بسم الله الرحمن الرحيم .
( الطهارة لغة ) النظافة . وشرعا : النظافة عن النجاسة : حقيقية كانت وهي الخبث أو حكمية وهي الحدث . وتنقسم بالإعتبار الثاني إلى الكبرى واسمها الخاص الغسل والموجب له الحدث الأكبر وإلى الصغرى واسمها الخاص الوضوء والموجب له الحدث الأصغر . وبقي نوع آخر - وهو التيمم - فإنه طهارة حكمية يخلفهما معا ويخلف كل منهما منفردا عن الآخر .
وقدمت العبادات على غيرها اهتماما بها لأن الجن والإنس لم تخلق إلا لها وقدمت الصلاة من بينها لأنها عمادها وقدمت الطهارة عليها لأنها مفتاحها وقدمت طهارة الوضوء لكثرة تكرارها .
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين } افتتح C تعالى كتابه بآية من القرآن على وجه البرهان استنزالا لبركته وتيمنا بتلاوته وإلا فذكر الدليل - خصوصا على وجه التقديم - ليس من عادته .
( ففرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة ) يعني الوجه واليدين والرجلين وسماها ثلاثة وهي خمسة لأن اليدين والرجلين جعلا في الحكم بمنزلة عضوين كما في الآية جوهرة ( ومسح الرأس ) بهذا النص ( 1 ) هداية . والفرض لغة : التقدير وشرعا ما ثبت لزومه بدليل قطعي لا شبهة فيه كأصل الغسل والمسح في أعضاء الوضوء وهو الفرض علما وعملا ويسمى الفرض القطعي ومنه قول المصنف : " فرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس " وكثيرا ما يطلق الفرض على ما يفوت الجواز بفوته كغسل ومسح مقدار معين فيها وهو الفرض عملا لا علما ويسمى الفرض الإجتهادي ومنه قوله : " والمفروض في مسح الرأس مقدار الناصية " وحد الوجه : من مبدأ سطح الجبهة إلى أسفل الذقن طولا وما بين شحمتي الأذنين عرضا ( والمرفقان ) تثنية مرفق - بكسر الميم وفتح الفاء وعكسه - موصل الذراع في العضد ( والكعبان ) تثنية كعب والمريد به هنا هو العظم الناتئ المتصل بعظم الساق وهو الصحيح هداية ( يدخلان في الغسل ) على سبيل الفرضية . والغسل : إسالة الماء : وحد الإسالة في الغسل : أن يتقاطر الماء ولو قطرة عندهما وعند أبي يوسف يجزئ إذا سال على العضو وإن لم يقطر فتح وفي الفيض : أقله قطرتان في الأصح . اه وفي دخول المرفقين والكعبين خلاف زفر . والبحث في ذلك وفي القراءتين في " أرجلكم " قال في البحر : لا طائل تحته بعد انعقاد الإجماع على ذلك ( والمفروض في مسح الرأس مقدار الناصية ) أي مقدم الرأس ( وهو الربع ) وذلك ( لما روى المغيرة ابن شعبة ) رضي الله تعالى عنه : ( أن النبي A أتى سباطة ) بالضم : أي كناسة ( قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه ) والكتاب مجمل في حق المقدار فالتحقق بيانا به وفي بعض الروايات : قدره أصحابنا بثلاث أصابع من أصابع اليد لأنها أكثر ما هو الأصل في آلة المسح هداية . قال في الفتح : وأما رواية جواز قدر الثلاثة الأصابع - وإن صححها بعض المشايخ نظرا إلى أن الواجب إلصاق اليد والأصابع أصلها ولذا يلزم بقطعها دية كل اليد والثلاث أكثرها وللأكثر حكم الكل وهو المذكور في الأصل - فيحمل على أنه قول محمد لما ذكر الكرخي والطحاوي عن أصحابنا أنه مقدار الناصية ورواه الحسن عن أبي حنيفة ويفيد أنها غير المنصور رواية قول المنصف - يعني صاحب الهداية - " وفي بعض الروايات " .
