الزيادة في المهر .
و لنا في الزيادة في المهر قوله تعالى : { فآتوهن أجورهن فريضة و لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } أي من بعد تلك الفريضة لأن النكرة إذا أعيدت معرفة يراد بالثاني غير الأول .
أمر الله سبحانه و تعالى بإيتاء المهور المسماة في النكاح و أزال الجناح في الزيادة على المسمى لأن ما يتراضاه الزوجان بعد التسمية هو الزيادة في المهر فيدل على جواز الزيادة و روي عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال للوازن : [ زن و أرجح فإنا معاشر الأنبياء هكذا نزن ] و هذا زيادة في الثمن و قد ندب عليه الصلاة و السلام إليها بالقول و الفعل و أقل أحوال المندوب إليه الجواز و روي عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : [ المسلمون عند شروطهم ] فظاهره يقتضي لزوم الوفاء بكل شرط إلا ما خص بدليل لأنه يقتضي أن يكون كل مسلم عند شرطه و إنما يكون كذلك إذا لزمه الوفاء به و إنما يلزمه إذا صحت الزيادة مبيعا و ثمنا فأما إذا كانت هبة مبتدأة فلا يلزمه الوفاء لأن العاقدين أوقعا الزيادة مبيعا و ثمنا كما لو تبايعا ابتداء و هذا لأن الأصل أن تصرف الإنسان يقع على الوجه الذي أوقعه إذا كان أهلا للتصرف و المحل قابلا و له ولاية عليه و قد وجد .
و قولهما : إن الثمن اسم لمال يقابل ملك البائع و المبيع اسم لمال يقابل ملك المشتري .
قلنا : هذا ممنوع بل الثمن اسم لما أزال المشتري ملكه و يده عنه بمقابلة مال أزال البائع ملكه و يده عنه فيملك كل واحد منهما المال الذي كان ملك صاحبه بعد زوال ملكه عنه شرعا على ما عرف .
ثم نقول : ما ذكراه حد المبيع و الثمن بطريق و الثمن بطريق الحقيقة و الزيادة في المبيع و الثمن مبيع و ثمن من حيث الصورة و التسمية ربح بطريق الحقيقة لأن الربح حقيقة ما يملك بعقد المعاوضة لا بمقابلة ما هو مال حقيقة بل من حيث الصورة و التسمية و الزيادة ههنا كذلك فكانت ربحا حقيقة فكان من شرطها أن لا تكون مقابلة بملك البائع إلا تسمية و شرط الشيء كيف يمنع صحته على أنه أمكن تحقيق معنى المقابلة و الزيادة لأن الموجب الأصلي في البيع هو قيمة المبيع و هو ماليته لأن البيع معاوضة بطريق المعادلة عرفا و حقيقة و المقابلة عند التساوي في المالية و لهذا لو فسدت التسمية تجب القيمة عندنا و الثمن تقدير لمالية المبيع باتفاق العاقدين و إذا زاد في المبيع أو الثمن علم أيهما أخطأ في التقدير و غلط فيه و ما هو الموجب الأصلي قد ثبت بالبيع فإذا بينا التقدير كان ذلك بيانا للموجب الأصلي إلا أنه ابتداء إيجاب فكان عوضا عن ملك العين لا عن ملك نفسه و هذا الكلام في المهر أغلب لأن الموجب الأصلي فيه هو مهر المثل على ما عرفت على أنه إن كان لايمكن تحقيق معنى المقابلة مع بقاء العقد على حاله يمكن تحقيقه مع تغيير العقد من حيث الوصف بأن يجعل الألف بعد الزيادة بمقابلة نصف العبد ليخلو النصف عن الثمن فتجعل الألف الزيادة بمقابلة النصف الخالي و هذا و إن كان تغييرا و لكنهما قصدا تصحيح التصرف و لا صحة إلا بالتغيير و لهما ولاية التغيير .
ألا ترى أن لهما ولاية الفسخ و أنه فوق التغيير لأن الفسخ رفع الأصل و الوصف و التغيير تبديل الوصف مع بقاء أصل العقد فلما ثبت لهما ولاية الفسخ فولاية التغيير أولى و لهما حاجة إلى التغيير لدفع الغبن أو لمقصود آخر فمتى اتفقا على الزيادة و قصدا الصحة و لا صحة إلا بهذا الشرط يثبت هذا الشرط مقتضى تصرفهما تصحيحا له كما في قول الرجل لغيره أعتق عبدك عني بألف درهم و أما شرائط الجواز فمنها القبول من الآخر حتى لو زاد أحدهما و لم يقبل الآخر لم تصح الزيادة .
و منها : المجلس حتى لو افترقا قبل القبول بطلت الزيادة لأن الزيادة في المبيع و الثمن إيجاب البيع فيهما فلا بد من القبول في المجلس كما في أصل الثمن و المبيع و أما الحط فلا يشترط له المجلس و لا القبول لأنه تصرف في الثمن بالإسقاط و الإبراء عن بعضه فيصح من غير قبول إلا أنه يرتد بالرد كالإبراء عن الثمن كله و أما كون الزيادة و المزيد عليه من غير أموال الربا فهل هو شرط لصحة الزيادة ثمنا و مبيعا و كذا كون الحط من غير أموال الربا هل هو شرط لصحته حطا و هل يؤثران في فساد العقد ؟ .
