أعلم أن الصلاة فرضت لأوقاتها قال الله تعالى : " أقم الصلاة لدلوك الشمس " الإسراء : 78 ولهذا تكرر وجوبها بتكرار الوقت وتؤدى في مواقيتها قال الله تعالى : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " النساء : 103 أي فرضا مؤقتا . و " قال A من حافظ على الصلوات الخمس في مواقيتها كان له عند الله عهدا يغفر له يوم القيامة وتلا قوله تعالى : { " إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " مريم : 87 " . وللمواقيت إشارة في كتاب الله تعالى : { " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون " الروم : 17 أي صلوا لله فقوله : { حين تمسون } المراد به العصر وعند بعضهم المغرب .
وحين تصبحون الفجر وعشيا العشاء وحين تظهرون الظهر .
وقال الله تعالى : " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر " الإسراء : 78 قال " ابن عباس " رضى الله عنه دلوك الشمس الزوال فالمراد به الظهر .
وقال " ابن مسعود " رضي الله تعالى عنه دلوكها غروبها والمراد المغرب إلى غسق الليل العشاء وقرآن الفجر صلاة الفجر .
وقال الله تعالى : { " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " البقرة : 238 وهو العصر وقال الله تعالى : { " أقم الصلاة طرفي النهار " هود : 14 وقال الحسن الفجر . { " وزلفا من الليل " } هود 14 قال " محمد بن كعب " رضى الله تعالى عنه المغرب والعشاء . ثم بدأ الباب ببيان وقت الفجر لأنه متفق عليه لم يختلفوا في أوله ولا في آخر .
قال : وقت صلاة الفجر من حين يطلع الفجر المعترض في الأفق إلى طلوع الشمس والفجر فجران كاذب تسميه العرب ذنب السرحان وهو البياض الذي يبدو في السماء طولا ويعقبه ظلام والفجر الصادق وهو البياض المنتشر في الأفق فبطلوع الفجر الكاذب لا يدخل وقت الصلاة ولا يحرم الأكل على الصائم ما لم يطلع الفجر الصادق لقوله A لا يغرنكم الفجر المستطيل ولكن كلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير يعني المنتشر في الأفق وقال الفجر هكذا ومد يده عرضا لا هكذا ومد يده طولا .
والأصل " حديث " ابن عباس " رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله A قال أمنى جبريل عليه السلام عند البيت فصلى بي الفجر في اليوم الأول حين طلع الفجر وفي اليوم الثاني حين أسفر جدا ثم قال ما بين هذين وقت لك ولأمتك وهو وقت الأنبياء قبلك " .
وفي " حديث " أبي هريرة " رضى الله عنه قال رسول الله A إن للصلاة أولا وآخرا وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وآخره حين تطلع الشمس " وفي " حديث .
صفحة [ 142 ] " أبى موسى " رضى الله عنه أن رجلا سأل رسول الله A عن مواقيت الصلاة فلم يجبه ولكنه صلى الفجر في اليوم الأول حين طلع الفجر وفي اليوم الثاني حين كادت الشمس تطلع ثم قال أين السائل عن الوقت الوقت بين هذين " .
والدليل على أن آخر الوقت حين تطلع الشمس " قوله A من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك " وفي " حديث " جرير بن عبدالله " رضى الله عنه قال قال A إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم تلا قوله تعالى : { " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " ق : 39 . " .
قال : ووقت الظهر من حين تزول الشمس إلى أن يكون ظل كل شيء مثله في قول " أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى .
وقال " أبو حنيفة " C تعالى : لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين .
ولا خلاف في أول وقت الظهر أنه يدخل بزوال الشمس إلا شيء نقل عن بعض الناس إذا صار الفيء بقدر الشراك " لحديث إمامة " جبريل " عليه السلام قال A صلى بي الظهر في اليوم الأول حين صار الفيء بقدر الشراك " .
ولكنا نستدل بقوله تعالى : " لدلوك الشمس " الإسراء : 78 أي لزوالها والمراد من الفيء مثل الشراك الفيء الأصلى الذي يكون للأشياء وقت الزوال وذلك يختلف باختلاف الأمكنة والأوقات فاتفق ذلك القدر في ذلك الوقت .
وقد قيل : لا بد أن يبقى لكل شيء فيء عند الزوال في كل موضع إلا بمكة والمدينة في أطول أيام السنة فلا يبقى بمكة ظل على الأرض وبالمدينة تأخذ الشمس الحيطان الأربعة وذلك الفيء الأصل غير معتبر في التقدير بالظل قامة أو قامتين بالاتفاق .
وأصح ما قيل في معرفة الزوال قول " محمد بن شجاع " رضى الله عنه : أنه يغرز خشبة في مكان مستو ويجعل على مبلغ الظل منه علامة فما دام الظل ينقص من الخط فهو قبل الزوال وإذا وقف لا يزداد ولا ينتقص فهو ساعة الزوال وإذا أخذ في الزيادة فقد علم أن الشمس قد زالت .
