قال ولا يرفع يديه في شيء من تكبيرات الصلاة سوى تكبيرة الافتتاح وقال " الشافعي " يرفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع .
ومن الناس من يقول وعند السجود وعند رفع الرأس منه يرفع اليدين أيضا قالوا قد " صحح أن النبي A كان يرفع يديه عند كل تكبيرة " فمن ادعى النسخ فعليه إثباته .
وفي المسألة حكاية فإن " الأوزاعي " لقي " أبا حنيفة " رحمهم الله في المسجد الحرام فقال : ما بال أهل " العراق " لا يرفعون أيديهم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع ؟ وقد " حدثني " لزهري " عن " سالم " عن " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهم أن النبي A كان يرفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع " " فقال : " أبو حنيفة " C تعالى حدثني " حماد " عن " إبراهيم النخعي " عن " علقمة " عن " عبدالله بن مسعود " Bه أن النبي A كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام ثم لا يعود " فقال " الأوزاعي " عجبا من " أبي حنيفة " أحدثه بحديث " الزهري " عن " سالم " وهو يحدثني بحديث " حماد " عن " إبراهيم " عن " علقمة " - فرجح حديثه بعلو إسناده - فقال " أبو حنيفة " أما " حماد " فكان أفقه من " الزهري " وأما " إبراهيم " فكان أفقه من " سالم " ولولا سبق " ابن عمر " Bه لقلت بأن " علقمة " أفقه منه . وأما " عبدالله " فرجح حديثه بفقه رواته وهو المذهب لأن الترجيح بفقه الرواة لا بعلو الإسناد . وهذا الأصح .
فالشافعي .
اعتمد حديث " ابن عمر " Bه وقال تكبير الركوع يؤتى به حالة القيام فليسن رفع اليد عنده كتكبيرة الافتتاح ألا ترى أنه محسوب من تكبيرات العيد ورفع اليد مسنون في تكبيرات العبد فكذا هذا .
ولنا أن الآثار لما اختلفت في فعل رسول الله A يتحاكم إلى قوله وهو " الحديث المشهور أن النبي A قال : لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن عند افتتاح الصلاة وفي العيدين والقنوت في الوتر " وذكر أربعة في كتاب المناسك . و " حين رأى بعض الصحابة رضوان الله عليهم يرفعون أيديهم في بعض أحوال الصلاة كره ذلك فقال مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا " . وفي رواية " قاروا في الصلاة " والمعنى فيه أن هذه التكبيرة يؤتى بها في حال الانتقال فلا يسن رفع اليد عنده كتكبيرة السجود وفقهه ما بينا أن المقصود من رفع اليد إعلام الأصم الذي خلفه وهذا إنما يحتاج إليه في التكبيرات التي يؤتى بها في حالة الاستواء كالتكبيرات الزوائد في العيدين وتكبير القنوت ولا حاجة إليه فيما يؤتى به في حالة الانتقال فإن الأصم .
صفحة [ 15 ] يراه ينحط للركوع فلا حاجة إلى الاستدلال برفع اليد قال ثم يفتتح القراءة ويخفي ببسم الله الرحمن الرحيم فقد أدخل التسمية في القراءة بهذا اللفظ وهذا إشارة إلى أنها من القرآن .
وكان " مالك " C تعالى يقول لا يأتي المصلي بالتسمية لا سرا ولا جهرا .
لحديث .
عائشة " Bها أن النبي E كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين . " .
ولنا " حديث " أنس " قال : صليت خلف رسول الله A وخلف " أبي بكر " و " عمر " فكانوا يفتتحون القرآن ببسم الله الرحمن الرحيم " .
وتأويل حديث " عائشة " Bها أنه كان يخفي التسمية وهو مذهبنا وهو قول " علي " و " ابن مسعود " .
وقال " الشافعي " C : يجهر بها الإمام في صلاة الجهر وهو قول " ابن عباس " و " أبي هريرة " Bهما .