على قول أبي حنيفة : ليس بشرط و يؤثران فيه و على قول أبي يوسف شرط فيبطلان و لا يؤثران في العقد .
و على قول محمد : شرط في الزيادة لا في الحط على ما نذكر و لا يشترط قبض المبيع و الثمن لصحة الزيادة فتصح الزيادة سواء كانت قبل قبض المبيع و الثمن أو بعده و كذلك الحط لأن دليل جواز الزيادة و الحط لا يوجب الفصل .
و أما قيام المبيع وقت الزيادة فهل هو شرط لصحة الزيادة ذكر في الجامع الكبير أنه شرط و لم يذكر الخلاف .
و روى أبو يوسف و محمد عن أبي حنيفة رحمهم الله في غير رواية الأصول أنه ليس بشرط عنده حتى لو هلك المبيع في يد المشتري أو استهلكه أو اعتقه أو دبره أو استولدها أو كان عصيرا فتخمر أو أخرجه المشتري عن ملكه جازت الزيادة عنده و عندهما لا تجوز .
وجه قولهما : أن الزيادة تصرف في العقد بالتغيير و العقد منعدم حقيقة إلا أنه يعطى له حكم القيام لقيام أثره و هو الملك و لم يبق بهلاك العين حقيقة أو حكما فلم يبق العقد حقيقة و حكما فلم يبق العقد حقيقة و حكما فلا يحتمل التغيير بالزيادة لأن الزيادة تثبت عندنا بطريق الاستناد و المستند يثبت للحال ثم يستند فلا بد و أن يجعل شيئا من المبيع بمقابلة الزيادة للحال و لا يتصور ذلك بعد هلاك المبيع فلا يحتمل الاستناد و لأن الزيادة لا بد و أن يكون لها حصة و لا يتحقق ذلك بعد الهلاك .
و لأبي حنيفة : ما ذكرنا أن الزيادة في الثمن و المبيع لا تستدعي المقابلة لأنها ربح في الحقيقة و إن كانت مبيعا و ثمنا صورة و تسمية و من شأن الربح أن لا يقابله شيء فلا يكون قيام المبيع شرطا لصحتها .
و قوله : العقد منعدم عند الزيادة قلنا : الزيادة عندنا تجعل كالموجود عند العقد و العقد عند وجوده يحتمل التغيير إن كانت الزيادة تغيرا على أنا لا نسلم أن قيام المبيع شرط لبقاء البيع فإن البيع بعد هلاك المبيع يحتمل الانتفاض في الجملة بالرد بالعيب فإن المشتري إذا اطلع على عيب كان به قبل الهلاك يرجع عليه بالنقصان و الرجوع بالنقصان فسخ للبيع في قدر الفائت بالعيب بعد هلاكه وهلاك جميع المعقود عليه دل أن العقد يجوز أن يبقى بعد هلاك المعقود عليه في الجملة إذا كان في بقائه فائدة و ههنا في بقائه فائدة فيبقي في حقه كما في حق الرجوع بنقصان العيب .
و على هذا الخلاف الزيادة في مهر المرأة بعد موتها أنها جائزة عندنا و عنده لا تجوز و لو اشترى عبدا بجارية و تقابضا ثم مات أحدهما ثم زاد أحدهما صاحبه جازت الزيادة عند أبي حنيفة و أبي يوسف .
أما عند أبي حنيفة C : فظاهر لأن هلاك المبيع عنده لا يمنع الزيادة .
و أما عند أبي يوسف : فلأنهما تبايعا عينا بعين و العقد عنده إذا وقع على عين بعين فهلاك أحد العينين لا يمنع صحة الإقالة فلا يمنع صحة الزيادة و لو كان المبيع قائما لكن قطع رجل يده عند المشتري فأخذ أرشها ثم زاد المشتري في الثمن شيئا جازت الزيادة .
أما عند أبي حنيفة : فظاهر لأن هلاك جميع المعقود عليه لا يمنع الزيادة فهلاك البعض أولى .
و اما عندهما : فلأن المعقود عليه قائم فكان العقد قائما فكان محتملا للتغيير بالزيادة و لو رهن المبيع أو آجره ثم زاد المشتري في الثمن جازت الزيادة بلا خلاف بين أصحابنا على اختلاف الأصلين على ما ذكرنا و قال محمد : لو اشترى جارية و قبضها فماتت في يده و زاد البائع المشتري جارية أخرى فالزيادة جائزة لأن زيادة المبيع تثبت بمقابلة الثمن و الثمن قائم و لو زاد المشتري البائع لم يجز لن زيادة الثمن تثبت مقابلة بالمبيع و أنه هالك .
