فصل : و أما بيان ما يحظره الإحرام .
فصل : و أما بيان ما يحظره الإحرام و ما لا يحظره و بيان ما يجب بفعل المحظور فجملة الكلام فيه أن محظورات الإحرام في الأصل نوعان نوع لا يوجب فساد الحج و نوع يوجب فساده .
أما الذي لا يوجب فساد الحج فأنواع بعضها يرجع إلى اللباس و بعضها يرجع إلى الطيب و ما يجري مجراه من إزالة الشعث و قضاء التفث و بعضها يرجع إلى توابع الجماع و بعضها يرجع إلى توابع الجماع و بعضها يرجع إلى الصيد أما الأول فالمحرم لا يلبس المخيط جملة و لا قميصا و لا قباء و لا جبة و لا سراويل و لا عمامة و لا قلنسوة و لا يلبس خفين إلا أن لا يجد نعلين فلا بأس أن يقطعهما أسفل الكعبين فيلبسهما .
و الأصل فيه ما روي عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم و قال : [ ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال لا يلبس القميص و لا العمائم و لا السراويلات و لا البرنس و الخفاف إلا أحدا لا يجد النعلين فيلبس الخفين و ليقطعهما أسفل من الكعبين و لا يلبس من الثياب شيئا مسه الزعفران و لا الورس ] [ و لا تنتقب المرأة و لا تلبس القفازين ] .
فإن قيل : في هذا الحديث ضرب إشكال لأن فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عما يلبس المحرم فقال : لا يلبس كذا و كذا من المخيط فسئل عن شيء فعدل عن محل السؤال و أجاب عن شيء أخر لم يسئل عنه و هذا محيد عن الجواب أو يوجب أن يكون إثبات الحكم في مذكور دليلا على أن الحكم في غيره بخلافه و هذا خلاف المذهب فالجواب عنه من وجوه : .
أحدها : أنه يحتمل السؤال عما لا يلبسه المحرم و أضمر لا في محل السؤال لن لا تارة تزاد في الكلام و تارة تحذف عنه قال الله تعالى : { يبين الله لكم أن تضلوا } أي لا تضلوا فكان معنى الكلام أنه سئل عما لا يلبسه المحرم كذا و كذا فكان الجواب مطابقا للسؤال .
و الثاني : يحتمل أن النبي صلى الله عليه و سلم علم غرض السائل و مراده أنه طلب منه بيان ما لا يلبسه المحرم بعد إحرامه إما بقرينة حاله أو بدليل آخر أو بالوحي فأجاب عما في ضميره من غرضه و مقصوده و نظيره قوله تعالى خبرا عن إبراهيم E : { رب اجعل هذا بلدا آمنا و ارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله و اليوم الآخر } .
فأجابه الله عز و جل بقوله : { و من كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره } سأل إبراهيم عليه الصلاة و السلام ربه عز و جل أن يرزق من آمن من أهل مكة من الثمرات فأجابه تعالى : أنه يرزق الكافر أيضا لما علم أن مراد إبراهيم عليه الصلاة و السلام من سؤاله أن يرزق ذلك المؤمن منهم دون الكافر فأجابه الله تعالى عما كان في ضميره كذا هذا .
و الثالث : أنه خص المخيط أنه لا يلبسه المحرم بعد تقدم السؤال عما يلبسهدل أن الحكم في غير المخيط بخلافه و التنصيص على حكم في مذكور إنما لا يدل على تخصيص ذلك الحكم به بشرائط ثلاثة : .
أحدها : أن لا يكون في حيد عن الجواب ممن لا يجوز عليه الحيد فأما إذا كان فإنه يدل عليه صيانة لمنصب النبي A عن الحيد عن الجواب عن السؤال .
و الثاني : كمن المحتمل أن يكون حكم غير المذكور خلاف حكم المذكور و ههنا لا يحتمل لأنه يقتضي أن لا يلبس المحرم أصلا و فيه تعريضه للهلاك بالحر أو البرد و العقل يمنع من ذلك فكان المنع من أحد النوعين في مثله إطلاقا للنوع الآخر و نظيره قوله تعالى : { الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه } أن جعل الليل للسكون يدل على جعل النهار للكسب و طلب المعاش إذ لا بد من القوت للبقاء و كان جعل اليل للسكون تعيينا لطلب المعاش .
