القاعدة السادسة : الحدود تدرأ بالشبهات .
القاعدة السادسة : الحدود تدرأ بالشبهات .
وهو حديث رواه الأسيوطي معزيا إلى ابن عدي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما و [ أخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : ادفعوا الحدود ما استطعتم ] وأخرج الترمذي و الحاكم من [ حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلمين مخرجا فخلوا سبيلهم فإن الإمام لئن يخطىء في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة ] و [ أخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفا : ادرأوا الحدود والقتل عن عباد الله ما استطعتم ] .
وفي فتح القدير : أجمع فقهاء الأمصار على أن الحدود تدرأ بالشبهات والحديث المروي في ذلك متفق عليه وتلقته الأمة بالقبول .
والشبهة : ما يشبه الثابت وليس بثابت .
وأصحابنا رحمهم الله قسموها إلى : شبهة في الفعل وتسمى شبهة الاشتباه وإلى شبهة في المحل فالأولى تتحقق في حق من اشتبه عليه الحل والحرمة فظن غير الدليل دليلا فلا بد من الظن و إلا فلا شبهة أصلا كظنه حل وطء جارية زوجته أو أبيه أو أمه أو جده أو جدته وإن علا و وطء المطلقة ثلاثا في العدة أو بائنا على مال والمختلعة أو أم الولد إذا أعتقها وهي في العدة ووطء العبد جارية مولاه والمرتهن في حق المرهونة في رواية ومستعير الرهن كالمرتهن ففي هذه المواضع : لا حد إذا قال : ظننت أنها تحل لي ولو قال : علمت أنها حرام علي وجب الحد ولو ادعى أحدهما الظن و الآخر لم يدع لا حد عليهما حتى يمرا جميعا بعلمهما بالحرمة .
والشبهة في المحل في ستة مواضع : جارية ابنه و المطلقة طلاقا بائنا بالكنايات والجارية المبيعة إذا وطئها البائع قبل تسليمها إلى المشتري والمجعولة مهرا إذا وطئها الزوج قبل تسليمها إلى الزوجة والمشتركة بين الواطىء وغيره والمرهونة إذا وطئها المرتهن في رواية كتاب الرهن وعلمت أنها ليست بالمختارة ففي هذه المواضع لا يجب الحد و إن قال : علمت أنها علي حرام لأن المانع هو الشبهة في نفس الحكم .
ويدخل في النوع الثاني : وطء جارية عبده المأذون المديون ومكاتبه و وطء البائع الجارية المبيعة بعد القبض في البيع الفاسد والتي فيها الخيار للمشتري وجاريته التي هي أخته من الرضاع وجاريته قبل الاستبراء والزوجة المحرمة بالردة أو بالمطاوعة لابنه أو بجماعه لأمها انتهى ما في فتح القدير وهنا شبهة ثالثة عند أبي حنيفة وهي : شبهة العقد فلا حد إذا وطىء محرمة بعد العقد عليها وإن كان عالما بالحرمة فلا حد على من وطىء امرأة تزوجها بلا شهود أو بغير إذن مولاها أو مولاه و قالا : يحد في وطء محرمة المعقود عليها إذا قال : علمت أنها حرام والفتوى على قولهما كما في الخلاصة .
ومن الشبهة : وطء امرأة اختلف في صحة نكاحها .
ومنها : شرب الخمر للتداوي وإن كان المعتمد تحريمه .
ومنها : أنه لا يجوز التوكيل باستيفاء الحدود واختلف في التوكيل بإثباتها .
ومما بني على أنها تدرأ بها : أنها لا تثبت بشهادة النساء ولا بكتاب القاضي إلى .
القاضي ولا بالشهادة على الشهادة ولا تقبل الشهادة بحد متقادم سوى حد القذف إلا إذا كان لبعدهم عن الإمام ولا يصح إقرار السكران بالحدود الخالصة إلا أنه يضمن المال ولا يستحلف فيها لأنه لرجاء النكول و فيه شبهة حتى إذا أنكر القاذف ترك من غير يمين و لا تصح الكفالة بالحدود والقصاص ولو برهن القاذف برجلين أو رجل وامرأتين على إقرار المقذوف بالزنا فلا حد عليه فلو برهن بثلاثة على الزنا حد وحدوا ولا قطع بسرقة مال أصله وإن علا وفرعه وان سفل و أحد الزوجين وسيده وعبده ومن بيت مأذون بدخوله ولا فيما كان أصله مباحا كما علمت تفاريعه في كتاب السرقة ويسقط القطع بدعواه كون المسروق ملكه و إن لم يثبت وهو اللص الظريف وكذا إذا ادعى أن الموطوءة زوجته ولم يعلم ذلك .
تنبيه : يقبل قول المترجم في الحدود كغيرها فإن قيل : وجب أن لا يقبل لأن عبارة المترجم بدل عن عبارة العجمي والحدود لا تثبت بالإبدال ألا ترى انه لا تثبت بالشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي أجيب : بأن كلام المترجم ليس ببدل عن كلام الأعجمي لكن القاضي لا يعرف لسانه ولا يقف عليه وهذا الرجل المترجم يعرفه ويقف عليه فكانت عبارته كعبارة ذلك الرجل لا بطريق البدل بل بطريق الأصالة لأنه يصار إلى الترجمة عند العجز عن معرفة كلامه كالشهادة يصار إليها عند عدم الإقرار كذا في شرح الأدب للصدر الشهيد من الثامن والثلاثين