وعن " عمر " فيه روايتان .
واحتج " بحديث " أبي هريرة " رضي الله تعالى عنه أن النبي A كان يجهر بالتسمية " ولما صلى " معاوية " بالمدينة ولم يجهر بالتسمية أنكروا عليه وقالوا أسرقت من الصلاة أين التسمية فدل أن الجهر بها كان معروفا عندهم .
ولنا حديث " عبدالله بن المغفل " رضي الله تعالى عنه إنه سمع ابنه يجهر بالتسمية في الصلاة فنهاه عن ذلك فقال : يا بني إياك والحدث في الإسلام فإني صليت خلف رسول الله A وخلف " أبي بكر " و " عمر " Bهما فكانوا لا يجهرون بالتسمية . وهكذا روي عن " أنس " رضي الله تعالى عنه .
والمسألة في الحقيقة تنبنى على أن التسمية ليست بآية من أول الفاتحة ولا من أوائل السور عندنا وهو قول " الحسن " C فإنه كان يعد " إياك نعبد وإياك نستعين " .
وقال " الشافعي " C التسمية آية من أول الفاتحة قولا واحدا وله في أوائل السور قولان .
وكان " ابن المبارك " يقول التسمية آية من أول كل سورة حتى قال من ختم القرآن وترك التسمية فكأنما ترك مائة وثلاث عشرة آية أو مائة وأربع عشرة آية .
و " الشافعي " C ربما احتج " بحديث " أبي الجوزاء " عن " عائشة " Bها أنه A قرأ الفاتحة فقال بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية ثم قال الحمد لله رب العالمين وعدها آية " ولأنها مكتوبة في المصاحف بقلم الوحي لمبدأ الفاتحة وكل سورة وقد أمرنا بتجريد القرآن في المصاحف من النقط والتعاشير ولا خلاف أن الفاتحة سبع آيات ولا تكون سبع آيات إلا بالتسمية وقول من يقول إياك نعبد وإياك نستعين آية ضعيف تشهد المقاطع بخلافه .
ولنا " حديث " أبي هريرة " رضي الله تعالى عنه أن النبي A قال : يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني .
صفحة [ 16 ] وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى مجدني عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى أثنى علي عبدي وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي " ما سأل فالبداءة بقوله " الحمد لله رب العالمين " دليل على أن التسمية ليست بآية من أول الفاتحة إذ لو كانت آية من أول الفاتحة لم تتحقق المناصفة فإنه يكون في النصف الأول أربع آيات إلا نصفا وقد نص على المناصفة والسلف اتفقوا على أن سورة الكوثر ثلاث آيات وهي ثلاث آيات بدون التسمية ولأن أدنى درجات اختلاف الأخبار والعلماء إيراث الشبهة والقرآن لا يثبت مع الشبهة فإن طريقه طريق اليقين والإحاطة .
وعن " معلى " قال قلت " لمحمد " التسمية آية من القرآن أم لا ؟ قال ما بين الدفتين كله قرآن قلت : فلم لم تجهر فلم يجبنى . فهذا عن " محمد " بيان أنها آية أنزلت للفصل بين السور لا من أوائل السور ولهذا كتبت بخط على حدة وهو اختيار " أبي بكر الرازي " C حتى قال " محمد " C يكره للحائض والجنب قراءة التسمية على وجه قراءة القرآن لأن من ضرورة كونها قرآنا حرمة قراءتها على الحائض والجنب وليس من ضرورة كونها قرآنا الجهر بها كالفاتحة في الآخرتين .