( وسنن الطهارة ) السنن . جمع سنة وهي لغة : الطريقة مرضية كانت أو غير مرضية ( 2 ) وفي الشريعة : ما واظب عليه النبي A مع الترك أحيانا . فتح واللام في " الطهارة " للعهد . أي الطهارة المذكورة وتعقيبه الفرض بالسنن يفيد أنه لا واجب للوضوء وإلا لقدمه ( 3 ) ( غسل اليدين ) إلى الرسغين لوقوع الكفاية به في التنظيف وقوله ( قبل إدخالهما الإناء ) قيد اتفاقي وإلا فيسن غسلهما وإن لم يحتج إلى إدخالهما الإناء وكذا قوله ( إذا استيقظ المتوضئ من نومه ) على ما هو المختار من عدم اختصاص سنية البداءة بالمستيقظ ( 4 ) قال العلامة قاسم في تصحيحه : الأصح أنه سنة مطلقا نص عليه في شرح الهداية وفي الجوهرة هذا شرط وقع اتفاقا لأنه إذا لم يكن استيقظ وأراد الوضوء السنة غسل اليدين وقال نجم الأئمة في الشرح قال في المحيط والتحفة : وجميع الأئمة البخاريين أنه سنة على الإطلاق . اه . وفي الفتح : وهو الأولى لأن من حكى وضوءه A قدمه وإنما يحكي ما كان دأبه وعادته لا خصوص وضوئه الذي هو على نوم بل الظاهر أن إطلاعهم على وضوئه عن غير النوم نعم مع الاستيقاظ وتوهم النجاسة السنة آكدة . اه ( وتسمية الله تعالى في بتداء الوضوء ) ولفظها المنقول عن السلف - وقيل عن النبي A - ( بسم الله العظيم والحمد لله على دين الإسلام ) وقيل : الأفضل { بسم الله الرحمن الرحيم } بعد التعوذ وفي المجتبى يجمع بينهما وفي المحيط : لو قال : ( لا إله إلا الله ) أو ( الحمد لله ) أو ( أشهد أن لا إله إلا الله ) يصير مقيما للسنة وهو بناء على أن لفظ ( يسمى ) أعم مما ذكرناه فتح . وفي التصحيح : قال : في الهداية ( الأصح أنها مستحبة ) ويسمى قبل الاستنجاء وبعده هو الصحيح . وقال الزاهدي : والأكثر على أن التسمية وغسل اليدين سنتان قبله وبعده . اه ( والسواك ) أي : الاستياك عند المضمضة وقيل : قبلها وهو للوضوء عندنا إلا إذا نسيه فيندب للصلاة وفي التصحيح : قال في الهداية والمشكلات : والأصح أنه مستحب اه ( والمضمضة ) بمياه ثلاثا ( والاستنشاق ) كذلك فلو تمضمض ثلاثا من غرفة واحدة لم يصر آتيا بالسنة . وقال : الصيرفي يكون آتيا بالسنة قال : واختلفوا في الاستنشاق ثلاثا من غرفة واحدة قيل : لا يصير آتيا بالسنة بخلاف المضمضة لأن في الاستنشاق يعود بعض الماء المستعمل إلى الكف وفي المضمضة لا يعود لأنه يقدر على إمساكه كذا في الجوهرة ( ومسح الأذنين ) وهو سنة بماء الرأس عندنا هداية : أي لا بماء جديد عناية . ومثله في جميع شروح الهداية والحلية والتتارخانية وشرح المجمع وشرح الدرر للشيخ إسماعيل ويؤيده تقييد سائر المتون بقولهم " بماء الرأس " قال في الفتح : وأن ما روي أنه A " أخذ لأذنيه ماء جديدا " فيجب حمله على أنه لفناء البلة قبل الاستيعاب توفيقا بينه وبين ما ذكرنا وإذا انعدمت البلة لم يكن بد من الأخذ كما لو انعدمت في بعض عضو واحد . اه . وإذا علمت ذلك ظهر لك أن ما مشى عليه العلائي في الدر والشرنبلالي وصاحب النهر والبحر تبعا للخلاصة ومنلا مسكين - من أنه لو أخذ للأذنين ماء جديدا فهو حسن - مخالف للرواية المشهورة التي مشى عليها أصحاب المتون والشروح الموضوعة لنقل المذهب وتمام ذلك في حاشية شيخنا رد المحتار C تعالى . ( وتخليل اللحية ) وقيل : هو سنة عند أبي يوسف جائز عند أبي حنيفة ومحمد لأن السنة إكمال الفرض في محله . والداخل ليس بمحل له هداية . وفي التصحيح : وتخليل اللحية وهو قول أبي يوسف ورجحه في المبسوط ( والأصابع ) لأنه إكمال الفرض في محله وهذا إذا كان الماء واصلا إلى خلالها بدون التخليل وإلا فهو فرض ( وتكرار الغسل ) المستوعب في الأعضاء المغسولة ( إلى الثلاث ) مرات ( 5 ) ولو زاد لطمأنينة القلب لا بأس به قيدت بالمستوعب لأنه لو لم يستوعب في كل مرة لا يكون آتيا بسنة التثليث وقيدت الأعضاء المغسولة لأن الممسوحة يكره تكرار مسحها .
