( تابع . . . 1 ) : أعلم أن الصلاة فرضت لأوقاتها قال الله تعالى : " أقم الصلاة لدلوك .
صفحة [ 146 ] الله عنه كان النبي A يصلى الفجر ولا يعرف أحدنا من إلى جنبه من شدة الغلس " ولأن في هذا إظهار المسارعة في أداء العبادة وهو مندوب إليه لقوله تعالى : { " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " آل عمران : 133 .
ولنا " حديث " رافع بن خديج " أن النبي A قال : أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " و " حديث " الصديق " عن " بلال " رضى الله تعالى عنهما أن النبي A قال : نوروا بالفجر أو قال : أصبحوا بالصبح يبارك لكم " .
ولأن في الإسفار تكثير الجماعة وفي التغليس تقليلها وما يؤدي إلى تكثير الجماعة فهو أفضل ولأن المكث في مكان الصلاة حتى تطلع الشمس مندوب إليه " قال A : من صلى الفجر ومكث حتى تطلع الشمس فكأنما أعتق أربع رقاب من ولد " إسماعيل " " .
وإذا أسفر بها تمكن من إحراز هذه الفضيلة وعند التغليس قلما يتمكن منها فأما حديث " عائشة " رضى الله عنها فالصحيح من الروايات إسفار رسول الله A لصلاة الفجر " قال " ابن مسعود " رضى الله تعالى عنه ما رأيت رسول الله A صلى صلاة قبل ميقاتها إلا صلاة الفجر صبيحة الجمعة فإنه صلاها يومئذ بغلس " فدل أن المعهود إسفاره بها فإن ثبت التغليس في وقت فلعذر الخروج إلى سفر أو كان ذلك حين يحضر النساء الصلاة بالجماعة ثم انتسخ ذلك حين أمرن بالقرار في البيوت .
قال : والأفضل في صلاة الظهر أن يؤخرها ويبرد بها في الصيف وفي الشتاء يعجلها بعد الزوال .
وقال " الشافعي " رضى الله تعالى عنه إن صلى وحده يعجلها بعد الزوال في كل وقت وإن كان يصلى بالجماعة يؤخر يسيرا واستدل " بحديث " خباب ابن الأرت " رضي الله تعالى عنه قال شكونا إلى رسول الله A حر الرمضاء في خيامنا فلم يشكنا أي لم يجبنا إلى شكوانا فدل أنه كان يعجل الظهر " .
وأصحابنا استدلوا " بقوله A أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم " وفي " حديث " أبي هريرة " رضى الله تعالى عنه كان النبي A في سفر فلما زالت الشمس جاء بلال ليؤذن فقال له : أبرد هكذا مرارا فلما صار للتلال فيء قال أذن " ولأن في التعجيل في الصيف تقليل الجماعات وإضرارا بالناس فإن الحر يؤذيهم .
وتأويل حديث " خباب " : أنهم طلبوا ترك الجماعة أصلا على أن معنى قوله : فلم يشكنا أي لم يدعنا في الشكاية بل أزال شكوانا بأن أبرد بها .
فأما في الشتاء فالمستحب تعجيلها " لحديث " أنس " رضى الله تعالى عنه كان النبي A يصلي الظهر في الشتاء فلا يدري أن ما مضى من النهار .
صفحة [ 147 ] أكثر أم ما بقى " و " قال A " لمعاذ " حين وجهه إلى اليمن : إذا كان الصيف فأبرد فإن تقيلوك فأمهلهم حتى يدركوا وإذا كان الشتاء فصل الظهر حين تزول الشمس فإن الليالي طوال " .
فأما العصر فالمستحب تأخيرها في الصيف والشتاء عندنا بعد أن يؤديها والشمس بيضاء نقية لم يدخلها تغير .
وقال " الشافعي " C تعالى المستحب تعجيلها " لحديث " عائشة " رضى الله تعالى عنها كان رسول الله A يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتي " و " لحديث " أنس " رضي الله تعالى عنه كان النبي A يصلى العصر فيذهب الذاهب إلى العوالي وينحر الجزور ويطبخ ويأكل قبل غروب الشمس " .