ودليل هذا ما روى " ابن عباس " Bهما أنه قال " لعثمان " لم لم تكتب التسمية بين التوبة والأنفال قال : لأن التوبة من آخر ما نزل فرسول الله A توفي ولم يبين لنا شأنها فرأيت أوائلها يشبه أواخر الأنفال فألحقتها بها . فهذا بيان منهما إنها كتبت للفصل بين السور . وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمة الله عليهما أن المصلي يسمي في أول صلاته ثم لا يعيد لأنها لافتتاح القراءة كالتعوذ وروي " المعلى " عن " أبي يوسف " عن " أبي حنيفة " C تعالى أنه يؤتى بها في أول كل ركعة وهو قول " أبي يوسف " C وهو أقرب إلى الاحتياط لاختلاف العلماء والآثار في كونها آية من الفاتحة وروى " " ابن أبي رجاء " عن " محمد " C تعالى أنه قال : إذا كان يخفي القراءة يأتي بالتسمية بين السورة والفاتحة لأنه أقرب إلى متابعة المصحف وإذا كان يجهر لا يأتي بين السورة والفاتحة لأنه لو فعل لأخفى بها فيكون ذلك سكتة له في وسط القراءة ولم ينقل ذلك مأثورا .
ثم قال ويجهر الإمام في صلاة الجهر ويخافت في صلاة المخافتة وهي الظهر والعصر وكان " ابن عباس " Bه يقول لا قراءة في هاتين الصلاتين لظاهر " قوله E صلاة النهار عجماء " . أي ليس فيها قراءة .
والدليل على فساد .
صفحة [ 17 ] هذا القول " قوله E لا صلاة إلا بقراءة " . " وقيل " لخباب بن الأرت " رضي الله تعالى عنه بم عرفتم قراءة رسول الله A في صلاة الظهر والعصر ؟ قال باضطراب لحيته " وقال " أبو " قتادة " Bه كان رسول الله A يسمعنا الآية والآيتين في صلاة الظهر أحيانا " . و " قال " أبو سعيد الخدري " Bه سجد رسول الله A في صلاة الظهر فظننا أنه قرأ الم تنزيل السجدة وقد كان النبي A في الابتداء يجهر بالقرآن في الصلاة كلها وكان المشركون يؤذونه ويسبون من أنزل ومن أنزل عليه فأنزل الله تعالى { " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا " } الإسراء : 110 فكان يخافت بعد ذلك في صلاة الظهر والعصر لأنهم كانوا مستعدين للأذى في هذين الوقتين ويجهر في صلاة المغرب لأنهم كانوا مشغولين بالأكل وفي صلاة العشاء والفجر لأنهم كانوا نياما ولهذا جهر في الجمعة والعيدين لأنه أقامها بالمدينة وما كان للكفار بها قوة الأذي " . وقد صح رجوع " ابن عباس " Bه عن هذا القول فإن رجلا سأله أأقرأ خلف إمامي ؟ فقال أما في الظهر والعصر فنعم وتأويل قوله عجماء أي ليس فيها قراءة مسموعة ونحن نقول به .
وحد القراءة في هاتين الصلاتين أن يصحح الحروف بلسانه على وجه يسمع من نفسه أو يسمع منه من قرب أذنه من فيه فأما ما دون ذلك فيكون تفكرا ومجمجة لا قراءة فإن كان وحده يخافت في هاتين الصلاتين كالإمام فأما في صلاة الجهر فيتخير فإن شاء خافت لأن الجهر لإسماع من خلفه وليس خلفه أحد وإن شاء جهر وهو أفضل لأنه يكون مؤديا صلاته على هيئة الصلاة بالجماعة والمنفرد مندوب إلى هذا وكذلك في التهجد بالليل إن شاء خافت وإن شاء جهر وهو أفضل .