و الثالث : أن يكون ذلك في غير الأمر و النهي ن فأما في الأمر و النهي فيدل عليه لما قد صح مذهب أصحابنا أن الأمر بالشيء نهى عن ضده و النهي عن الشيء أمر بضده و التنصيص ههنا في محل النهي فكان ذلك دليلا على أن الحكم في غير المخيط بخلافه و الله عز و جل الموفق .
و لأن لبس المخيط من باب الارتفاق بمرافق المقيمين والترفه في اللبس و حال المحرم ينافيه و لأن الحاج في حال إحرامه يريد أن يتوسل بسوء حاله إلى مولاه يستعطف نظره و مرحمته بمنزلة العبد المسخوط عليه في الشاهد أنه يتعرض بسوء حاله لعطف سيده و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ المحرم الأشعث الأغبر ] و إنما يمنع المحرم من لبس المخيط إذا لبسه على الوجه المعتاد فأما إذا لبسه لا على أوجه المعتاد فلار يمنع منه بان اتشح بالقميص أو اتزر بالسراويل لأن معنى الارتفاق بمرافق المقيمين و الترفه في اللبس لا يحصل به و لأن لبس القميص و السراويل على هذا الوجه في معنى الارتداء و الاتزار لأنه يحتاج في حفظه إلى تكلف كما يحتاج إلى التكلف في حفظ الرداء و الإزار و ذا غير ممنوع عنه و لو أدخل منكبيه في القباء و لم يدخل يديه في كميه جاز له ذلك في قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر : لا يجوز وجه قوله إن هذا لبس المخيط إذ اللبس هو التغطية و فيه تغطية أعضاء كثيرة بالمخيط من المنكبينم و الظهر و غيرها فيمنع من ذلك كلإدخال اليدين في الكمين .
و لنا ان الممنوع عنه هو اللبس المعتاد و ذلك في القباء الإلقاء على المنكبين مع إدخال اليدين في الكمين و لأن الارتفاق بمرافق المقيمين و الترفه في اللبس لا يحصل إلا به و لم يوجد فلا يمنع منه و لأن إلقاء القباء على المنكبين دون إدخال اليدين في الكمين يشبه الارتداء و الاتزار لأنه يحتاج إلى حفظه عليه لئلا يسقط إلى تكلف كما يحتاج إلى ذلك في الرداء و الإزار و هو لم يمنع من ذلك كذا هذا .
بخلاف ما إذا أدخل يديه في كميه لأن ذلك لبس معتاد يحصل به الارتفاق به و الترفه في اللبس و يقع به المن عن السقوط و لو ألقاه على منكبيه وزره لا يجوز لنه إذا زره فقد ترفه في لبس المخيط .
الا ترى النه لا يحتاج في حفظه إلى تكلف و لو لم يجد رداء و له قميص فلا بأس بأن يشق قميصه و يرتدي به لأنه لما شقه صاؤ بمنزلة الرداء و كذا إذا لم يجد إزارا و له سراويل فلا بأس أن يفتق سراويله خلا موضع التكة و يأتزر به لأنه لما فتقه صار بمنزلة الإزار .
و كذا إذا لم يجد نعلين و له خفان فلا بأس أن يقطعهما أسفل الكعبين فيلبسهما لحديث ابن عمر Bه و رخص بعض مشايخنا المتأخرون لبس الصندلة قياسا على الخف لأنه في معناه و كذا لبس الميثم لما قلنا و لا يلبس الجوربين لأنهما في معنى الخفين و لا يغطي رأسه بالعمامة و لا غيرها مما يقصد به التغطية لأن المحرم ممنوع عن تغطية رأسه بما يقصد به التغطية .
و الأصل فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ في المحرم الذي وقصت به ناقته في أحافيق حردان فمات : لا تخمروا رأسه و لا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ] و لو حمل على رأسه شيئا فإنه كان مما يقصد به التغطية من لباس الناس لا يجوز له ذلك لأنه كاللبس و إن كان ممالا يقصد به التغطية كإجانة أو عدل بز وضعه على رأسه فلا بأس بذلك لأنه لا يعد ذلك لبسا و لا تغطية و كذا لا يغطي الرجل وجهه عندنا .
