فصل : و أما الجمع في الوطء بملك اليمين .
و أما الجمع في الوطء بملك اليمين فلا يجوز عند عامة الصحابة مثل عمر و علي و عبد الله بن مسعود و عبد الله بن عمر Bهم و روي عن عثان Bه أنه قال : [ كل شيء رحرمه الله تعالى من الجزائر حرمه الله تعالى من الإماء إلا الجمع ] أي الجمع في الوطء اليمين .
و روي أن رجلا سأل عثمان Bه في ذلك فقال : ما أحب أن أحله و لكن أحلتهما آية و حرمتها أية و أما أنا فلا أفعله فخرج الرجل من عنده فلقي عليا فذكر له ذلك فقال لو أن لي من الأمر شيء لجعلت من فعل ذلك نكالا و قول عثمان Bه أحلتهما أية حرمتها آية عني بآية التحليل قوله D : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } و بآية التحريم قوله D : { و أن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } و ذلك منه إشارة إلى تعارض دليلي الحل والحرمة فلا تثبت الحرمة مع التعارض ولعامة الصحابة Bهم الكتاب العزيز و السنة .
أما الكتاب : فقوله D : { و أن تجمعوا بين الأختين } و الجمع بينهما في الوطء جمع فيكون حراما .
و أما السنة : فما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين ] .
و أما قول عثمان Bه احلتهما آية و حرمتها آية فالأخذ بالمحرم أولى عند التعارض احتياطا للحرمة لأنه يلحقه المأثم بارتكاب المحرم و لا ماثم في ترك المباح و لأن الأصل في الإبضاع هو الحرمة و الإباحة بدليل فإذا تعارض دليل الحل و الحرمة فاندفعا فيجب العمل بالأصل و كما لا يجوز الجمع بينهما في الوطء لا يجوز في الدواعي من اللمس و التقبيل و النظر إلى الفرج عن شهوة لأن الدواعي إلى الحرام حرام إذا عرف فنقول إذا ملك أختين فله أن يطأ إحداهما لأن الأمة لا تصير فراشا بالملك و إذا وطئ إحداهما ليس له أن يطأ الأخرى بعد ذلك لأنه لو وطىء لصار جامعا بينهما في الوطء حقيقة و كذا إذا ملك جارية فوطئها ثم ملك أختها كان له أن يطأ الأولى لما قلنا و ليس له أن يطأ الأخرى بعد ذلك لما يحرم فبرج الأولى على نفسه .
إما بالتزويج أو بالأخراج عن ملكه بالإعتاق أو بالبيع أو بالهبة أو بالصدقة لأنه لو وطئ الأخرى لصار جامعا بينهما في الوطء حقيقة و هذا لا يجوز و لو كاتبها يحل له وطىء الأخرى في ظاهر الرواية .
و روي عن أبي يوسف أنه قال : لا يحل لأنه بالكتابة لم يملك و طأها غيره و قال في هذه الرواية أيضا أنه لو ملك فرج الأولى غيره و قال في هذه الرواية أيضا أنه لو ملك فرج الأولى غيره لم يكن له أن يطأ الأخرى حتى تحيض الأولى حيضة بعد وطئها لجواز أن تكون حاملا فيكون جامعا ماءه في رحم أختين فيستبرئها بحيضة حتى يعلم أنها ليست بحامل .
وجه ظاهر الرواية : أنه حرم فزوجها على المولى بالكتابة ألا ترى أنه لو وطئها لزمه العقر ولو وطئت بشبهة أو نكاح كان المهر لها لا للمولى فلا يصير بوطء الأخرى جامعا بينهما في الوطء و لو تزوج جارية و لم يطأها حتى ملك أختها فليس له أن يطأ المشتراة لأنه الفراش يثبت بنفس النكاح و لأن ملك النكاح يقصد به الوطء و الولد فصارت المنكوحة موطوءة حكما فلو وطء المشتراة لصار جامعا بينهما في لوطء و لو كانت في ملكه جارية قد وطئها ثم تزوج أختها و تزوج أخت أم ولده جاز النكاح عند عامة العلماء و لكن لا يطأ الزوجة ما لم يحرم فرج الأمة التي في ملكه أو أم ولده و قال مالك : لا يجوز النكاح .
