( تابع . . . 2 ) : أعلم أن الصلاة فرضت لأوقاتها قال الله تعالى : " أقم الصلاة لدلوك .
وفي " حديث " الصنابحى " أن النبي A نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وقال إنها تطلع بين قرني الشيطان كأن الشيطان يزينها في عين من يعبدونها حتى يسجدوا لها فإن ارتفعت فارقها فإذا كان عند قيام الظهيرة قارنها فإذا مالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها فلا تصلوها في هذه الأوقات " .
وفي " حديث " عمر بن عنبسة " قال قلت لرسول الله A هل من الليل والنهار ساعة لا يصلى فيها فقال إذا صليت المغرب فالصلاة مشهودة مقبولة إلى أن تصلى الفجر ثم أمسك حتى تطلع الشمس ثم الصلاة مشهودة مقبولة إلى وقت الزوال ثم أمسك فإنها ساعة تسعر فيها جهنم ثم الصلاة مشهودة مقبولة إلى أن تصلى العصر ثم أمسك حتى تغرب الشمس " والأمكنة في هذا النهى سواء عندنا لعموم الآثار .
وقال " الشافعي " لا بأس بالصلاة في هذه الأوقات " بمكة " لحديث روي إلا " بمكة " .
ولم تثبت هذه الزيادة عندنا لأنها شاذة فلا تعارض المشاهير .
وعن " أبي يوسف " C تعالى أنه قال لا بأس بالصلاة في هذه الأوقات وقت الزوال يوم الجمعة وقد روي شاذا إلا يوم الجمعة به أخذ " أبو يوسف " وقال للناس بلوى في تحية المسجد عند الزوال يوم الجمعة فالآثار التي روينا توجب الكراهة في الكل .
ثم كل وقت ينهى فيه عن عبادة لا يختلف الحال فيه بين الجمعة وغيرها وبين مكة وغيرها كالنهي عن الصوم في يوم العيد .
وفي هذه الأوقات الثلاثة لا تؤدي الفرائض عندنا .
وقال " الشافعي " النهى عن أداء النوافل فأما الفرائض فلا بأس بأدائها في هذه الأوقات " لقوله A من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها " .
ولنا " حديث ليلة التعريس فإن النبي A لما نزل آخر الليل قال من يكلؤنا الليلة فقال بلال أنا فناموا فما أيقظهم إلا حر الشمس " وفي رواية انتبهوا وقد بدا حاجب الشمس " فقال E " لبلال " أين ما وعدتنا قال ذهب بنفسي الذي ذهب بنفوسكم فقال رسول الله A أرواحنا بيد الله تعالى وأمرهم فانتقلوا عن ذلك الوادي ثم نزلوا فأوتر رسول الله A ثم أذن بلال فصلى ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم .
صفحة [ 152 ] قضاء " وإنما انتقل من ذلك الوادي لأن تشاءم والأصح أنه أراد أن ترتفع الشمس فلو جاز الفجر المكتوبة في حال طلوع الشمس لما أخر بعد الإنتباه والآثار المروية في النهى عامة في جنس الصلوات وبها يثبت تخصيص هذه الأوقات من الحديث الذي رواه الخصم .
قال : ولا يصلى في هذه الأوقات على الجنازة أيضا لقوله وأن نقبر فيهن موتانا فليس المراد به الدفن لأن ذلك جائز بالإتفاق ولكنه كناية عن الصلاة على الجنازة أيضا .
قال : ولا يسجد فيهن للتلاوة أيضا لأن الكراهة للتحرز عن التشبه بمن يعبد الشمس والتشبه يحصل بالسجود والنهي عن الصلاة على الجنازة وعن سجدة التلاوة في هذه الأوقات مروى عن " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهما ولو أدى سقط عنه لأن الوجوب في هذا الوقت والنهي ليس لمعنى في عين السجود والصلاة فلا يمه الجواز .
إلا عصر يومه فإنه يؤديها عند غروب الشمس لأن هذا الوقت سبب لوجوبها حتى لو أسلم الكافر أو بلغ الصبي في هذا الوقت يلزمه أداؤها فيستحيل أن يجيب عليه الأداء في هذا الوقت ويكون ممنوعا من الأداء وعلى هذا لو غربت الشمس وهو في خلال العصر يتم الصلاة بالإتفاق .
ولو طلعت الشمس وهو في خلال الفجر فسدت صلاته عندنا .
وعند " الشافعي " لا تفسد اعتبارا بحالة الغروب واستدل " بقوله E من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك " .
والفرق بينهما عندنا أن بالغروب يدخل وقت الفرض فلا يكون منافيا للفرض وبالطلوع لا يدخل وقت الفرض فكان مفسدا للفرض كخروج وقت الجمعة في خلالها مفسد للجمعة لأنه لا يدخل وقت مثلها .
قال : والأصح عندي في الفرق أن الطلوع بظهور حاجب الشمس وبه لا تنتفي الكراهة بل تتحقق فكان مفسدا للفرض والغروب بآخره وبه تنتفي الكراهة فلم يكن مفسدا للعصر لهذا .