و قال الشافعي : يجوز له تغطية الوجه و أما المرأة فلا تعطي وجهها و كذا لا بأس أن تسدل على وجهها بثوب و تجافيه عن وجهها احتج الشافعي بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إحرام الرجل في رأسه و إحرام المرأة في وجهها ] جعل إحرام كل واحد منهما في محل خاص و لا خصوص مع الشركة و لهذا لما خص الوجه في المرأة بأن إحرامها فيه لم يكن في رأسها فكذا في الرجل و لأن مبنى أحوال المحرم على خلاف العادة و ذلك فيما قلنا لأن العادة هو الكشف في الرجال فكان الستر على خلاف العادة بخلاف النساء فإن العادة بخلاف النساء فإن العادة فيهن الستر فكان الكشف خلاف العادة .
و لنا : ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إحرام الرجل في رأسه و وجهه ] و لا حجة له فيمال روي لأن فيه أن إحرام الرجل في رأسه و هذا لا ينفي أن يكون في وجهه و لا يوجب أيضا فكان مسكوتا عنه فيقف على قيام الدليل و قد قام الدليل و هوما روينا و هكذا نقول في المرأة إنا إنما عرفنا أن إحرامها ليس في رأسها لا بقوله و إحرام المرأة في وجهها بل بدليل آخر نذكره إن شاء الله تعالى .
و لا يلبس ثوبا صبغ بورس أو زعفران و إن لم يكن مخيطا لخبر ابن عمر Bه و لأن الورس و الزعفران طيب و المحرم ممنوع من استعمال الطيب في بدنه و لا يلبس المعصفر و هو المصبوغ بالعصفر عندنا .
و قال الشافعي : يجوز و احتج بما روي أن عائشة Bها : لبست الثياب المعصفرة و هي محرمة و روي أن عثمان Bه أنكر على عبد الله بن جعفر لبس المعصفر في الإحرام فقال علي Bه : ما أرى أن أحدا يعلمنا السنة .
و لنا : ما روي أن عمر Bه أنكر على طلحة لبس المعصفر في الإحرام فقال طلحة Bه : إنما هو ممشق بمغرة فقال Bه : إنكم أئمة يقتدي بكم فدل إنكار عمر و اعتذار طلحة Bهما على أن المحرم ممنوع من ذلك و فيه إشارة إلى أن الممشق مكروه أيضا لنه قال : إنكم أئمة يقتدي بكم أي من شاهد ذلك ربما يظن أنه مصبوغ بغير المغرة فيعتقد الجواز فكان سببا للوقوع في الحرام فيكره و لأن المعصفر طيب لأن له رائحة طيبة فكان كالورس و الزعفران .
و أما حديث عائشة Bها : أنها كرهت المعصفر في الإحرام .
أو يحمل على المصبوغ بمثل العصفر كالمغرة و نحوها و هو الجواب عن قول عمر Bه .
على أن قوله معارض بقول عثمان Bه و هو إنكاره فسقط الاحتجاج به للتعارض هذا إذا لم يكن مغسولا فأما إذا كان قد غسل حتى صار لا ينفض فلا بأس به لما روي عن ابن عباس Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا بأس أن يحرم الرجل في ثوب مصبوغ بورس أو زعفران قد غسل و ليس له نفض و لا ردغ ] .
و قوله صلى الله عليه و سلم [ لا ينفض ] له تفسيران منقولان عن محمد روى عنه : لا يتناثر طبغة و روي : لا يفوح ريحه و التعويل على زوال الرائحة حتى لو كان لا يتناثر صبغه و لكن يفوح ريحه يمنع منه لأن ذلك دليل بقاء الطيب إذ الطيب ما له رائحة طيبة و كذا ما صبغ بلون الهروي لأنه صبغ خفيف فيه أدنى صفرة لا توجد منه رائحة .
و قال أبو يوسف في الإملاء : لا ينبغي للمحرم أن يتوسد ثوبا مصبوغا ولا الورس و لا ينام عليه لأن يصير مستعملا للطيب فكان كاللبس و لا بلبس الخز و الصوف و القصب و البرد و إن كان ملونا كالعدني و غيره لأنه ليس فيه أكثر من الزينة و المحرم غير ممنوع من ذلك و لا بأس أن يلبس الطيلسان لأن الطيلسان ليس بمخيط و لا يزره كذا روي عن ابن عمر Bه .
