فصل : و منها أن لا يقع نكاح المرأة .
و منها : أن لا يقع نكاح المرأة التي يتزوجها جمعا بين ذوات الأرحام و لا بين أكثر من أربع نسوة في الأجنبيات و جملة الكلام في الجمع أن الجمع في الأصل نوعان جمع بين ذوات الأرحام و جمع بين الأجنبيات أما الجمع بين ذوات الأرحام فنوعان أيضا جمع في النكاح و جمع في الوطء و دواعيه بملك اليمين أما الجمع بين ذوات الأرحام في النكاح فنقول : لا خلاف في أن الجمع بين الأختين في النكاح حرام لقوله تعالى : { و أن تجمعوا بين الأختين } معطوفا على قوله عز و جل : { حرمت عليكم أمهاتكم } و لأن الجمع بينهما يقضي إلى قطيعة الرحم لأن العداوة بين الضرتين ظاهرة و أنها تفضي إلى قطيعة الرحم و قطيعة الرحم حرام فكذا الجمع بين المرأة و بنتها لما قلنا بل أولى لأن قرابة الولادة وفترضة الوصل بلا خلاف و اختلف في الجمع بين ذواتي رحم محرم سوى هذين الجمعين بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لا يجوز له نكاح الأخرى من الجانبين جميعا أيتهما كانت غير عيت كالجمع بين امرأة و عمتها و الجمع بين امرأة و خالتها و نحو ذلك .
قال عامة العلماء : لا يجوز .
و قال عثمان البتي : الجمع فيما سوى الأختين و سوى المرأة و بنتها ليس بحرام .
و احتج بقوله تعالى : { و أحل لكم ما وراء ذلكم } ذكر المحرمات و ذكر فيما حرم الجمع بين الأختين و أحل ما وراء ذلك و الجمع فيما سوى الأختين لم يدخل في التحريم فكان داخلا في الإحلال إلا أن الجمع بين المرأة و بنتها حرم بدلالة النص لأن قرابة الولاد أقوى فالنص الوارد ثمة يكون واردا ههنا من طريق الأولى .
و لنا : الحديث المشهور و هو ما روي عن أبي هريرة Bه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا تنكح المرأة على عمتها و لا على خالتها و لا على ابنة أخيها و لا على ابنة أختها ] و زاد في بعض الروايات : [ لا الصغرى على الكبرى و لا الكبرى على الصغرى ] الحديث .
أخبر أن من تزوج عمة ثم بنت أخيها أو خالة ثم بنت أختها لا يجوز ثم أخبر أنه إذا تزوج بنت الأخ أولا ثم العمة أو بنت الأخت أولا ثم الخالة لا يجوز أيضا لئلا يشكل أن حرمة الجمع يجوز أن تمختصة بأحد الطرفين دون الآخر كنكاح الأمة على الحرة أنه لا يجوز .
و يجوز نكاح الحرة على الأمة و لأن الجمع بين ذواتي محرم في النكاح سبب لقطيعة الرحم لأن الضرتين يتنازعان و يختلفان و لا يأتلفان هذا أمر معلوم بالعرف و العادة و ذلك يفضي إلى قطع الرحم و أنه حرام و النكاح سبب فيحرم حتى لا يؤدي إليه و إلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه و سلم في آخر الحديث فيما روى أنه قال : [ إنكم لو فعلتم ذلك لقطعتم أرحامهن ] .
و روي في بعض الروايات : [ فإنهن يتقاطعن ] و في بعضها : [ أنه يوجب القطيعة ] و روي عن أنس Bه أنه قال : [ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يكرهون الجمع بين القرابة في النكاح و قالوا : إنه يورث الضغائن ] .
و روي عن عبد الله بن مسعود Bه أنه كره الجميع بين بنتي عممين و قال : لا أحرم ذلك لكن أكرهه أما الكراهة فلمكان القطيعة و أما عدم الحرمة فلأن القرابة بينهما ليست بمفترضة الوصل .
أما الآية فيحتمل أن يكون معنى قوله تعالى : { و أحل لكم ما وراء ذلكم } أي ما رواء ما حرمه الله تعالى و الجمع بين المرأة و عمتها و بينها خالتها مما قد حرمه الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي هو وحي غير مثلو على أن حرمة الجمع بين الأختين معلولة بقطع الرحم و الجمع ههنا يفضي إلى قطع الرحم فكانت حرمة ثابتة بدلالة النص فلم يكن ما وراء ما حرم في آية التحريم و يجوز الجمع بين أمرأة و زوجة كانت لأبيها و هما واحد لأنه لا رحم بينهما فلم يوجد الجمع بين ذواتي رحم .
و قال زفر و ابن أبي ليلى : لا يجوز لأن البنت لو كانت رجلا لكان لا يجوز له أن يتزوج الأخرى لأنها منكوحة أبيه فلا يجوزالجمع بينهما كما لا يجوز الجمع بين الأختين و إنا نقول الشرط أن تكون الحرمة ثابتة من الجانبين جميعا و هو أن يكون كل واحد منهما أيتهما كانت بحيث لو قدرت رجلا لكان لا يجوز له نكاح الأخرى و لم يوجد هذا الشرط لأن الزوجة منهما لو كانت رجلا لكان لا يجوز له أن يتزوج الأخرى لأن الأخرى لا تكون بنت الزوج فلم تكن الحرمة ثابتة من الجانبين فجاز الجمع بينهما كالجمع بين الأختين و لو تزوج الأختين معا فسد نكحهما لأن نكاحهما حصل جميعا بينهما في النكاح و ليست إحداهما بفساد النكاح بأولى من الأخرى فيفرق بينه ويسنهما ثم إن كان قبل فلا مهر لهما و لا عدة عليهما لأن النكاح فاسد لا حكم له قبل الدخول و إن كان قد دخل بهما فالكل وحدة منهما العقر و عليهما العدة لأن هذا حكم الدخول في النكاح الفاسد ما نذكر إن شاء الله تعالى في موضعه .
