حكم ما إذا تعارض ضرران أو مفسدتان .
الرابعة : نشأت من هذه القاعدة قاعدة رابعة وهي : ما إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما .
قال الزيلعي في باب شروط الصلاة : ثم الأصل في جنس هذه المسائل أن من ابتلي ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيتهما شاء وإن اختلفتا يختار أهونهما لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة ولا ضرورة في حق الزيادة .
مثاله : رجل عليه جرح لو سجد سال جرحه و إن لم يسجد لم يسل فإنه يصلي قاعدا يومىء بالركوع والسجود لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث ألا ترى أن ترك السجود جائز حالة الاختيار في التطوع على الدابة ومع الحدث لا يجوز بحال .
وكذا : شيخ لا يقدر على القراءة قائما ويقدر عليها قاعدا يصلي قاعدا لأنه يجوز حالة الاختيار في النفل ولا يجوز ترك القراءة بحال ولو صلى في الفصلين قائما مع الحدث وترك القراءة لم يجز .
ولو كان معه ثوبان نجاسة كل واحد متهما أكثر من قدر الدرهم يتخير ما لم يبلغ أحدهما قدر ربع الثوب لاستوائهما في المنع ولو كان دم أحدهما قدر الربع ودم الآخر أقل يصلي في أقلهما دما ولا يجوز عكسه لأن للربع حكم الكل ولو كان في كل واحد منهما قدر الربع أو كان في أحدهما أكثر لكن لا يبلغ ثلاثة أرباعه وفي الآخر قدر الربع صلى في أيهما شاء لاستوائهما في الحكم والأفضل أن يصلي في أقلهما نجاسة ولو كان ربع أحدهما طاهرا والآخر أقل من الربع يصلي في الذي ربعه طاهر ولا يجوز في العكس .
ولو أن امرأة لو صلت قائمة ينكشف من عورتها ما يمنع جواز الصلاة ولو صلت قاعدة لا ينكشف منها شيء فإنها تصلي قاعدة لما ذكرنا أن ترك القيام أهون ولو كان الثوب يغطي جسدها وربع رأسها وتركت تغطية الرأس لا يجوز ولو كان يغطي أقل من الربع لا يضرها تركه لأن للربع حكم الكل وما دونه لا يعطى له حكم الكل والستر أفضل تقليلا للانكشاف انتهى .
ومن هذا القبيل ما ذكره في الخلاصة : أنه لو كان إذا خرج للجماعة لا يقدر على القيام ولو صلى في بيته صلى قائما يخرج إليها ويصلي قاعدا وهو الصحيح .
ونقل عن شرح منية المصلي تصحيحا آخر أنه يصلي في بيته قائما وهو الأظهر .
ومن هذا النوع : لو اضطر وعنده ميتة ومال الغيرة فإنه يأكل الميتة .
وعن بعض أصحابنا رحمهم الله : من وجد طعام الغيرة لا تباح له الميتة وعن ابن سماعة الغصب أولى من الميتة وبه أخذ الطحاوي وغيره وخيره الكرخي كذا في البزازية .
ولو اضطر المحرم وعنده ميتة وصيد أكلها دونه على المعتمد وفي البزازية : .
لو كان الصيد مذبوحا ة فالصيد أولى وفاقا ولو اضطر وعنده صيد ومال الغيرة فالصيد أولى وكذا الصيد أولى من لحم الإنسان وعن محمد : الصيد أولى من لحم خنزير انتهى .
وذكر الزيلعي في آخر كتاب الإكراه : لو قال له : لتلقين نفسك في النار أو من الجبل أو لأقتلنك وكان الإلقاء بحيث لا ينجو منه ولكن فيه نوع خفة فله الخيار إن شاء فعل ذلك وإن شاء لم يفعل وصبر حتى يفتل عند أبي حنيفة C لأنه ابتلي ببليتين فيختار ما هو الأهون في زعمه .
وعندهما : يصبر ولا يفعل ذلك لأن مباشرة الفعل سعي في إهلاك نفسه فيصبر تحاميا عنه .
وأصله أن الحريق إذا وقع في سفينة وعلم أنه لو صبر فيها يحترق ولو وقع في الماء يغرق فعنده يختار أيهما شاء وعندهما : يصبر .
ثم إذا ألقى نفسه في النار فاحترق فعلى المكره القصاص بخلاف ما إذا قال له : لتلقين نفسك من رأس الجبل أو لأقتلنك بالسيف فألقى نفسه فمات فعند أبي حنيفة C : تجب الدية وهي مسألة القتل بالمثقل انتهى