و عن ابن عباس Bه أنه لا بأس به و الصحيح قول ابن عمر لأن الزرة مخيط في نفسها فإذا زره فقد اشتمل المخيط عليه فيمنع منه و لأنه إذا زره لا يحتاج في حفظه إلى تكلف فأشبه لبس المخيط بخلاف الرداء و الإزراء و يكره أن يخلل الإزار بالخلال و أن يعقد الإزار لما روي [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى محرما قد عقد ثوبه بحبل فقال له : انزع الحبل ويلك ] .
وروي عن ابن عمر Bه : أنه كره أن يعقد المحرم الثوب عليه و لنه يشبه المخيط في عدم الحاجة في حفظه إلى تكلف و لو فعل لا شيء عليه لأنه ليس بمخيط و لا بأس أن يتحزم بعمامة يشتمل بها و لا يعقدها لأن اشتمال العمامة عليه اشتمال غير المخيط فأشبه الاتشاح بقميص فإن عقدها كره له ذلك لأنه يشبه المخيط كعقد الإزار و لا بأس بالهميان و المنطقة للمحرم سواء كان في الهميان نفقته أو نفقة غيره و سواء كان شد المنطقة بالإبزيم أو بالسيور .
و عن أبي يوسف في المنطقة إن شدة بالإنزيم يكره و إن شدة بالسيور لا يكره و قال مالك في الهيمان : إن كان فيه نفقته لا يكره و إن كان فيه نفقة غيره يكرهوجه قوله : أن شد الهيمان لمكان الضرورة و هي استيثاق النفقة و الضرورة في نفقة غيره .
وجه رواية أبي يوسف : أن الإنزيم مخبط فالشسد به يكون كزر الإزار بخلاف السير .
و لنا : ما روي عن عائشة Bها أنها سئلت عن الهيمان فقالت : [ أوثق عليك نفقتك ] اطلقت القضية و لم تستفسر .
و عن ابن عباس Bهما قال : [ رخص رسول الله صلى الله عليه و سلم في الهيمان بشدة المحرم في وسطه إذا كانت في نفقته ] .
و عليه جماعة من التابعين و روي عن سعيد بن المسيب Bه : [ أنه لا بأس بالهيمان ] و هو قول سعيد بن جبير و عطاء و طاوس رضي الله تعالى عنهم و لأن اشتمال الهيمان و المنطقة عليه كا شتمال الإزار فلا يمنع عنه و لا بأس أن يستظل المحرم بالفسطاط عنه عامة العلماء .
و قال مالك : يكره و احتج بما روي عن ابن عمر Bه أنه كره ذلك .
و لنا : ما روي عن عمر Bه أنه كان يلقي على شجرة ثوبا و نطعا فيستظل به .
و روي أنه ضرب لعثمان Bه فسطاطا بمنى فكان يستظل به و لأن الاستظلال بما لا يماسه بمنزلة الاستظلال بالسقف و ذا غير ممنوع عنه كذا هذا فإن دخل تحت ستر الكعبة حتى غطاء فإن كان الستر يصيب وجهه و رأسه يكره له ذلك لأنه يشبه ستر وجهت و رأسه بثوب و إن كان متجافيا فلايكره لأنه بمنزلة الدخول تحت ظلة و لابأس أن تغطي المرأة سائر جسدها و هي محرمة بما ساءت من الثياب المخيطة و غيرها و أن تلبس الخفين غير أنها لا تغطي و جهها أما ستر سائر بدنها فلأن بدنها عورة و ستر العورة بما ليس بمخيط معتذر فدعت الضرورة إلى لبس المخيط .
و أما و كشف وجهها فلما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إحرم المرأة في وجهها ] .
و عن عائشة Bها أنها قالت : [ كان البركان يمرون بنا و نحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا حاذونا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا رفعنا ] .
فدل الحديث علىأنه ليس للمرأة أن تغطي وجهها و أنها لو أسدلت على وجهها شيئا و جافته عنه لا بأس بذلك و لأنها إذا جافته عن وجهها صار كما لو جلست في قبة أو استترت بفسطاط و لا بأس لها أن تلبس الحرير و الذهب و تتحلى بأي حلية شاءت عند عامة العلماء .
و عن عطاء : أنه كره ذلك و الصحيح قول العامة لما روي أن ابن عمر Bه : كان يلبس نساءه الذهب و الحرير في الإحرام و لأن لبس هذه الأشياء منباب التزين و المحرم غير ممنوع من الزينة و لا يلبس ثوبا مصبوغا لأن المانع ما فيه من الصبغ من الطيب لا من الزينة و المرأة تساوي الرجل في الطيب .