لما " روي عن " عائشة " Bها أن النبي A في تهجده كان يؤنس اليقظان ولا يوقظ الوسنان " . و " مر النبي A " بأبي بكر " وهو يتهجد ويخفي بالقراءة وبعمر وهو يجهر بالقراءة وببلال وهو ينتقل من سورة إلى سورة فلما أصبحوا سأل كل واحد منهم عن حاله فقال " أبو بكر " Bه : كنت أسمع من أناجيه وقال " عمر " Bه : كنت أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان وقال " بلال " Bه : كنت أنتقل من بستان إلى بستان . فقال " لأبي بكر " : ارفع من صوتك قليلا و " لعمر " : اخفض من صوتك قليلا ولبلال : إذا ابتدأت سورة فأتمها " وكان " ابن ليلى " C يقول يتخير الإمام في التسمية بين الجهر والمخافتة وهذا مذهبه في كل ما اختلف فيه الأثر كرفع اليد عند الركوع وتكبيرات العيد ونحوها .
صفحة [ 18 ] يستدل بما " روي عن النبي A قال : من استجمر فليوتر من فعل هذا فقد أحسن ومن لا فلا حرج " وهذا ضعيف فإن آخر الفعلين يكون ناسخا لأولهما والقول بالتخيير بين الناسخ والمنسوخ عملا لا يجوز .
قال والقراءة في الركعتين الأوليين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخيرتين بفاتحة الكتاب وإن تركها جاز والمذهب عندنا أن فرض القراءة في الركعتين من كل صلاة .
وكان " الحسن البصري " يقول في ركعة واحدة .
وكان " مالك " يقول في ثلاث ركعات .
و " الشافعي " رضي الله تعالى عنه يقول في كل ركعة .
واستدل .
الحسن البصري " بقوله E : لا صلاة إلا بقراءة " وهذا يقتضى فرضية القراءة لا تكرارها فإن الكل صلاة واحدة .
وهذا ضعيف فإنه لم ينقل عن النبي A الاكتفاء بالقراءة في ركعة واحدة في شيء من الصلوات ولو جاز ذلك لفعله مرة تعليما للجواز وقد سمى الله تعالى الفاتحة مثاني لأنها تثني في كل صلاة أي تقرأ مرتين .
و " الشافعي " Bه احتج فقال أجمعنا على فرضية القراءة في كل ركعة من التطوع والفرض أقوى من التطوع فثبتت الفرضية في كل ركعة من الفرض بطريق الأولى ولأن كل ركعة تشتمل على أركان الصلاة وسائر الأركان كالقيام والركوع والسجود فرض في كل ركعة فكذلك ركن القراءة وهكذا قال " مالك " C إلا أنه قال أقيم القراءة في أكثر الراكعات مقامها في الجميع تيسيرا .
ولنا اجماع الصحابة فإن " أبا بكر " كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين زمن النبي A على جهة الثناء وروي أنه قرأ في الأخيرتين " آمن الرسول " على جهة الثناء و " عمر " رضي الله تعالى عنه ترك القراءة في ركعة من صلاة المغرب فقضاها في الركعة الثالثة وجهر . و " عثمان " رضي الله تعالى عنه ترك القراءة في الأوليين من صلاة العشاء فقضاها في الأخيرتين وجهر . وعن " علي " و " ابن مسعود " Bهما أنهما كان في الأخيرتين يسبحان وسأل رجل " عائشة " رضي الله تعالى عنها عن قراءة الفاتحة في الأخيرتين فقالت اقرأ ليكون على جهة الثناء وكفى بإجماعهم حجة . قال : ثم القراءة في الأخيرتين ذكر يخافت بها في كل حال فلا تكون ركنا كثناء الافتتاح وتأثيره أن مبنى الأركان على الشهرة والظهور ولو كانت القراءة في الأخيرتين ركنا لما خالف الأوليين في الصفة كسائر الأركان وكل شفع من التطوع صلاة على حدة بخلاف الفرض حتى إن فساد الشفع الثاني في التطوع لا يوجب فساد الشفع الأول .
وروي " الحسن " عن " أبي حنيفة " أن الأفضل له أن يقرأ الفاتحة في .
صفحة [ 19 ] الأخيرتين وإن ترك ذلك عامدا كان مسيئا وإن كان ساهيا فعليه سجود السهو .
( يتبع . . . )