وعند .
الشافعي " C يجوز وإذا اقتدى مصلي الظهر بمصلي الجمعة أو مصلي الظهر بالمصلي على الجنازة فله فيه وجهان .
وعند " الشافعي " C يجوز وإذا اقتدى مصلي الظهر بمصلي الجمعة أو مصلي الظهر بالمصلي على الجنازة فله فيه وجهان .
وهذا الخلاف ينبنى على أصل نذكره بعد هذا هو : أن المشاركة بين الإمام والمقتدي لا تقوى عنده حتى إذا تبين أن الإمام محدث فصلاة المقتدي عنده صحيحة .
وعند " الشافعي " C يجوز وإذا اقتدى مصلي الظهر بمصلي الجمعة أو مصلي الظهر بالمصلي على الجنازة فله فيه وجهان . " .
واختلفوا في آخر وقت الظهر .
فعندهما : إذا صار ظل كل شيء مثله خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر وهو رواية " محمد " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى وإن لم يذكره في الكتاب نصا في خروج وقت الظهر .
وروى " أبو يوسف " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى أنه لا يخرج وقت الظهر حتى يصير الظل قامتين .
صفحة [ 143 ] وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله أنه إذا صار الظل قامة يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وبينهما وقت مهمل وهو الذي تسميه الناس بين الصلاتين كما أن بين الفجر والظهر وقتا مهملا .
واستدل بحديث إمامة " جبريل " صلوات الله وسلامه عليه فإنه قال : صلى بي العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله وصلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله أو قال حين صلى العصر بالأمس وهكذا في حديث " أبي هريرة " و " أبي موسى " رضى الله عنهما في بيان المواقيت قولا وفعلا .
و " " أبو حنيفة " C تعالى استدل ب " الحديث المعروف قال رسول الله A إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيرا فقال من يعمل لي من الفجر إلى الظهر بقيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من الظهر إلى العصر بقيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى المغرب بقيراطين فعملتم أنتم فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل أجرا قال الله تعالى فهل نقصت من حقكم شيئا قالوا لا قال فهذا فضلى أوتيه من أشاء " بين أن المسلمين أقل عملا من النصارى فدل أن وقت العصر أقل من وقت الظهر وإنما يكون ذلك إذا امتد وقت الظهر إلى أن يبلغ الظل قامتين و " قال A أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم " وأشد ما يكون من الحر في ديارهم إذا صار ظل كل شيء مثله ولأنا عرفنا دخول وقت الظهر بيقين ووقع الشك في خروجه إذا صار الظل قامة لاختلاف الآثار واليقين لا يزال بالشك .
والأوقات ما استقرت على حديث إمامة " جبريل " عليه السلام ففيه أنه صلى الفجر في اليوم الثاني حين أسفر والوقت يبقى بعده إلى طلوع الشمس وفيه أيضا أنه صلى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل والوقت يبقى بعده .
وقال " مالك " C تعالى : إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر فإذا مضى بقدر ما يصلى فيه أربع ركعات دخل وقت العصر فكان الوقت مشتركا بين الظهر والعصر إلى أن يصير الظل قامتين لظاهر حديث إمامة " جبريل " عليه السلام فإنه ذكر أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى العصر في اليوم الأول .
وهذا فاسد عندنا " فإن النبي A قال لا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت صلاة أخرى " .
وتأويل حديث امامة جبريل صلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله أي قرب منه وصلى بي العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله أي تم وزاد عليه وهو نظير قوله تعالى : " فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن " الطلاق : 2 أي قارب بلوغ أجلهن وقال تعالى : { " فبلغن أجلهن فلا .
صفحة [ 144 ] تعضلوهن " البقرة : 232 أي تم انقضاء عدتهن وحكى " أبو عصمة " عن " أبي سليمان " عن " أبي يوسف " رحمهم الله تعالى قال : خالفت " أبا حنيفة " C تعالى في وقت العصر فقلت أوله إذا زاد الظل على قامة اعتمادا على الآثار التى جاءت به وهو إشارة إلى ما قلنا .
فأما آخر وقت العصر غروب الشمس عندنا .
وقال " الحسن بن زياد " رضى الله تعالى عنه تغير الشمس إلى الصفرة وهو قول " الشافعي " C تعالى لحديث إمامة جبريل عليه السلام وصلى بي العصر في اليوم الثاني حين كادت الشمس تتغير .
ولنا " قوله A من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك " أي أدرك الوقت ولكن يكره تأخير العصر إلى أن تتغير الشمس " لقول رسول الله A تلك صلاة المنافقين يقعد أحدهم حتى إذا كانت الشمس بين قرني الشيطان قام ينقر أربعا لا يذكر الله تعالى فيها إلا قليلا " وقال " ابن مسعود " رضى الله تعالى عنه ما أحب أن يكون لي صلاة حين ما تحمار الشمس بفلسين .