و أما لبس القفازين فلا يكره عندنا و هو قول علي و عائشة Bهما .
و قال الشافعي : لا يجوز .
و احتج بحديث ابن عمر Bه فإنه ذكر في آخره : و لا تنقب المرأة ولا تلبس القفازين و لأن العادة في بدنها الستر فيجب مخالفتها بالكشف كوجهها .
و لنا : ما روي أن سعد بن أبي وقاص Bه : كان يلبس بناته و هن محرمات القفازين و لأن لبس القفازين ليس إلا تغطية يديها بالمخيط و غنها غير ممنوعة عن ذلك فإن لها أن تغطيهما بقيمصها و إن كان مخيطا فكذا بمخيط آخر بخلاف وجهها .
و قوله : [ و لا تلبس القفازين ] نهي ندب حملناه عليه جمعا بين الدلائل بقدر الإمكان .
و أما بيان ما يجب بفعل هذا المحظور و هو لبس المخيط فالواجب به تحتلف في بعض المةاضع يجب الدم عينا .
و في بعضها : تجب الصدقة عينا و في بعضها يجب أحد الأشياء الثلاثة غير عين الصيام أو الصدقة أو الدم و جهات التعيين إلى من عليه كما في كفارة اليمين و الأصل أن الارتفاق الكامل باللبس يوجب فداء كاملا فتعين فهي الدم لا يجوز غيره إن فعله من غير عذر و إن فعله لعذر فعليه أحد الأشياء الثلاثة و الارتفاق القاصر يوجب فداء قاصرا وهو الصدقة إثباتا للحكم على قدر العلة .
و بيان هذه الجملة إذا لبس المخيط من قميص أو جبة أو سراويل أو عمامة أو قلنسوة أو خفين أو جوربين من غير عذر و ضرورة يوما كاملا فعليه الدم لا يجوز غيره لأن لبس أحد هذه الأشياء يوما كاملا ارتفاق كامل فيوجب كفارة كاملة وهي الدم لا يجوز غيره لأنه فعله من غير ضرورة و إن لبس أقل من يوم لا دم عليه و عليه صدقة و كان أبو حنيفة يقول أولا إن لبس أكثر اليوم فعليه دم وكذا روي عن أبي يوسف ثم رجع و قال : لادم عليه حتى يلبس يوما كاملا و روي عن محمد : أنه إذا لبس أقل من يوم يحكم عليه بمقدار ما لبس من قيمة الشاة إن لبس نصف يوم فعليه قيمة نصف شاة على هذا القياس و هكذا روي عنه في الحلق .
و قال الشافعي : يجب عليه الدم و إن لبس ساعة واحدة .
وجه قوله : أن اللبس و لو ساعة ارتفاق كامل لوجود اشتمال المخيط على بدنه فيلزمه جزاء كامل .
و جه رواية محمد : اعتبار البعض بالكل .
وجه قول أبي حنيفة الأول : بأن الارتفاق بانلبس في أكثر اليوم بمنزلة الارتفاق في كل لأنه ارتفاق كامل فإن الإنسان قد يلبس أكثر اليوم يوم يعود إلى منزلة قبل دخول الليل .
وجه قوله الآخر : أن اللبس أقل من يوم ارتفاق ناقص لأن المقصود منه دفع الحر و البرد و ذلك باللبس في كل اليوم و لهذا اتخذ الناس العادة للنهار و الليل لباسا و لا ينزعون لباس النهار إلا في الليل فكان اللبس في بعض اليوم ارتفاقا قاصرا فيوجب كفارة قاصرة و هي الصدقة كقص ظفرا واحد و مقدار الصدقة نصف صاع من بر .
كذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف : أنه يطعم مسكينا نصف صاع من بر و كل صدقة تجب بفعل ما يحظره الإحرام فهي مقدرة بنصف صاع إلا ما يجب بقتل القملة و الجرادة .
و روى ابن سماعة عن محمد أن من لبس ثوبا يوما إلا ساعة فعليه من الدم بمقدار ما لبس أي من قيمة الدم لما قلنا و الصحيح قول أبي يوسف لأن الصدقة المقدرة للمسكين في الشرع لا تنقص عن نصف صاع كصدقة الفطر و كفارة اليمين و الفطر و الظهار .
