فصل : شرط جواز إنكاح الأمة .
و منها : أن لا يكون تحته حرة هو شرط جواز نكاح الأمة على الحرة و الأصل فيه ما روى عن علي Bه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا تنكح الأمة على الحرة ] و قال علي Bه : [ و تنكح الحرة على الأمة و للحرة الثلثان من القسم و للأمة الثلث ] و لأن الحرية تنبئ عن الشرف و العزة و كمال الحال فنكاح الأمة على الحرة من لا يساويها في القسم و ذلك يشعر بالاستهانة و إلحاق الشين و نقصان الحال و هذا لايجوز و سواء كان المتزوج حرا و عبدا عندنا لأن ما روينا من الحديث و ذكرنا من المعنى لا يوجب الفصل .
و عند الشافعي : يجوز للعبد أن يتزوج أمة على حرة بناء على أن عدم الجواز للحر عنده لعدم شرط الجواز و هو عدم طول الحرة و هذا جواز نكاح الأمة عنده في حق الحر لا في حق العبد لما نذكر إن شاء الله تعالى .
و كذا خلو الحرة عن العدة شرط جواز نكاح الأمة عند أبي حنيفة و قال أبي يوسف و محمد يجوز أن يتزوج أمة على حرة تعتد من طلاق بائن أو ثلاث .
وجه قولهما : أن المحرم ليس هو الجمع بين الحرة و الأمة بدليل أنه لو تزوج أمة ثم تزوج حرة جاز و قد حصل الجمع و إنما المحرم هو نكاح الأمة على الحرة و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا تنكح الأمة على الحرة ] و لا يتحقق النكاح عليها بعد البينونة ألا ترى انه لو حلف لا يتزوج على امرأته فتزوج بعد ما أبانها في عدتها لا يحنث .
و لأبي حنيفة : أن نكاح الأمة في عدة الحرة نكاح عليها من وجه لأن بعض أثار النكاح قائم فكان النكاح قائما من وجه فكان نكاحها عليها من وجه ملحق بالثابت من كل وجه في باب الحرمات احتياطا فيحرم كنكاح الأخت في عدة الأخت و نحو ذلك مما بينا فيما تقدم .
و أما عدم طول الحرة و هو القدرة على مهر الحرة و خشية العنت فليس من شرط جواز نكاح الأمة عند أصحابنا و الحاصل أن من شرائط جواز نكاح الأمة عند أبي حنيفة أن لا يكون في نكاح المتزوج حرة و لا في عدة حرة و عندهما خلو الحرة عن عدة البينونة ليس بشرط لجواز نكاح الأمة و عند الشافعي من شرائط جواز الأمة أن لا يكون في نكاحه حرة و أن لا يكون قادرا على مهر الحرة و أن يخشى العنت حتى إذا كان في ملكه أمة يطؤها اليمين له أن يتزوج أمة عندنا و عنده لا يجوز لعدم خشية العنت و كذلك الحر يجوز له أن أن يتزوج أكثر من أمة واحدة عندنا و عنده إذا تزوج أمة واحدة لا يجوز له أن يتزوج أمة أخرى لزوال خشية العنت بالواحدة و لاخلاف في أن طول الحرة لا يمنع العبد من نكاح الأمة .
احتج الشافعي بقوله تعالى : { و من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } و من كلمة شرط فقد جعل الله عز و جل العجز عن طول الحرة شرطا لجواز نكاح الأمة فيتعلق الجواز به كما في قوله تعالى : { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } و نحو ذلك و قال تعالى ذلك : { لمن خشي العنت منكم } و هو الزنا شرط سبحانه و تعالى خشية العنت لجواز نكاح الأمة فيتقيد الجواز بهذا الشرط أيضا و لأن جواز نكاح الإماء في الأصل ثبت بطريق الضرورة لما يتضمن نكاحهن من إرقاق الحر لأن ماء الحر تبعا له و كان له في نكاح الحر الأمة إرقاق حر جزأ و إلى هذا أشار عمر Bه فيما روى عنه أنه قال : [ أيما حر تزوج أمة فقد أرق نصفه و أيما عبد تزوج حرة فقد أعتق نصفه ] و لا يجوز إرقاق الجزء من غير ضرورة و لهذا إذا كان تحته حرة لا يجوز نكاح الأمة و هذا لأن الإرقاق إهلاك لأنه يخرج به من أن يكون منتفعا به في حق نفسه و يصير ملحقا بالبهائم و هلاك الجزء من غير ضرورة لا يجوز كقطع اليد و نحو كذلك و لا ضرورة حالة القدرة على طول الحرة فبقي الحكم فيها على هذا الأصل و لهذا لم يجز إذا كانت حرة لارتفاع الضرورة بالحرة بخلاف ما إذا كان المتزوج عبدا لأن نكاحه ليس إرقاق الحر لأن ماءه رقيق تبعا له و إرقاق الرقيق لا يتصور .