وجه قوله : أن النكاح بمنزلة لوطء بدليل أنه به النسب كالوطء و بدليل أنه لا يجوز له أن يطأ المملوكة ههنا بعد النكاح أختها فلو لم يكن بمنزلة الوطء لجاز و إذا كان النكاح بمنزلة الوطء لم يصير النكاح جامعا لما بينا في الوطء و أنه لا يجوز .
و لنا : أن النكاح ليس بوطء حقيقة و ليس بمنزلة الوطء أيضا لأن النكاح يلاقي الأجنبية و لا يجوز وطء الأجنبية فلا يكون نكحاها جامعا بينهما في الوطء إلا أن النكاح إذا انعقد يجعل الوطء موجودا حكما بعد الانعقاد لما أن الحكم المختص بالنكاح هو الوطء و ثمرته المطلوبة منه الولد و لا حصول له عادة بدون الوطء فجعله الشارع حكما واطئا بعد انعقاد النكاح و ألحق الولد بالفراش فلو وطئ المملوكة لصار جامعا بينهما وطأ و لأن الأمة لا تصير فراشا بنفس الوطء عندنا حتى لا يثبت النسب بدون الدعوة فلا يكون نكاح أختها جمعا بينهما في الفراش فلا يمنع منه و أم الوالد فراشها ضعيف حتى ينتفي نسب ولده بمجرد قوله و هو مجرد النفي من غير لعان و كذا يحتمل النقل إلى غيره فلا يتحقر النحكاح جمعا بينهما في الفراش مطلقا فلا يمنع نسب ولده بمجرد قوله وهو مجرد النفي من غير لعان و الله D أعلم .
و لا يجوز أن يتزوج أخت أم ولده التي تعد منه بأنه أعتقها و وجبت عليها العدة في قول أبي حنيفة C و يجوز أن تتزوج أربعا في عدتها و قال أبي يوسف و محمد : يجوز كلاهما و قال زفر : لا يجوز كلاهما .
وجه قوله : أن هذه معتدة فلا جوز التزوج بأختها و أربع سواها كالحرة المعتدة .
وجه قولهما : أن الحرمة في الحرة لمكان الجمع بينهما في النكاح من وجه و لم يوجد في أم الوالد لانعدام النكاح أصلا و لأن العدة في أم الولد أثر فراش الملك و حقيقة الفراش فيها لا يمنع النكاح حتى لو تزوج أخت أم ولده و أربع نسوة قبل أن يعتقها جاز فإذا لم يكن فراش الملك حقيقة مانعا فأثره أولى أن لا يمنع .
و لأبي حنيفة : أنه إنما جاز نكاح أخت أم الولد قبل الإعتاق لضعف فراشها على ما بينا فإذا أعتقها قوى فراشها فكان نكاح أختها بينهما في الفراش و هو استلحاق نسب ولديها و لا يجوز استلحاق نسب ولديها و لا يجوز استلحاق نسب ولد أختين في زمان واحد و لهذا لو تزوج أخت أم ولده لا يحل له وطء المنكوحه حتى يزيل فراش أم الولد و نكاح الأربع و إن كان جمعا بينهن و بينهما في الفراش لكن الجمع ههنا في الفراش جائز .
ألا ترى أنه جاز قبل الاعتاق فإنه إذا تزوج أربعا قبل الاعتاق يحل له و طؤهن أم الولد فكذا بعد الإعتاق و الله D أعلم .
فصل : و أما الجمع بين الأجنبيات فنوعان أيضا : جمع في النكاح و جمع في الوطء و دواعيه بمالك اليمين أما الجمع في النكاح فنقول لا يجوز للحر أن يتزوج أكثر من أربع زوجات من الحرائر و الإماء عند عامة العلماء و قال بعضهم : يباح له الجمع بين التسع و قال بعضهم يباح له الجمع بين ثمانية عشر .
و احتجوا بظاهر قوله تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع } فالأولون قالوا : إن الله تعالى ذكر هذه الأعداد بحرف الواو و أنه للجمع و جملتها تسعة فيقتضي إباحة نكاح تسع .
و استدلوا أيضا بفعل رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أنه تزوج تسع نسوة ] و هو قدوة الأمة و الآخرون قالوا : المثنى ضعف اثنين و الثلاث ضعف الثلاثة و الرباع ضعف الأربعة فجملتها ثمانية عشر .