و كذا لو أدخل منكبيه في القباء و لم يدخل يديه في كميه لكنه زره عليه أوزر عليه طيلسانا يوما كاملا فعليه دم لوجود الارتفاق الكامل يلبس المخيط إذ المزرر مخيط و كذا لو غطى ربع رأسه يوما فصاعدا فعليه دم و إن كان أقل من الربع فعليه صدقة كذا ذكر في الأصل .
و ذكرى ابن سماعة في نوادره عن محمد : أنه لا دم عليه حتى يغطي الأكثر من رأسه و لا أقول حتى يغطي رأسه كله .
وجه رواية ابن سماعة عن محمد : أن تغطيه الأقل ليس بارتفاق كامل فلا يجب به جزاء كامل .
وجه رواية الأصل : أن ربع الرأس له حكم الكل في هذا الباب كحلق ربع الرأس و على هذا إذا غطت المرأة ربع وجهها و كذا لو غطى الرجل ربع وجهه عندنا .
و عند الشافعي : لا شيء عليه لأنه غير ممنوع عن ذلك عنده و المسألة قد تقدمت .
و لو عصب على رأيه أو وجهه يوما أو أكثر فلا شيء عليه لأنه لم يوجد ارتفاق كامل و عليه صدقة لأنه ممنوع عن التغطية و لو عصب شيئا من جسده لعلة أو غير علة لا شيء عليه لأنه غير ممنوع عن تغطية بدنه بغير المخيط و يكره أن يفعل ذلك بغير عذر لأن الشد عليه يشبه لبس المخيط هذا إذا لبس المخيط يوما كاملا حالة الاختيار فأما إذا لبسه لعذر و ضرورة فعليه أي الكفارات شاء الصيام أو الصدقة أو الدم .
و الأصل فيه قوله تعالى في كفارة الحلق من مرض أو أذى في الرأس : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } .
و روينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لكعب بن عجزة : [ أيؤذيك هوام رأسك قال : نعم فقال : احلق و اذبح شاة أو أصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر ] و النص و إن ورد بالتخبير في الحلق لكنه معلول بالتيسير و التسهيل للضرورة و الذعر و قد وجد ههنا و النص الوارد هناك يكون واردا ههنا دلالة .
و قيل : إن عند الشافعي : يتخير بين أحد الأشياء الثلاثة في حال الاختيار أيضا و أنه غير سديد لأن التخيير في حال الضرورة للتيسير و التخفيف لا يستحق التخفيف و يجوز في الطعام التمليك و التمكين و هو طعام الإباحة في قول أبي حنيفة و أبي يوسف .
و عند محمد : لا يجوز فيه إلا التمليك و نذكر المسألة في كتاب الكفارات إن شاء الله تعالى .
و يجوز في الصيام التتابع و التفرق لإطلاق اسم الصوم في النص و لا يجوز الذبح إلا في الحرم كذبح المتعة إلا إذا ذبح في غير الحرم و تصدق بلحمه على ستة مساكين على كل واحد منهم قدر قمية نصف صاع من حنطة فيجوز على طريق البدل عن الطعام و يبجوز الطعام في الأماكن كلها بالإجماع و كذا الصدقة عندنا و عند الشافعي : لا تجربة إلا بمكة نظرا لأهل مكة لأنهم ينتفعون به و لهذا لم يجز الدم إلا بمكة .
و لنا : أن نص الصدقة مطلق عن المكان فيجري على إطلاقه و القياس على الدم بمعنى الانتفاع فاسد لما ذكرنا في الإحصار و إنما عرف اختصاص جواز الذبح بمكة بالنص و هو قوله تعالى : { حتى يبلغ الهدي محله } و لم يوجد مثله في الصدقة و قد ذكرنا أن المحرم إذا لم يجد الإزار و أمكنه فتق السراويل و التسر به فتقه فإن لبسه يوما و لم يفتقه فعليه دم في قول أصحابنا .
و قال الشافعي : يلبسه و لا شيء عليه و جه قوله : إن الكفارة إنما تجب بلبس محظور و لبس السراويل في هذه الحالة ليس بمحظور لأنه لا يمكنه لبس غير المخيط إلا بالفتق و في الفتق : تنقيص ماله .