و لنا : عمومات النكاح نحو قوله تعالى : { و أنكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم وإمائكم } .
و قوله عز و جل : { فانكحوهن بإذن أهلهن } و قوله عز و جل : { و أحل لكم ما وراء ذلكم } من غير فصل بين حال القدرة على مهر الحرة و عدمها و لأن النكاح عقد مصلحة في الأصل لاشتماله على المصالح الدينية و الدنيوية فكان الأصل فيه هو الجواز إذا صدر من الأهل في المحل و قد وجدوا الآية ففيها إباحة نكاح الأمة عند عدم طول الحرة و هذا لا ينفي الإباحة عند وجود الطول فالتعليق بالشرط عندنا يقتضي الوجود عند وجود الشرط .
و أما لا يقتضي العدم عند عدمه قال الله تعالى : { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة } .
ثم إذا تزوج واحدة جاز و إن كان لا يخاف الجور في نكاح المثنى و الثلاث و الرباع و قال تعالى في الإماء : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } و هذا لا يدل على نفي الحد عنهن عند عدم الإحصان و هو التزوج و هو الجواب عن قوله عز و جل : { ذلك لمن خشي العنت منكم } على أن العنت يذكر و يراد به الضيق كقوله عز و جل { و لو شاء الله لأعنتكم } أي لضيق عليكم أي من يضيق عليه النفقة و الإسكان لترك الحرة بالطلاق و تزوج الأمة فالطول المذكور يحتمل أن يراد به القدرة على المهر و يحتمل أن يراد به القدرة على الوطء لأن النكاح يذكر و يراد به الوطء بل حقيقة الوطء على ما عرف فكان معناه فمن لم يقدر منكم على وطء المحصنات و هي الحرائر و القدرة على وطء الحرة إنما يكون في النكاح و نحن نقول به أن من لم يقدر على وطء الحرة بأن لم يكن في نكاحه حرة يجوز له نكاح الأمة و من قدر على ذلك بأن كان في نكاحه حرة لا يجوز له نكاح الأمة و نقل هذا التأويل عن علي Bه فلا يكون حجة مع الاحتمال على أن فيها إباحة نكاح الأمة عند عدم طول الحرة و هذا تقديم و تأخير في الجواب عن التعليق بالآية .
و أما قوله نكاح الأمة يتضمن إرقاق الحر فنقول : إن عني به إثبات حقيقة الرق فهذا لا يتصور لأن الماء جماد لا يوصف بالرق و الحرية و إن عني به التسبب إلى حدوث رق الولد فهذا مسلم لكن أثر هذا في الكراهة لا في الحرية فإن نكاح الأمة في حال طول الحرة في حق العبد جائز بالإجماع و إن كان نكاحها مباشرة سبب حدوث الرق عندنا فكرة الأمة مع طول الحرة .
و لو تزوج أمة و حرة في عقدة واحدة جاز نكاح الحرة و بطل نكاح الأمة لأن كل واحدة منهما على صاحبتها مدخولة عليها فيعتبر حالة الاجتماع بحال الانفراد فيجوز نكاح الحرة لأن نكاحها على الأمة حالة الانفراد جائز فكذا حالة الاجتماع و يبطل نكاح الأمة لأن نكاحها على الحرة و إدخالها عليها لا يجوز حالة الانفراد فكذا عند الاجتماع بخلاف ما إذا تزوج أختين في عقدة واحدة لأن المحرم هناك هو الجمع بين الأختين و الجمع حصل بهما فبطل نكاحهما و ههنا المحرم هو إدخال الأمة على الحرة لا الجمع .
ألا ترى أنه لو كان نكاح الأمة متقدما على نكاح الحرة جاز نكاح الحرة و إن وجد الجمع فكذلك إذا اقترن الأمران و الله عز و جل أعلم .
و كذلك إذا جمع بين أجنبية و ذات محارمه جاز نكاح الأجنبية و بطل نكاح المحرم و يعتبر حالة الاجتماع بحالة الانفراد و هل ينقسم المهر عليهما في قول أبي حنيفة لا ينقسم و يكون كله للأجنبية .
و عندهما ينقسم المسمى على قدر مهر مثلها