الحية بلا يمين على واحد منهم لأنهم يقرون أن في ماله حقا للحية و لا حق له في ميراث الميتة و هذا إذا كان الورثة كبارا رشدا يكون أمرهم في أموالهم جائزا و إن كان فيهم صغير جاز في حق الكبار الرشد إقرارهم ووقف للزوج الميت حصة الصغار و من كان كبيرا غير رشيد من ميراث زوج حتى يبلغوا الرشد و الحلم و المحيض ووقف للزوجة الحية بعد حصتها من ميراث امرأة حتى يبلغوا ولو كان الورقة كبارا فقالوا : التي طلق ثلاثا هي المرأة الحية بعده ففيها قولان : أحدهما : أنهم يقومون مقام الميت فيحلفون على البت أن فرنة الحية بعده التي طلق ثلاثا ولا يكون لها ميراث منه ويأخذون له ميراثه من الميتة قبله كما يكون له الحق بشاهد فيحلفون أن حقه لحق و يقومون مقامه في اليمين و اليمين على البت لأنهم قد يعلمون ذلك بخبره و خبر من يصدقون غيره و إن كان فيهم صغار وقف حق الصغار من ميراث الأب من الميتة قبله حتى يحلفوا فيأخذوه أو ينكلوا فيبطل أو يموتوا فيقوم و رثتهم مكانهم كما يكون فيما وصفنا من يمين و شاهد و يوقف قدر حقهم من ميراث أبيهم للمرأة الحية بعده ليقروا لها فيأخذوه و يبطل حقهم من الأخرى و يحلفوا فيأخذوا حقهم من الأخرى ويبطل حقها الذي وقف و القول الثاني : أن يوقف له ميراث زوج من الميتة قبله و للميتة بعده ميراث امرأة منه حتى تقوم بينة أو يصطلح ورثته وورثتها قال الشافعي C : ولو رأى امرأة من نسائه مطلقة فقال : أنت طالق ثلاثا و قد أثبت أنها من نسائه و لا يدري أيتهن هي ؟ فقالت كل واحدة منهن : أنالا هي أو جحدت كل واحدة منهن أن تكون هي أو ادعت ذلك واحدة منهن أو اثنتان و جحد البواقي فسواء و لا يقع الطلاق على واحدة منهن إلا أن يقول : هي هذه فإذا قال لواحدة منهن : هي هذه وقع عليها الطلاق ومن سأل منهن أن يحلف لها ما طلقها أحلف و من لم تسأل لم حلف لأنه أوقع الطلاق على واحدة ولم نعلمه طلق اثنتين لو أقر لواحدة ثم قال : أخطأت هي هذه الأخرى لزمه الطلاق للأولى التي أقر لها و هكذا لو صنع هذا فيهن كلهن لزمه الطلاق لهن كلهن ولو قال : هي هذه أو هذه أو هذه بل هذه طلقت الأولى ووقع على الثانية التي قال : بل هذه ولو قال : إحداكن طالق ثم قال في واحدة هي هذه ثم قال : و الله ما أدري أهي هي أو غيرها طلقت الأولى بالإقرار ووقف عن البواقي ولو يكن كالذي قال على الابتداء : ما أدري أطلقت أولا هذا مطلق بيقين ثم أقر لواحدة فألزمنا له الإقرار ثم أخبرنا أنهى لا يدري : أصدق في إقراره فحل له منهن غيرها أو لم يصدق فتكون واحدة منهن محرمة عليه ويكون في البواقي كهو في الابتداء ما كان مقيما على الشك فإذا قال : قد استيقنت أن الذي قلت أولا هي التي طلقت كما قلت فالقول قوله و أيتهن أرادت أن أحلفه لها أحلفته و لو قال : هي هذه ثم قال ما أدري أهي هي أم لا ثم مات قبل أن يتبين لم ترثه التي قال هي هذه على الابتداء : ما أدري أطلقت نسائي أم واحدة منهن أم لا ؟ ثم مات ورثنه معا و لا يمنعن ميراثه بالشك في طلاقهن