ولنا " حديث " ابن مسعود " رضى الله تعالى عنه قال كان النبي A يصلى العصر والشمس بيضاء نقية " وهذا منه بيان تأخير للعصر و " قالت " أم سلمة " رضى الله تعالى عنها أنتم أشد تأخيرا للظهر من رسول الله A ورسول الله A أشد تأخيرا للعصر منكم " وقيل : سميت العصر لأنها تعصر أي تأخر ولأن في تأخير العصر تكثير النوافل وأداء النافلة بعدها مكروه ولهذا كان التعجيل في المغرب أفضل لأن أداء النافلة قبلها مكروه ولأن المكث بعد العصر إلى غروب الشمس في موضع الصلاة مندوب إليه " قال E : من صلى العصر ومكث في المسجد إلى غروب الشمس فكأنما أعتق ثمانية من ولد " إسماعيل " عليه السلام " وإذا أخر العصر يتمكن من إحراز هذه الفضيلة فهو أفضل .
فأما حديث " عائشة " رضى الله تعالى عنها فقد كانت حيطان حجرتها قصيرة فتبقى الشمس طالعة فيها إلى أن تتغير وحديث " أنس " فقد كان ذلك في وقت مخصوص لعذر .
فأما صلاة المغرب فالمستحب تعجيلها في كل وقت وقد بينا أن تأخيرها مكروه وكان " عيسى بن أبان " C تعالى يقول : الأولى تعجيلها للآثار ولكن لا يكره التأخير مطلقا ألا ترى أن بعذر السفر والمرض تؤخر المغرب ليجمع بينها وبين العشاء فعلا فلو كان المذهب كراهة التأخير لما أبيح ذلك بعذر السفر والمرض كما لا يباح تأخير العصر إلى أن تتغير الشمس .
واستدل فيه بما " روى أن النبي A قرأ سورة الأعراف في صلاة المغرب ليلة " وإنما يحمل ذلك على بيان امتداد الوقت وإباحة التأخير .
فأما صلاة العشاء فالمستحب عندنا تأخيرها إلى ثلث الليل ويجوز التأخير بعد ذلك إلى نصف الليل ويكره التأخير بعد ذلك .
وقال " الشافعي " رضى الله تعالى عنه المستحب تعجيلها بعد غيبوبة الشفق " لحديث " نعمان .
صفحة [ 148 ] ابن بشير " قال كان النبي A يصلى العشاء حين يسقط القمر الليلة الثالثة وذلك عند غيبوبة الشفق يكون " ولأن في تعجيلها تكثير الجماعة خصوصا في زمان الصيف .
ولنا ما " روى أن النبي A أخر العشاء إلى ثلث الليل ثم خرج فوجد أصحابه في المسجد ينتظرونه فقال أما إنه لا ينتظر هذه الصلاة في هذا الوقت أحد غيركم ولولا سقم السقيم وضعف الضعيف لأخرت العشاء إلى هذا الوقت " .
وفي " حديث آخر لولا أن أشق على أمتى لأخرت العشاء إلى ثلث الليل " .
وكتب " عمر " رضى الله تعالى عنه إلى " أبي موسى الأشعري " رضى الله تعالى عنه أن صل العشاء حين يذهب ثلث الليل فإن أبيت فالى نصف الليل فإن نمت فلا نامت عيناك وفي رواية فلا تكن من الغافلين .
والحاصل أن " الشافعي " رضى الله تعالى عنه يختار أداء الصلاة في أول الوقت " لقوله E أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله " والعفو يكون بعد التقصير ولأن فيه إحراز الفضيلة قبل أن يعترض عليه عذر يعجزه عن إحرازها .