وتأويل الحديث أنه لبيان الوجوب بإدراك جزء من الوقت قل أو كثر .
وعن " أبي يوسف " أن الفجر لا يفسد بطلوع الشمس ولكنه يصبر حتى إذا ارتفعت الشمس أتم صلاته وكأنه استحسن هذا ليكون مؤديا بعض الصلاة في الوقت ولو أفسدناها كان مؤديا جميع الصلاة خارج الوقت وأداء بعض الصلاة في الوقت أولى من أداء الكل خارج الوقت .
ووقتان آخران ما بعد العصر قبل تغير الشمس وما بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فإنه لا يصلى فيهما شيء من النوافل " لحديث " ابن عباس " رضى الله تعالى عنهما قال شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي " عمر " أن النبي .
صفحة [ 153 ] A نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس " وهذا الحديث يرويه " أبو سعيد الخدري " و " معاذ بن عفراء " رضوان الله عليهم وجماعة ولكن يجوز أداء الفريضة في هذين الوقتين وكذلك الصلاة على الجنازة وسجدة التلاوة وإنما النهى عن التطوعات خاصة ألا ترى أنه يؤدي فرض الوقت فيهما فكذلك سائر الفرائض .
فأما الصلوات التي لها سبب من العباد كركعتي الطواف وركعتي تحية المسجد لا تؤدى في هذين الوقتين عندنا .
خلافا " للشافعي " C تعالى واستدل " بقوله A إذا دخل أحدكم المسجد فليحيه بركعتين " و " رأى رسول الله A بعد ما صلى في مسجد الخيف رجلين لم يصليا معه فقال ما بالكما لم تصليا معنا فقالا إنا صلينا في رحالنا فقال إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما إمام قوم فصليا معهم " فقد جوز لهما الإقتداء بالإمام بعد الفجر تطوعا .
ولنا ما روي أن " عمر " رضى الله تعالى عنه طاف بالبيت سبعا بعد صلاة الفجر ثم خرج من " مكة " حتى إذا كان " بذي طوى " فطلعت الشمس صلى ركعتين فقال ركعتان مكان ركعتين فقد أخر ركعتي الطواف إلى ما بعد طلوع الشمس .
وتأويل الحديث الذي روى أنه كان قبل النهي عن الصلاة في هذا الوقت .
فكذلك المنذورة لا تؤدي في هذين الوقتين لأن وجوبها بسبب من العبد فهي كالتطوع وركعتي الطواف وكذلك بعد طلوع الفجر قبل أن يصلى الفجر لا يصلى تطوعا إلا ركعتي الفجر لأن النبي A لم يتطوع في هذا الوقت مع حرصه على الصلاة حتى كان " يقول وجعلت قرة عيني في الصلاة " .
فإن قيل لم يذكر في هذا الكتاب وقتا آخر وهو بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب والتطوع فيه مكروه أيضا .
قلنا نعم ولكن هذا النهي ليس لمعنى في الوقت بل لما فيه من تأخير المغرب كالنهي عن الصلاة عند الخطبة ليس لمعنى بل لما فيه من الإشتغال عن سماع الخطبة فلهذا لم يذكره هنا .
قال : وإذا نسي الفجر حتى زالت الشمس ثم ذكرها بدأ بها ولو بدأ بالظهر لم يجزه عندنا لأن الترتيب بين الفائتة وفرض الوقت مستحق عندنا وهو مستحب عند " الشافعي " C تعالى فإذا بدأ بالظهر جاز عنده لأن ما بعد زوال الشمس وقت للظهر بالآثار المشهورة وأداء الصلاة في وقتها يكون صحيحا كما إذا كان ناسيا للفائتة ثم الترتيب في أداء الصلوات في أوقاتها لضرورة الترتيب في أوقاتها وذلك لا يوجود في الفوائت لأنها صارت مرسلة عن الوقت ثابتة في الذمة فكان قياس قضاء الصوم مع الأداء . ولنا .
صفحة [ 154 ] " قوله A من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها " فقد جعل رسول الله A وقت التذكر وقتا للفائتة فمن ضرورتها أن لا يكون وقتا لغيرها وأداء الصلاة قبل وقتها لا يجوز بخلاف حالة النسيان فإنه ليس بوقت للفائتة فكان وقتا لفرض الوقت . ثم القضاء بصفة الأداء فكما يراعي الترتيب بين الفجر والظهر أداء في الوقت فكذلك قضاء بعد خروج الوقت والأصل فيه " حديث " ابن عمر " رضى الله تعالى عنهما قال A من نسى صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل معه وليجعلها تطوعا ثم ليقض ما ذكره ثم ليعد ما كان فيه " وبعين هذا نقول .
وفيه تنصيص على أن الترتيب شرط ثم يسقط الترتيب بثلاثة أشياء : .
أحدهما : النسيان لما " روى أن النبي A صلى المغرب يوما ثم قال هل رآني أحد منكم صليت العصر فقالوا لا فصلى العصر ولم يعد المغرب " .
