قال إذا أراد الرجل الدخول في الصلاة كبر ورفع يديه حذاء أذنيه وظن بعض أصحابنا رحمهم الله أنه لم يذكر النية وليس كما ظنوا فإن إرادة الدخول في الصلاة هي النية والنية لا بد منها " لقوله E : إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم " . و " قال E : إنما الأعمال بالنيات " والنية معرفة بالقلب أي صلاة يصلي .
وحكى عن " الشافعي " C أنه قال مع هذا في الفرائض يحتاج إلى نية الفرض .
وهذا بعيد فإنه إذا نوى الظهر فقد نوى الفرض فالظهر لا يكون إلا فرضا فإن كان منفردا أو إماما فحاجته إلى نية ماهية الصلاة وإن كان مقتديا احتاج مع ذلك إلى نية الاقتداء .
وإن نوى صلاة الإمام جاز عنهما .
وفي رواية " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله يحتاج إلى نية الكعبة أيضا .
والصحيح أن استقباله إلى جهة الكعبة يغنيه عن نيتها .
والأفضل أن تكون نيته مقارنة للتكبير فإن نوى قبله حين توضأ ولم يشتغل بعده بعمل يقطع نيته جاز عندنا وهو محفوظ عن " أبي يوسف " و " محمد " جميعا ولا يجوز عند " الشافعي " رحمه لله قال الحاجة إلى النية ليكون عمله عن عزيمة وإخلاص وذلك عند الشروع فيها .
ونحن هكذا نقول ولكن يجوز تقديم النية ويجعل ما قدم من النية إذا لم يقطعه بعمل كالقائم عند الشروع حكما كما في الصوم . وكان " محمد بن سليمان البلخي " يقول إذا كان عند الشروع بحيث لو سئل أي صلاة يصلى أمكنه أن يجيب على البديهة من غير تفكر فهو نية كاملة تامة والتكلم بالنية لا معتبر به فإن .
صفحة [ 11 ] فعله ليجتمع عزيمة قلبه فهو حسن .
وأما التكبير فلا بد منه للشروع في الصلاة إلا على قول " أبي بكر الأصم " و " إسماعيل بن علية " فإنهما يقولان يصير شارعا بمجرد النية .
والأذكار عندهما كالتكبير والقراءة . ونية الصلاة ليست من الواجبات قالا لأن مبنى الصلاة على الأفعال لا على الأذكار ألا ترى أن العاجز عن الأذكار القادر على الأفعال يلزمه الصلاة بخلاف العاجز عن الأفعال القادر على الأذكار .
ولنا قوله تعالى : " وذكر اسم ربه فصلى " الأعلى : 15 أي ذكر اسم الله عند افتتاح الصلاة وظاهر قوله تعالى : " وأقم الصلاة لذكري " طه : 14 . يبين أن المقصود ذكر الله تعالى على وجه التعظيم فيبعد أن يقال ما هو المقصود لا يكون واجبا وهذا المعنى فإن الصلاة تعظيم بجميع الأعضاء وأشرف الأعضاء اللسان فلا بد من أن يتعلق به شيء من أركان الصلاة . و " قال E وتحريمها التكبير " فدل أن بدونه لا يصير شارعا وتحريمة الصلاة تتناول اللسان ألا ترى أن الكلام مفسد للصلاة ولو لم يتناوله التحريم لم يكن مفسدا كالنظر بالعين ومبنى الصلاة على الأفعال دون الكف فكل ما يتناوله التحريم يتعلق به شيء من أركان الصلاة .
فأما رفع اليدين عند التكبير فهو سنة " لأن النبي E علم الأعرابي الصلاة ولم يذكر له رفع اليد " لأنه ذكر الواجبات وواظب على رفع اليد عند التكبير فدل أنه سنة . والمروي عن " أبي يوسف " C أنه ينبغي أن يقرن التكبير برفع اليدين والذي عليه أكثر مشايخنا أنه يرفع يديه أولا فإذا استقرتا في موضع المحاذاة كبر لأن في فعله وقوله معنى النفي والإثبات فإنه برفع اليد ينفي الكبرياء عن غير الله تعالى وبالتكبير يثبته لله تعالى فيكون النفي مقدما على الإثبات كما في كلمة الشهادة .
ولا يتكلف للتفريق بين الأصابع عند رفع اليد والذي " روي عن النبي A أنه كبر ناشرا أصابعه " معناه ناشرا عن طيها بأن لم يجعله مثنيا بضم الأصابع إلى الكف .
والمسنون عندنا أن يرفع يديه حتى يحاذي إبهاماه شحمتي أذنيه ورؤوس أصابعه فروع أذنيه وهو قول " أبي موسى الأشعري " رضي الله تعالى عنه .
وعند " الشافعي " C المسنون أن يرفع يديه إلى منكبيه وهو قول " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهما .
واحتج " بحديث " أبي حميد الساعدي " Bه أنه كان في عشرة من أصحابه فقال ألا أخبركم بصلاة رسول الله .
صفحة [ 12 ] A فقالوا : نعم فقال كان رسول الله A إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه " .
ولنا " حديث " وائل بن حجر " رضي الله تعالى عنه أن النبي A كان إذا كبر رفع يديه حذاء أذنيه " والمصير إلى هذا أولى لأن فيه إثبات الزيادة .
وتأويل حديثهم أنه كان عند العذر في زمن البرد حين كانت أيديهم تحت ثيابهم .
والمعنى إن خلف الإمام أعمى وأصم فأمر بالجهر بالتكبير ليسمع الأعمى وبرفع اليدين ليري الأصم فيعلم دخوله في الصلاة وهذا المقصود إنما يحصل إذا رفع يديه إلى أذنيه .
وكان " طاوس " C يرفع يديه فوق رأسه .
ولا نأخذ بهذا لما " روي أن النبي A رأى رجلا قد شخص ببصره إلى السماء ورفع يديه فوق رأسه فقال له E : غض بصرك فإنك لن تراه وكف يدك فإنك لن تناله " .
ولا يطأطئ رأسه عند التكبير ذكره في كتاب الصلاة " للحسن بن زياد " C وقال فيه التزاوج بين القدمين في القيام أفضل من أن ينصبهما نصبا .
ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك .
جاء عن " الضحاك " C في تفسير قوله تعالى : " وسبح بحمد ربك حين تقوم " الطور : 48 . أنه قول المصلي عند الافتتاح " سبحانك اللهم وبحمدك وروي هذا الذكر عن رسول الله A " عمر " و " علي " و " عبدالله بن مسعود " Bهم أنه كان يقوله عند افتتاح الصلاة " ولم يذكر وجل ثناؤك لأنه لم ينقل في المشاهير .
وذكر " محمد " C في كتاب الحج عن أهل المدينة ويقول المصلي أيضا وجل ثناؤك .
وعن " أبي يوسف " في الأمالي قال أحب إلي أن يزيد في الافتتاح وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين " لحديث " عبدالله بن عمر " Bهما . أن النبي A كان يقول عند افتتاح الصلاة وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا " . إلى آخره و " الشافعي " رضي الله تعالى عنه يقول بهذا ويزيد عليه أيضا ما " رواه " علي " Bه عن النبي E . قال اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وتب علي أنك أنت التواب الرحيم " وفي بعض الروايات " اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها فإنه لا .
صفحة [ 13 ] يصرف عني سيئها إلا أنت أنا بك ولك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك " فتأويل هذا كله عندنا أنه كان في التهجد بالليل والأمر فيه واسع فأما في الفرائض فإنه لا يزيد على ما اشتهر فيه الأثر .
ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم في نفسه لما " روي أن " أبا الدرداء " رضي الله تعالى عنه قام ليصلي فقال له النبي A تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن " والذين نقلوا صلاة رسول الله E ذكروا تعوذه بعد الافتتاح قبل القراءة ولأن من أراد قراءة القرآن ينبغي له أن يتعوذ لقوله تعالى : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " النحل : 98 وأصحاب الظواهر أخذوا بظاهر الآية وقالوا نتعوذ بعد القراءة لأن الفاء للتعقيب ولكن هذا ليس بصحيح لأن هذه الفاء عندنا للحال كما يقال إذا دخلت على السلطان فتأهب أي إذا أردت الدخول عليه فتأهب فكذا معنى الآية إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ .
بيانه في حديث الإفك " أن النبي A لما كشف الرداء عن وجهه فقال : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم " النور : 11 الآيات " . وبظاهر الآية قال " عطاء " الاستعاذة تجب عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وهو مخالف لإجماع السلف فقد كانوا مجمعين على أنه سنة .
وبين القراء اختلاف في صفة التعوذ .
فاختيار " أبي عمرو " و " عاصم " و " ابن كثير " رحمهم الله : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
زاد " حفص " من طريق " هبيرة " أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان .
واختيار " نافع " و " ابن عامر " و " الكسائي " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم .
واختيار " حمزة الزيات " أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وهو قول " محمد بن سيرين " وبكل ذلك ورد الأثر .
وإنما يتعوذ المصلي في نفسه إماما كان أو منفردا لأن الجهر بالتعوذ لم ينقل عن رسول الله A ولو كان يجهر به لنقل نقلا مستفيضا والذي روي عن " عمر " رضي الله تعالى عنه أنه جهر بالتعوذ تأويله أنه كان وقع اتفاقا لا قصدا أو قصد تعليم السامعين أن المصلي ينبغي أن يتعوذ كما نقل عنه الجهر بثناء الافتتاح .
فأما المقتدي فلا يتعوذ عند " محمد " C لأنه لا يقرأ خلف الإمام فلا يتعوذ حتى أن المسبوق إذا قام لقضاء ما سبق به حينئذ يتعوذ في إحدى الروايتين عن " محمد . " .
وعن " أبي يوسف " يتعوذ المقتدي فإن التعوذ عنده بمنزلة الثناء لما يأتي بيانه في باب العيدين .
والتعوذ عند افتتاح الصلاة خاصة إلا على قول " ابن سيرين " C فإنه يقول يتعوذ في كل ركعة كما يقرأ .
وهذا فاسد .
صفحة [ 14 ] فإن الصلاة واحدة فكما لا يؤتي لها إلا بتحريمه واحدة فكذا التعوذ والله أعلم