و لنا : ما روي أن رجلا أسلم و تحته ثمان نسوة فأسلمن قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ اختر منهن أربعا و فارق البواقي ] أمره صلى الله عليه و سلم بمفارقة البواقي ولو كانت الزيادة على الأربع حلال لما أمره فدل أنه منتهى العدد المشروع و هو الأربع و لأن في الزيادة على الأربع خوف الجور عليهن بالعجز عن القيام بحقوقهن لأن الظاهر أنه لا يقدر على الوفاء بحقوقهن و إليه وقعت الإشارة بقوله D : { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة } أي لا تعدلوا في القسم و الجماع و النفقة في نكح المثنى و الثلاث و الرباع فواحدة بخلاف النكاح رسول الله صلى الله عليه و سلم لأن خوف الجور منه غير مهموم لكونه مؤيدا على القيام بحقوقهن بالتأبيد الإلهي فكان ذلك من الآيات الدالة على نبوته لأنه آثر الفقر على الغني و الضيق على السعة و تحمل الشدائد و الشماق على الهوينا من العبادات و الأمور الثقلية و هذه الأشياء أسباب قطع الشهوات و الحاجة إلى النساء و مع ذلك كان يقوم بحقوقهن دل أنه صلى الله عليه و سلم إنما قدر على ذلك بالله تعالى .
و أما الآية : فلا يمكن العمل بظاهرها لأن المثنى ليس عبارة عن الإثنين و لا الثلاث عن الثلاث و الرباع عن الأربع بل أدنى ما يراد بالمثنى مرتان من هذا العدد و أدنى ما يراد بالثلاث ثلاث مرات من العدد و كذا الرباع و ذلك يريد على التسعة و ثمانية عشر و لا قائل به دل أن العمل بظاهر الآية متعذر فلا بد لها من تأويل و لها تأويلان : .
أحدهما : أن يكون على التخيير بين نكاح الإثنين و الثلاث و الأربع كأنه قال D : { مثنى و ثلاث و رباع } و استعمال الواو مكان أو جائز .
و الثاني : أن يكون ذكر هذه الأعداد على التدخيل و هو أن قوله و ثلاث تدخل فيه المثنى و قوله D : { و رباع } يدخل فيه الثلاث كما في قوله : { أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } ثم قال D : { وجعل فيها رواسي من فوقها و بارك فيها و قدر فيها أقواتها في أربعة أيام } و اليومان الأولان داخلان في الأربع لأنه لو لم يكن كذلك لكان خلق هذه الجملة في ستة أيام ثم أخبر D أنه خلق السموات في يومين بقوله D : { فقضاهن سبع سماوات في يومين } فيكون خلق الجميع في ثمانية أيام و قد أخبر الله تعالى : أنه { خلق السموات و الأرض في ستة أيام } فيؤدي إلى الخلف في خبر من يستحيل عليه الخلف فكان على التداخل فكذا هذا جاز أن يكون العدد الأول داخلا في الثاني و الثاني في الثالث فكان في الآية إباحة نكاح الأربع و لا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من اثنين لما روينا من الحديث و ذكرنا من المعنى فيما تقدم .
فصل : و أما الجمع في الوطء و دواعيه بملك اليمين فجائز و إن كثرت الجواري لقوله تعالى : { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } أي إن خفتم أن لا تعدلوا في نكاح المثنى و الثلاث و الربا ع بإيفاء حقوقهن فانكحوا و إن خفتم أن لا تعدلوا في واحدة فمما ملكت إيمانكم كأنه سبحانه و تعال هذا و هذا أي زيادة على الواحد إلى الأربع عند القدرة على المعادلة و عند خوف الجوز في ذلك الواحدة من الحرائر و عند خوف الجور في نكاح الواحدة هو شراء الجواري و التسري بهن و ذلك قوله D : { أو ما ملكت أيمانكم } ذكره مطلقا عن شرط العدد و قال تعالى : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } من غير شرط العدد و قال D : { و المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } مطلقا و لأن حرمة الزيادة على الأربع في الزوجات لخوف الجور عليهن في القسم و الجماع و لم يوجد هذا المعنى في الإماء لأنه لو حلق لهن قبل المولى في القسم و الجماع