وأصحابنا اختاروا التأخير ففيه انتظار للصلاة و " قال A المنتظر للصلاة في الصلاة ما دام ينتظرها " وفي التأخير تكثير الجماعة أيضا وفيه تقليل النوم فهو أفضل وما كان امتداد الوقت إلا للتيسير وفي التأخير إظهار معنى التيسير وهو الذي أشار إليه رسول الله A في قوله " وآخره عفو الله " فالمراد بالعفو الفضل قال تعالى : { " ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو " البقرة : 219 ولا يجوز أن يحمل العفو ها هنا على التجاوز عن التقصير فقد ذكر في إمامة " جبريل " عليه السلام تأخير الأداء للصلاة في اليوم الثاني إلى آخر الوقت وما كان رسول الله A يقصد إلى شيء يكون فيه تقصير فإن الزلة التي تجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ما تكون من غير تقصير .
قال : وفي يوم الغيم المستحب تأخير الفجر والظهر والمغرب وتعجيل العصر والعشاء وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى التأخير في جميع الصلوات في يوم الغيم أفضل ووجهه أنه أقرب إلى الاحتياط فأداء الصلاة في وقتها أو بعد ذهابه يجوز ولا يجوز أداؤها قبل دخول الوقت .
ووجه ظاهر الرواية : أن في الفجر المستحب التأخير لأنه لو عجل بها لم يأمن أن يقع قبل طلوع الفجر الثاني ولأن الناس يلحقهم الحرج في التعجيل عند الظلمة بسبب الغيم فيؤخر ليكون فيه تكثير الجماعة وكذلك في الظهر يؤخر لكيلا يقع قبل الزوال ويعجل العصر لكيلا يقع في حال تغيير الشمس ويؤخر المغرب لكيلا يقع قبل غروب الشمس .
صفحة [ 149 ] وتعجل العشاء لدفع الحرج عن الناس فإنهم يتضررون بالمطر يأخذهم قبل الرجوع إلى منازلهم وعند الغيم ينتظر المطر ساعة فساعة فتعجل العشاء لينصرفوا إلى منازلهم قبل أن يمطروا .
قال : ولا يجمع بين صلاتين في وقت إحداهما في حضر ولا في سفر ما خلا " عرفة " و " مزدلفة " فإن الحاج يجمع بين الظهر والعصر بعرفات فيؤديهما في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء " بمزدلفة " فيؤديهما في وقت العشاء عليه اتفق رواة نسك رسول الله A أنه فعله وفيما سوى هذين الموضعين لا يجمع بينهما وقتا عندنا .
وقال " الشافعي " C يجمع بينهما لعذر السفر والمطر .
وقال " مالك " C ولعذر المرض أيضا . وهو أحد قولى " الشافعي " C تعالى .
وقال " أحمد بن حنبل " يجوز الجمع بينهما في الحضر من غير عذر السفر واحتجوا " بحديث " معاذ " أن النبي A جمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك " و " عن " عائشة " Bها قالت كان رسول الله A يجمع بين الصلاتين إذا جد به السفر . " و " عن " ابن عباس " رضى الله تعالى عنهما قال صلينا مع رسول الله A سبعا جمعا وثمانيا جمعا " فالمراد بالسبع المغرب والعشاء وبالثمان الظهر والعصر و " عن " ابن عباس " رضى الله تعالى عنهما أيضا قال جمع رسول الله A بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير عذر " .
ولنا قوله تعالى : { " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " البقرة : 238 أي في مواقيتها وقال تعالى : { " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " النساء : 103 أي فرضا مؤقتا و " عن " ابن مسعود " رضي الله تعالى عنه أن النبي A قال من جمع بين صلاتين في وقت واحد فقد أتى بابا من الكبائر " وقال " عمر " رضى الله تعالى عنه : إن من أكبر الكبائر الجمع بين الصلاتين .
فكما لا يجمع بين العشاء والفجر ولا بين الفجر والظهر لاختصاص كل واحد منهما بوقت منصوص عليه شرعا فكذلك الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء .
وتأويل الأخبار أن الجمع بينهما كان فعلا لا وقتا وبه نقول وبيان الجمع فعلا أن المسافر يؤخر الظهر إلى آخر الوقت ثم ينزل فيصلى الظهر ثم يمكث ساعة حتى يدخل وقت العصر فيصليها في أول الوقت وكذلك يؤخر المغرب إلى آخر الوقت ثم يصليها في آخر الوقت والعشاء في أول الوقت فيكون جامعا بينهما فعلا .