( ويستحب للمتوضئ ) المستحب لغة : هو الشيء المحبوب وعرفا قيل : هو ما فعله النبي A مرة وتركه أخرى والمندوب : ما فعله مرة أو مرتين وقيل : هما سواء وعليه الأصوليون قال في التحرير : وما لم يواظب عليه مندوب ومستحب وإن لم يفعله بعدما رغب فيه اه . ( أن ينوي الطهارة ) في ابتدائها ( ويستوعب رأسه بالمسح ) بمرة واحدة ( ويرتب الوضوء فيبدأ بما بدأ الله تعالى به ) ويختم بما ختم به قال في التصحيح : قال نجم الأئمة في شرحه : وقد عد الثلاثة في المحيط والتحفة من جملة للسنن وهو الأصح وقال في الفتح : لا سند للقدوري في الرواية ولا في الدراية ولا في جعل النية والاستيعاب والترتيب مستحبا غير سنة أما الدراية فنصوص المشايخ متضافرة على السنة ولذا خالفه المصنف في الثلاثة وحكم بسنتيها بقوله " فالنية في الوضوء سنة " ونحوه في الأخيرين وأما الدراية فسنذكره إن شاء الله تعالى وقيل : أراد يستحب فعل هذه السنة للخروج من الخلاف فإن الخروج عنه مستحب اه . وتمامه فيه ( و ) البداءة ( بالميامن ) فضيلة . هداية وجوهرة أي مستحب .
_________ .
( 1 ) النص وهو الآية الكريمة وهي تفيد افتراض الغسل والمسح لهذه الأعضاء وإن كان تحديد المسح في الرأس يبينه حديث المغيرة الآتي على ما سيذكر المصنف والشارح .
( 2 ) الدليل على أن لفظ السنة يطلق في اللغة العربية على الطريقة مطلقا سواء أكانت مرضية أم لم تكن - هو قوله صلوات الله وسلامه عليه . " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " .
( 3 ) يريد أن يقول : إن مرتبة الفرض أولى المراتب وإن مرتبة الواجب تأتي بعقيب مرتبة الفرض وإن نظام التأليف يقتضي أن يبدأ المؤلف بأولى المراتب ثم بما يليها وهكذا وقد بدأ المؤلف فعلا بالفروض ثم انتقل إلى بيان السنن فعلمنا من هذا الصنيع أنه ليس للوضوء واجبات إذ لو كان له واجبات للزم أن يذكرها عقيب الفروض حتى يتم النظام .
( 4 ) اعلم أنه قد روي أن رسول الله A قال : ( إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده ) وظاهر هذا الحديث أن غسل اليدين إنما يكون سنة في حق من تيقظ من النوم فأما من يكون يقظان قبل إرادة الوضوء وقد تأكد من نظافة يديه فلا يسن له ذلك وكذلك ظاهر الحديث أنه إنما يسن غسل اليدين لمن يكون ماء وضوئه في إناء فهو يريد أن يغترف منه فأما من لا يكون ماؤه في إناء كمن يتوضأ من صنبور فلا يسن له ذلك . وقد بين المؤلف C أن غسل اليدين سنة على كل حال : أي سواء أكان من يريد الوضوء قد استيقظ من منامه أم لم يكن وسواء أكان يتوضأ من إناء أم لم يكن وقد اعتذر عن قيد الاستيقاظ وقيد إدخال اليد في الإناء الواردين في الحديث بأنهما اتفاقيان لا يقصد بهما الإحتراز .
( 5 ) أخرج البخاري عن ابن عباس Bهما أنه قال : ( توضأ رسول الله A مرة مرة ) وأخرج البخاري أيضا ( أن النبي A توضأ مرتين مرتين ) وتضافرت الروايات على أنه A ( توضأ ثلاثا ثلاثا ) ومعنى هذا أنه صلوات الله عليه وسلامه توضأ في بعض الأحايين مرة مرة يعني يغسل وجهه ويستوعبه مرة واحدة ويغسل يديه ويستوعبهما مرة واحدة وهكذا . وأنه توضأ في بعض الأحايين مرتين مرتين . يعني يغسل وجهه مرتين يستوعب غسله في كل مرة منهما وهكذا وأنه توضأ في أغلب الأحيان ثلاثا ثلاثا على معنى أنه غسل وجهه ثلاث مرات يستوعب غسله في كل مرة منها وهكذا وقوله ولو زاد لطمأنينة القلب لا بأس به محل نظر لأن الإتباع هو المطلوب .
_________ .
[ نواقض الوضوء ]