و إن تزوج إحداهما بعد الأخرى جاز نكاح الأولى و فاسد نكاح الثانية و لا يفسد نكاح الأولى لفساد النكاح الثانية لأن الجمع بنكاح الثانية فاقتصر الفساد عليه و تفرق بينه و بين الثانية فإن كان لم يدخل بها فلا مهر و لا عدة و إن كان دخل بها فلها المهر و عليها العدة لما بينا و لا يجوز له أن يطأ الأولى ما لم تنقض عدة الثانية لما نذكر إن شاء الله تعالى .
و إن تزوج أختين في عقدتين لا يدري أيتهما أولى لا يجوز له التحري بل يفرق بينه و بينهما لأن النكاح إحداهما فاسد بيقين و هي مجهولة و لا يتصور حصول مقاصد النكاح من المجهولة فلا بد من التفريق ثم إن ادعت كل واحدة منهما أنها هي الأولى و لا بينة لها يقضي لها بنصف المهر لأن النكاح الصحيح أحدهما و قد حصلت الفرقة قبل الدخول لا بصنع المرأة فكان الواجب نصف المهر و يكون بينهما لعدم الترجيح إذ ليست إحداهما بأولى من الأخرى .
و روي عن أبي يوسف لأنه لا يلزم الزوج شيء و روي عن محمد : أنه يجب عليه المهر كاملا وإن قالتا : لا ندري الأولى لا يقتضي لهما بشيء لكون المدعية منهما مجهولة إلا إذا اصطلحت على شيء فحينئذ يقضي لها و كذلك المرأة و عمتها و خالتها في جميع ما وصفنا و كما لا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة في نكاح أختها لا يجوز له أن يتزوجها في عدة أختها و كذلك التزوج بامرأة هي ذات رحم محرم من امرأة بعقد منه .
و الأصل أن ما يمنع صلب النكاح من الجمع بين ذواتي المحارم فالعدة تمنع منه و كذا لا يجوز له أن يتزوج أربعا من الأجنبيات و الخامسة تعتد منه وساء كانت العدة من طلاق رجعي أو بائن أو ثلاث أو بالمحرمية الطارئة بعد الدخول أو بالدخول في نكاح فاسد أو بالوطء في شبهة و هذا عندنا .
و قال الشافعي C : يجوز إلا في عدة من طلاق رجعي و روي عن جماعة من الصحابة Bهم مثل قولنا نحو علي و عبد الله بن عباس و زيد بن ثابت Bهم .
وجه قوله : أن المحرم هو الجمع بين الأختين في النكاح و النكاح قد زال من كل وجه لوجود المزيل له و هو الطلاق الثلاث او البائن و لهذا لو وطئها بعد الطلاق الثلاث مع العلم بالحرمة لزمه الحد فلم يتحقق افلجمع في النكاح فلا تثبت الحرمة .
و لنا : أن ملك الحبس و العبد و العبد قائم فإن الزوج يملك منعها من الخروج و البروز و حرمة التزويج بزوج آخر ثابته و الفراش قائم حتى لو جاءت بولد إلى سنتين من وقت الإطلاق و قد دخل بها يثبت النسب فلو جاز النكاح لكان النكاح جمعا بين الأختين في هذه الأحكام فيدخل تحت النص و لأن هذه أحكام النكاح لأنها شرعت وسيغفلة إلى أحكام النكاح فكان النكاح قائما من وجه ببقاء بعض أحكامه و الثابت من وجه محلوق بالثابن من وجه في باب الحرمة احتياطا .
ألا ترى أنه ألحقت الأم و البنت من وجه بالرضاعة بالأم و البنت من كل وجه بالقرابة و ألحق المنكوحة من وجه و هي المعتدة بالمنكوحة من كل وجه في حرمة النكاح كذا هذا .
و لأن الجمع قبل الطلاق إنما حرم لكونه مفيضا إلى قطيعة الرحم لأنه يورث الضعيفة و إنها تقتضي إلى القطيعة و الضعيفة ههنا أشد لأن معظم النعمة و هو ملك الحل الذي هو سبب اقتضاء الشهوة قد زال في حق المعتدة و بنكاح الثانية يصير جميع ذلك لها و تقوم و مقامها و تبقى هي محرمة الحظ للحال من الأزواج فكانت أدعى إلى القطيعة بخلاف ما بعد انقضاء العدة لأن هناك لم يبق شيء من علائق الزوج الأول فكان لها سبيل الوصول إلى زوج آخر فستوفي حظها من الثاني فتسلي به فلا تلحقها الضغينة أو كانت أقل منه في حال قيام العدة فلا يسيقيم الاستدلال و لو خلا بأمرته ثم طلقها لم يتزوج أختها حتى تنقضي عدتها لأنه وجبت عليها العدة بالخلوة فيمنع نكاح الأخت كما لو وجبت بالدخول حقيقية