الدليل عليه حديث نافع قال خرجنا مع " ابن عمر " رضى الله تعالى عنهما من مكة فاستصرخ بامرأته فجعل يسير حتى غربت الشمس فنادى الركب الصلاة فلم يلتفت إليهم حتى إذا دنا غيبوبة الشفق نزل فصلى المغرب ثم مكث حتى غاب الشفق .
صفحة [ 150 ] ثم صلى العشاء ثم قال هكذا كان يفعل رسول الله A إذا جد به السير وعن " علي " رضي الله تعالى عنه أنه فعل مثل ذلك في بعض أسفاره صلى المغرب في آخر الوقت والعشاء في أوله وتعشى بينهما وفي الحقيقة تنبنى هذه المسألة على أصل وهو : أن عنده بين وقت الظهر والعصر تداخلا حتى إذا بلغ الصبي أو أسلم الكافر في وقت العصر يلزمهما قضاء الظهر وكذلك المغرب مع العشاء .
وعندنا لا تداخل بل كل واحد منهما مختص بوقته .
ودليلنا ما روينا لا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت الأخرى .
قال : ووقت الوتر من حين يصلى العشاء إلى الفجر والأفضل تأخيرها إلى آخر الليل " لحديث " خارجة بن حذافة " رضى الله تعالى عنهما أن النبي A قال : إن الله تعالى أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر " و " قالت " عائشة " رضى الله تعالى عنها من كل الليل أوتر رسول الله A من أوله وأوسطه وآخره وانتهى وتره إلى السحر " و " قال A الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر يوتر لك ما قبله " وكان " أبو بكر " رضى الله تعالى عنه يوتر من أول الليل و " عمر " رضى الله تعالى عنه من آخر الليل و " قال A " لأبي بكر " رضى الله تعالى عنه أخذت بالثقة و " لعمر " رضى الله تعالى عنه أخذت بفضل القوة " .
فإن أوتر في وقت العشاء قبل أن يصلى العشاء وهو ذاكر لذلك لم يجزه بالإتفاق لأنه أداها قبل وقتها أو ترك الترتيب المأمور به من بناء الوتر على العشاء .
فأما إذا صلى العشاء بغير وضوء وهو لا يعلم به ثم جدد الوضوء فأوتر ثم علم أنه كان صلى العشاء بغير وضوء فعليه إعادة العشاء دون الوتر في قول " أبي حنيفة " C تعالى لأن الترتيب كان ساقطا عنه بعذر النسيان .
وعندهما يلزمه اعادة الوتر لأن عندهما دخول وقت الوتر بعد أداء العشاء على وجه الصحة ولم يوجد فكان مصليا قبل وقته .
وعند " أبي حنيفة " C يدخل وقت الوتر بدخول وقت العشاء إنما كان عليه مراعاة الترتيب وقد سقط ذلك بالنسيان .
وإنما ينبني هذا على اختلافهم في صفة الوتر فعند " أبي حنيفة " C تعالى واجب أو فرض فلا يكون تبعا للعشاء .
وعندهما سنة فكان تبعا للعشاء وسيأتي بيان هذا الفصل .
قال : ولا يتطوع بعد طلوع الفجر إلا بركعتي الفجر إلى أن تطلع الشمس وترتفع واعلم بأن الأوقات التي تكره فيها الصلاة خمسة ثلاثة منها لا يصلى فيها جنس الصلوات .
عند طلوع الشمس إلى أن .
صفحة [ 151 ] تبيض وعند غروبها إلا عصر يومه فإنه يؤديها عند الغروب والأصل فيه " حديث " عقبة بن عامر " رضى الله تعالى عنه قال ثلاث ساعات نهانا رسول الله A أن نصلى فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا عند طلوع الشمس حتى ترتفع وعند زوالها حتى تزول وحين تضيف للغروب حتى تغرب " .
( يتبع . . . )