ولنا : أن أحظر لبس المخيط ثبت يعقد الإحرام و يمكنه التستر بغيرالمخيط في هذه الحالة بالفتق فيجب عليه الفتق و الستر بالمفتوق أولى فإذا لم يفعل فقد ارتكب محظور إحرامه يوما كاملا فيلزمه الدم و قوله : في الفتق تنقيص ماله مسلم لكن لإقامة حق الله تعالى و أنه جائز كالزكاة و قطع الخفين أسفل من الكعبين إذا لم يجد النعلين و يستوي في وجوب الكفارة بلبس المخيط العمد و السهو و الطوع و الكره عندنا .
و قال الشافعي : لا شيء على الناسي و المكروه و يستوي أيضا ما إذا لبس بنفسه أو ألبسه غيره و هو لا يعلم به عندنا خلافا له .
وجه قوله : أن الكفارة إنما تجب بارتكاب محظور الإحرام لكونه جناية و لا حظر مع النسيان و الإكراه فلا يوصف فعله بالجناية فلا تجب الكفارة و لهذا جعل النيسان عذرا في باب الصوم بالإجماع و الإكراه عندي .
و لنا : أن الكفارة إنما تجب في حال الذكر و الطوع لوجود ارتفاق كامل و هذا يوجد في حال الكره و السهو و قوله : فعل الناسي و المكره لا يوصف بالحظر ممنوع بل الحظر قائم حالة النسيان و الإكراه و فعل الناسي و المكروه موصوف بكونه جيان و إنما أثر النيسان و الإكراه في ارتفاع المؤاخة في الآخرة لأن فعل الناسي و المكره جائز المؤاخذة عليه عقلا عندنا و إنما رفعت المؤاخذة شرعا ببركة دعاء النبي صلى الله عليه و سلم بقوله : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } .
و قوله : رفع عن أمتي الخطأ و النيسان و ما استكرهوا عليه و الاعتبار بالصوم غير سديد لأن في الإحرام أحوالا مذكرة ينذر النسيان معها غاية النذرة فكان ملحقا بالعدم و لا مذكر للصوم فجعل عذرا دفعا للحرج و لهذا لم يجعل عذرا في باب الصلاة لأن أحوال الصلاة مذكرة كذا هذا .
و لو جمع المحرم اللباس كله القميص و العمامة و الخفين لزمه دم واحد لأنه لبس واحد وقع على جهة واحدة فيكفيه كفارة واحدة كالإيلاجات في الجماع و لو اضطر المحرم إلى لبس ثوب فلبس ثوبين فإن لبسهما على موضع الضرورة فعليه كفارة واحدة و هي كفارة واحدة و هي كفارة الضرورة بأن اضطر إلى قميص واحد فلبس قميص أو قميصا وجية أو اضطر إلى القلنسوة فلبس قلنسوة و عمامة لأن اللبس حصل على وجه واحد فيوجب كفارة واحدة كما إذا اضطر إلى لبس قميص فلبس حبة و إن لبسهما على موضعين مختلفين موضع الضرورة و غير موضع الضرورة كما إذا اضطر إلى لبس العمامة أو القلنسوة فلبسهما مع القميص أو غير ذلك فعليه كفارتان : كفارة الضرورة للبسه ما يحتاج إليه و كفارة الاختيار للبسه ما لا يحتاج إليه و كفارة الاختيار للبسه ما لا يحتاج إليه و لو لبس ثوبا للضرورة ثم زالت الضرورةفدام على ذلك يوما أو يومين فما دام في شك من زوال الضرورة لا يجب عليه إلا كفارة واحدة كفارة الضرورة و إن تيقن بأن الضرورة قد زالت فعليه كفارتان : كفارة ضرورة و كفارة اختيار لأن الضرورة كانت ثابتة ببقين فلا يحكم بزوالها بالشك على الأصل المعهود أن الثابت يقينا لا يزال بالشك .
و إذا كان كذلك فاللبس الثاني و قع عليه الأول فكان لبسا و احدا فيوجب كفارة و احدة وإذا استيقن بزوال الضرورة فاللبس الثاني حصل على غير الوجه الذي حصل عليه الأول فيوجب عليه كفارة أخرى .
