بيع الرطب بالتمر .
و احتج أبو يوسف و محمد بما روي [ عن سعد بن أبي وقاص Bه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : نهى عن بيع الرطب بالتمر ] و قال عليه الصلاة و السلام [ إنه ينقص إذا جف ] بين عليه السلام الحكم و علته و هي النقصان عند الجفاف فمحمد عدى هذا الحكم إلى حيث تعدت العلة و أبو يوسف قصره على محل النص لكونه حكما ثبت على خلاف القياس .
و لأبي حنيفة C الكتاب الكريم و السنة المشهورة أما الكتاب فعمومات البيع من نحو قوله { و أحل الله البيع } وقوله عز شأنه : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فظاهر النصوص يقتضي جواز كل بيع إلا ما خص بدليل و قد خص البيع متفاضلا على المعيار الشرعي فبقي البيع متساويا على ظاهر العموم .
و أما السنة المشهورة فحديث أبي سعيد الخدري و عبادة بن الصامت Bهما حيث جوز رسول الله صلى الله عليه و سلم بيع الحنطة بالحنطة و الشعير بالشعير و التمر بالتمر مثلا بمثل عاما مطلقا من غير تخصيص و تقييد و لا شك لأن اسم الحنطة و الشعير يقع على كل جنس الحنطة و الشعير على اختلاف أنواعهما و أوصافهما و كذلك اسم التمر يقع على الرطب و البسر لأنه اسم لتمر النخل لغة فيدخل فيه الرطب و اليابس و المذنب و البسر و المنقع .
و روي [ أن عامل خيبر أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم تمرا أجنبيا فقال عليه الصلاة و السلام : أو كل تمر خيبر هكذا و كان أهدى إليه رطبا فقد أطلق عليه الصلاة و السلام اسم التمر على الرطب ] .
و روي أنه : [ أنه نهى عليه الصلاة و السلام عن بيع التمر حتى يزهو أي يحمر أو يصفر ] و روى [ حتى يحمار أو يصفار ] و الاحمرار و الاصفرار من أوصاف البسر فقد أطلق عليه الصلاة و السلام اسم التمر على البسر فيدخل تحت النص .
و أما الحديث فمداره على زيد بن عياش و هو ضعيف عند النقلة فلا يقبل في معارضة الكتاب و السنة المشهورة و لهذا لم يقبله أبو حنيفة C في المناظرة في معارضة الحديث المشهور مع أنه كان من صيارفة الحديث و كان من مذهبه تقديم الخبر و إن كان في حد الآحاد على القياس بعد أن كان راويه عدلا ظاهر العدالة أو بأوله فيحمله على بيع الرطب بالتمر نسيئة أو تمرا من مال اليتيم توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و كذلك الذهب و الفضة لا يجوز بيع كل بجنسه متفاضلا في الوزن سواء اتفقا في النوع و الصفة بأن كانا مضروبين دراهم أو دنانير أو مصوغين أو تبرين جيدين أو رديئين أو اختلفا للحديث المشهور [ مثلا بمثل ] و الفضل ربا و أما متساويا في الوزن متفاضلا في النوع و الصفة كالمصوغ بالتبر و الجيد بالرديء فيجوز عندنا و قال الشافعي C : لا يجوز بيع الجيد بالرديء و احتج بالحديث المشهور [ مثلا بمثل ] و لا مماثلة بين الجيد و الرديء في القيمة .
و أما الحديث المشهور : [ مثلا بمثل ] فالمراد منه المماثلة في الوزن و كذا روي في بعض الروايات [ وزنا بوزن ] و قوله عليه الصلاة و السلام : [ جيدها و رديئها سواء ] و به تبين أن الجودة عند المقابلة بجنسها لا قيمة لها شرعا فلا يظهر الفضل و اللحوم معتبرة بأصولها فإن تجانس الأصلان تجانس اللحمان فتراعى فيه المماثلة و لا يجوز إلا متساويا .
و إن اختلف الأصلان اختلف اللحمان فيجوز بيع أحدهما بالآخر متساويا و متفاضلا بعد أن يكون يدا بيد و لا يجوز نسيئة لوجود أحد وصفي علة ربا الفضل و هو الوزن .
إذا عرف هذا فنقول : لحوم الإبل كلها على إختلاف أنواعها من لحوم العرب و البخاتي و الهجين و ذي السنامين و ذي سنام واحد جنس واحد لأن الإبل كلها جنس واحد فكذا لحومها و كذا لحوم البقر و الجواميس كلها جنس واحد و لحوم الغنم من الضأن و النعجة و المعز و التيس جنس واحد اعتبارا بالأصول و هذا عندنا و قال الشافعي C : اللحوم كلها جنس واحد اتحدت أصولها أو اختلفت حتى لا يجوز بيع لحم الإبل بالبقر و البقر بالغنم متفاضلا .
وجه قوله : أن اللحمين استويا اسما و منفعة و هي التغذي و التقوي فاتحد الجنس فلزم اعتبار المماثلة في بيع بعضها ببعض .
و لنا : أن أصول هذه اللحوم مختلفة الجنس فكذا اللحوم لأنها فروع تلك الأصول و اختلاف الأصل يوجب اختلاف الفرع قوله الاسم شامل و المقصود متحد قلنا : المعتبر في اتحاد الجنس اتحاد المقصود الخاص لا العام ألا ترى أن المطعومات كلها في معنى الطعم متحدة ثم لا يجعل كلها جنسا واحدا كالحنطة مع الشعير و نحو ذلك حتى يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا مع اتحادهما في معنى الطعم لكن لما كان ذلك معنى عاما يوجب اتحاد الجنس كذا هذا .
و روي عن أبي يوسف : أنه يجوز بيع الطير بعضه ببعض متفاضلا و إن كانا من جنس واحد لأنه لا يوزن عادة و على هذا الباب هذه الحيوانات حكمها حكم أصولها عند الاتحاد و الاختلاف لأنها متفرعة من الأصول فكانت معتبرة بأصولها و كذا خل الدقل مع خل العنب جنسان مختلفان اعتبارا بأصلهما و اللحم مع الشحم جنسان مختلفان لاختلاف الاسم و المنافع و كذا مع الإلية و الإلية مع الشحم جنسان مختلفان لما قلنا