والثاني : ضيق الوقت حتى إذا كان بحيث لو اشتغل بالفائتة خرج الوقت قبل أداء فرض الوقت فليس عليه مراعاة الترتيب لأنه ليس من الحكمة تدارك الفائتة بتفويت مثلها ولو اشتغل بالفائتة فإنه فرض الوقت ولكن هنا في هذا الفصل لو بدأ بالفائتة أجزأه بخلاف الأول فإن هناك هو مأمور بالبداءة بالفائتة ولو بدأ بفرض الوقت لم يجزه لأن النهى عن البداءة بفرض الوقت هناك لمعنى في عينها ألا ترى أنه ينهى عن الاشتغال بالتطوع أيضا والنهي متى لم يكن لمعنى في عين المنهي عنه لا يمنع جوازه .
والثالث : كثرة الفوائت فإنه يسقط به الترتيب عندنا وحد الكثرة أن تصير الفوائت ستا لأن واحدة منها تصير مكررة وهذا يرجع إلى ضيق الوقت أيضا فلو أمرناه بمراعاة الترتيب مع كثرة الفوائت لفاته فرض الوقت عن وقته .
وعن " زفر " أنه تلزمه مراعاة الترتيب في صلاة شهر فكأنه جعل حد الكثرة بأن يزيد على شهر .
وكان " بشر المريسي " يقول : من ترك صلاة لم يجزه صلاة في عمره بعد ذلك ما لم يقضها إذا كان ذاكرا لها لأن كثرة الفوائت تكون عن كثرة تفريطة فلا يستحق به التخفيف ثم عند كثرة الفوائت كما لا تجب مراعاة الترتيب بينها وبين فرض الوقت لا يجب مراعاة الترتيب فيما بين الفوائت .
وعند قلة الفوائت يجب لما " روى أن النبي A شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن بعد هوى من الليل مرتبا ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلى " وروى " ابن سماعة " عن " محمد " C تعالى أن بدخول وقت السادسة لا تجب مراعاة الترتيب وجعل أول وقت السادسة كآخره وهذا لا يصح فبدخول وقت السادسة لا تدخل الفوائت .
صفحة [ 155 ] في حد التكرار وإنما تدخل الفوائت في حد التكرار بخروج وقت السادسة .
قال : وإن ذكر الوتر في الفجر فسد فرضه إذا كان الوقت واسعا في قول " أبي حنيفة " C تعالى .
وعندهما لا يفسد لأن الوتر أضعف من الفجر والضعيف لا يفسد القوي .
واستدل " " أبو حنيفة " C تعالى بقوله A من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا ذكره فإن ذلك وقته " فقد ذكر في الوتر ما ذكر في سائر المكتوبات فدل على وجوب الترتيب بين الوتر والمكتوبة ولا يبعد إفساد القوى بما هو أضعف منه لمراعاة الترتيب كالمصلى إذا قعد قدر التشهد ثم تذكر سجدة التلاوة فسجد لها تبطل القعدة والسجدة أضعف من القعد .
وفي الحقيقة هذه المسألة تنبنى على معرفة صفة الوتر فنقول لا خلاف بيننا أن الوتر أقوى من سائر السنن حتى أنها تقضى إذا انفردت بالفوات ألا ترى أن رسول الله A في ليلة التعريس بدأ بقضاء الوتر والذي روى لا وتر بعد الصبح المراد النهي عن تأخيرها لا نفي قضائها وكذلك تقضى بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فدل أنها أقوى من السنن وهي دون الفرائض حتى لا يكفر جاحدها ولا يؤذن لها ولا تصلى بالجماعة إلا في شهر رمضان .
واختلفوا وراء هذا فروى " حماد بن زيد " عن " أبي حنيفة " C تعالى أن الوتر فريضة .
وروى " يوسف بن خالد السمتي " عنه أنها واجبة وهو الظاهر من مذهبه .
وروى " أسد بن عمرو " عنه أنها سنة مؤكدة وهو قول " أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى وحجتهما " حديث الأعرابي أن رسول الله A علمه خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرهن فقال لا إلا أن تطوع " . " وروى أن رجلا من الأنصار يقال له أبو محمد قال الوتر فريضة فبلغ ذلك " " عبادة بن الصامت " فقال كذب أبو محمد سمعت رسول الله A يقول فرض الله على عباده في اليوم والليلة خمس صلوات وقال على الوتر سنة وليس بحتم " وفي القرآن إشارة إلى ما قلنا فإن الله تعالى قال : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " البقرة : 238 ولن تتحقق الوسطى إلا إذا كان عدد الواجبات خمسا .
و " أبو حنيفة " C تعالى استدل " بحديث " أبي بصرة الغفاري " رضى الله تعالى عنه أن رسول الله A قال إن الله تعالى زادكم صلاة ألا وهي الوتر فصل .
وها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر " فبهذا تبين أن وجوب الوتر كان بعد سائر المكتوبات لأنه قال زادكم وأضاف إلى الله تعالى لا إلى نفسه والسنن تضاف إلى رسول الله صلى الله .
صفحة [ 156 ] عليه وسلم وكذلك الزيادة إنما تتحقق في الواجبات لأنها محصورة بعدد النوافل فإنها لا نهاية لها .
( يتبع . . . )