و نظير هذا ما إذا كان به قرع أو جرح اضطر إلى مداواته بالطيب أنه مادام باقيا فعليه كفارة و احدة و إن كان تكرر عليه الدواء لأن الضرورة باقية فوقع الكل على وجه واحد و لو برأ ذلك القرح أو الجرح و حدث قرح آخر أو جراحة أخرى فداواها بالطيب يلزمه كفارة أخرى لأن الضرورة قد زالت فوقع الثاني على غير الوجه الأول و كذا المحرم إذا مرض أو أصابته الحمى و هو يحتاج إلى لبس الثوب في وقت و يستغني عنه في وقت الحمى فعليه كفارة واحدة ما لم تزل عنه تلك العلة لحصول اللبس على جهة واحدة و لو زالت عنه تلك الحمى و أصابته حمى أخرى عرف ذلك أو زال عنه ذلك المرض و جاءه مرض أخر فعليه كفارتان سواء كفر للأول أو لم يكفر في قول أبي حنيفة و أبي يوسف .
و عند محمد : عليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأول فإن كفر للأول فعليه كفارة أخرى و سنذكر المسألة إن شاء الله في بيان المحظور الذي يفسد الحج و هو الجماع بأن جامع في مجلسين مختلفين و لو جرح له قرح أو أصابه جرح و هو يداويه بالطيب فخرجت قرحة أخرى أو أصابه جرح آخر و الأول على حاله لم يبرأ فداوى الثاني فعليه كفارة واحدة لأن الأول لم يبرأ فالضرورة باقية فالمداوة الثانية حصلت على الجهة التي حصلت عليها الأولى فيكفيه كفارة واحدة .
و لو حصره عدو فتحتاج إلى لبس الثياب فليس ثم ذهب فنزع ثم عاد فعاد او كان العدو لم يبرح مكانه فكان يلبس السلاح فيقاتل بالنهار و ينزع بالليل فعليه كفارة واحدة ما لم يذهب هذا العدو و يجيء عدو آخر لأن العذر واحد و الذعر الواحد لا يتعلق باللبس له إلا كفارة واحدة و الأصل في جنس هذه المسألة أنه ينظر إلى اتحاد الجهة و اختلافها لا إلى صورة اللبس فإن لبس المخيط أياما فإن لم ينزع ليلا و لا نهارا يكفيه دم واحد بلا خلاف لأن اللبس على وجه واحد .
و كذلك إذا كان يلبسه و ينزعه بالليل للنوم من غير أن يعزم على تركه لا يلزمه إلا دم واحد بالإجماع لأنه إذا لم يعزم على الترك كان اللبس عى وجه واحد فإن لبس يوما كاملا فأراق دما ثم دام على لبسه يوما كاملا فعليه دم آخر بلا خلاف لأن الدوام على اللبس بمنزلة لبس مبتدأ أنه لو أحرم و هو مشتمل على المخيط فدام عليه بعد الإحرام يوما كاملا يلزمه دم و لو لبسه يوما كاملا ثم نزعه و عزم على تركه ثم لبس بعد ذلك فإن كان كفر للأول فعليه كفارة أخرى بالإجماع لأنه لما كفر للأول فقد التحق اللبس الأول بالعدم فيعتبر الثاني لبسا آخر مبتدأ و إن لم يكفر للأول فعليه كفارتان في قول أبي حنيفة و أبي يوسف و في قول محمد عليه كفارة واحدة .
وجه قول محمد : أنه ما لم يكفر للأول كان اللبس على حاله فإذا وجد الثاني فلا يتعلق به إلا الكفارة واحدة و إذا كفر للأول بطل الأول فيعتبر الثاني ثانيا فيوجب كفارة أخرى كما إذا جامع في يومين من شهر رمضان .
و لهما : أنه لما نزع على عزم الترك فقد انقطع حكم اللبس الأول فيعتبر الثاني لبسا مبتدأ فيتعلق به كفارة أخرى .
و الأصل عندهما أن النزع على عزم الترك يوجب اختلاف اللبستين في الحكم تخللها أولا .
وعنده : لا بختلف إلا إذا تخللهما التكفير .
و لو لبس ثوبا مصبوغا بالورس أو الزعفران فعليه دم لأن الورس و الزعفران لهما رائحة طيبة فقد استعمل الطيب في بدنة فيلزمه الدم و كذا إذا لبس المعصفر عندنا لأنه محظور الإحرام عندنا إذ المعصفر طيب لأن له رائحة طيبة و على القارن في جميع ما يوجب الكفارة مثلا ما على المفرد من الدم و الصدقة عندنا لأنه محرم بإحرامين فأدخل النقص في كل واحد منهما فيلزمه كفارتان و الله أعلم بالصواب