واختلفوا في تغير الشمس أن العبرة للضوء أم للقرص ؟ فكان النخعي يعتبر تغير الضوء .
والشعبي يقول العبرة لتغير القرص وبهذا أخذنا لأن تغير الضوء يحصل بعد الزوال فإذا صار القرص بحيث لا تحار فيه العين فقد تغيرت .
قال : ووقت المغرب من حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق عندنا وقال " الشافعي " C تعالى ليس للمغرب إلا وقت واحد مقدر بفعله فإذا مضى بعد غروب الشمس مقدار ما يصلى فيه ثلاث ركعات خرج وقت المغرب لحديث إمامة " جبريل " عليه السلام فإنه صلى المغرب في اليومين في وقت واحد .
ولنا " حديث " أبي هريرة " رضى الله تعالى عنه قال رسول الله A إن أول وقت المغرب حين تغيب الشمس وآخره حين يغيب الشفق " .
وتأويل حديث إمامة " جبريل " عليه السلام أنه أراد بيان وقت استحباب الأداء وبه نقول أنه يكره تأخير المغرب بعد غروب الشمس إلا بقدر ما يستبرئ فيه الغروب رواه الحسن عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى " لقوله A لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء " وأخر " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهما أداء المغرب يوما حتى بدا نجم فأعتق رقبة و " عمر " رضى الله تعالى عنه رأى نجمين طالعين قبل أدائه فأعتق رقبتين .
فهذا بيان كراهية التأخير .
فأما وقت الإدراك يمتد إلى غيبوبة الشفق والشفق البياض الذي بعد الحمرة في قول " أبي حنيفة " C تعالى وهو قول " أبي بكر " و " عائشة " رضى الله تعالى عنهما وإحدى الروايتين عن " ابن عباس " رضى الله .
صفحة [ 145 ] تعالى عنهما .
وفي قول " أبي يوسف " و " محمد " و " الشافعي " رحمهم الله تعالى الحمرة التي قبل البياض وهو قول " عمر " و " علي " و " ابن مسعود " رضى الله تعالى عنهم واحدي الروايتين عن " ابن عباس " رضى الله تعالى عنهما وهكذا روى " أسد بن عمرو " عن " أبي حنيفة " C تعالى .
ووجه هذا : أن الطوالع ثلاثة والغوارب ثلاثة ثم المعتبر لدخول الوقت الوسط من الطوالع وهو الفجر الثاني فكذلك في الغوارب المعتبر لدخول الوقت الوسط وهو الحمرة فبذهابها يدخل وقت العشاء وهذا لأن في اعتبار البياض معنى الحرج فإنه لا يذهب إلا قريبا من ثلث الليل .
وقال ا " لخليل بن أحمد " : راعيت البياض بمكة فما ذهب إلا بعد نصف الليل .
وقيل : لا يذهب البياض في ليالي الصيف أصلا بل يتفرق في الأفق ثم يجتمع عند الصبح فلدفع الحرج جعلنا الشفق الحمرة .
و " أبو حنيفة " C تعالى قال الحمرة أثر الشمس والبياض أثر النهار فما لم يذهب كل ذلك لا يصير إلى الليل مطلقا وصلاة العشاء صلاة الليل كيف وقد جاء في الحديث وقت العشاء إذا ملأ الظلام الظراب وفي رواية إذا ادلهم الليل أي استوى الأفق في الظلام وذلك لا يكون إلا بعد ذهاب البياض فبذهابه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء .
فأما آخر وقت العشاء فقد قال في الكتاب إلى نصف الليل والمراد بيان وقت إباحة التأخير فأما وقت الإدراك فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني حتى إذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي قبل طلوع الفجر فعليه صلاة العشاء وهذا عندنا .
وقال " الشافعي " C تعالى آخر وقت العشاء حين يذهب ثلث الليل لحديث إمامة " جبريل " E وصلى بي العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل .
ولنا " حديث " أبي هريرة " رضى الله عنه قال قال رسول الله A وآخر وقت العشاء حين يطلع الفجر وصلاة العشاء صلاة الليل فيبقى وقتها ما بقي الليل " و " قوله A لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى " دليل لنا أيضا أن ثبت هذا اللفظ ولكنه شاذ والمشهور اللفظ الذي روينا .
قال : والتنوير بصلاة الفجر أفضل من التغليس بها عندنا وقال " الشافعي " التغليس بها أفضل .
وذكر " الطحاوي " إن كان من عزمه تطويل القراءة فالأفضل أن يبدأ بالتغليس ويختم بالإسفار وإن لم يكن من عزمة تطويل القراءة فالإسفار أفضل من التغليس .
واستدل " الشافعي " " بحديث " عائشة " رضى الله عنها قالت : كن النساء ينصرفن من الصلاة مع رسول الله A وهن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من شدة الغلس " و " قال " أنس " رضى .
( يتبع . . . )