و هذا على قياس قولهما : إن قيام المبيع شرط لجواز الزيادة فهلاكه يكون مانعا أما على أصل أبي حنيفة فالزيادة في الحالين جائزة لأن قيام المبيع عنده ليس بشرط لصحة الزياة فلا يكون هلاكه مانعا و الله عز و جل أعلم .
و اما قيام المعقود عليه فليس بشرط لصحة الحط بالإجماع أما عند أبي حنيفة فظاهر لأنه ليس بشرط لصحة الزيادة فالحط أولى .
و اما عندهما : فلأنه ليس من شرط صحة الحط أن يلتحق بأصل العقد لا محالة ألا ترى أنه يصح الحط عن جميع الثمن فلا يلتحق إذ لو التحق لعرى العقد عن الثمن فلم يلتحق و اعتبر حطا للحال و لأن الحط ليس تصرف مقابلة ليشترط له قيام المحل القابل بل هو تصرف في الثمن بإسقاط شطره فلا يراعى له قيام المعقود عليه بخلاف الزيادة فلذلك اختلفا ثم الزيادة مع الحط يختلفان في حكم آخر و هو أن الزيادة تنقسم على قدر قيمة المبيع و الحط لا ينقسم كما لو اشترى عبدين من رجل بألف درهم و زاده المشتري مائة درهم فإن الزيادة تنقسم على قدر قيمتهما سواء اشترى و لم يسم لكل واحد منهما ثمنا أو سمى .
و إن حط البائع عن المشتري مائة درهم كان الحط نصفين و إنما كان كذلك لأن الثمن يقابل المبيع فإذا زاد في ثمن المبيعين مطلقا فلا بد و أن تقابلهما الزيادة كأصل الثمن والمقابلة في غير أموال الربا تقتضي الانفساخ من حيث القيمة حكما للمعاوضة و المزاحمة كمقابلة اصل الثمن على ما بينا فيما تقدم .
بخلاف الحط فإنه لا تعلق له بالمبيع لأنه تصرف في المبيع خاصة بإسقاط بعضه فإذا حط من ثمنهما مطلقا فقد سوى بينهما في الحط فكان الحط بينهما نصفين و إن كان ثمن أحدهما أكثر و لا يلتفت إلى زيادة قدر الثمن لأن الحط غير مقابل بالثمن حتى تعتبر قيمة القدر و الله عز و جل أعلم .
و أما كيفية الجواز فالزيادة في المبيع و الثمن عندنا تلتحق بأصل العقد كان العقد من الابتداء ورد على الأصل و الزيادة جميعا إذا لم يتضمن الالتحاق فساد أصل العقد بلا خلاف بين أصحابنا .
و كذلك الحط فأما إذا تضمن ذلك بأن كانت الزيادة في الأموال الربوية فهل يلتحق به و يفسده أم لا يلتحق به ؟ و كذلك الحط اختلف أصحابنا في ذلك : قال أبو حنيفة Bه : الزيادة و الحط يلتحقان بأصل العقد و يفسدانه و قال أبو يوسف : يبطلانه و لا يلتحقان بأصل و أصل العقد صحيح على حاله .
و قال محمد : الزيادة باطلة و العقد على حاله و الحط جائز هبة مبتدأة وهذا بناء على أصل ذكرناه فيما تقدم أن الشرط الفاسد المتأخر عن العقد الصحيح إذا ألحق به هل يلتحق به و يؤثر في فساده أم لا و هو على الاختلاف الذي ذكرنا أن الزيادة بمنزلة شرط فاسد متأخر عن العقد الصحيح ألحق به فأبو يوسف يقول لا تصح الزيادة و الحط في اموال الربا لأن ذلك لو صح لالتحق بأصل العقد .
و لو التحق بأصل العقد لأوجب فساد أصل العقد لتحقق الربا فلم يصح فبقي أصل العقد صحيحا كما كان و محمد يقول لا يصلح الزيادة لما قاله أبو يوسف فلم تؤثر في أصل العقد فبقي على حاله و يصح الحط لأن الالتحاق من لوازم الزيادة فأما ما ليس من لوازم الزيادة فلا يصح الحط على ما ذكرنا فيما تقدم .
و أبو حنيفة يقول : الزيادة و الحط صحيحان زيادة و حطا لأن العاقدين أوقعهما زيادة و حطا و لهما ولاية فيقعان زيادة و حطا و من شأن الزيادة و الحط الالتحاق بأصل العقد فيلتحقان به فكانت الزيادة و الحط ههنا إبطالا للعقد السابق و لهما ولاية الإبطال بالفسخ و كذا بالزيادة و الحط و الله عز و جل أعلم .
و أما البيع الذي فيه خيار فلا يمكن معرفة حكمه إلا بعد معرفة أنواع الخيارات فنقول و بالله التوفيق : الخيارات نوعان : نوع يثبت شرطا و نوع يثبت شرعا لا شرطا و الشرط لا يخلو إما أن يثبت نصا و إما ان يثبت دلالة