( تابع . . . 1 ) : الأذان في اللغة : الإعلام ومنه قوله تعالى : " وأذان من الله ورسوله " .
قال : وإن اقتصر المسافر بالإقامة أجزأه لأن السفر عذر مسقط لشرط الصلاة فلأن يكون مسقطا لأحد الأذانين أولى ولأن الأذان لإعلام الناس حتى يجتمعوا وهم في السفر مجتمعون والإقامة لإقامة الصلاة وهم إليها محتاجون فيؤتى بها في السفر ويكره تركه لهذا .
صفحة [ 133 ] والأولى أن يؤتى بهما لما " روى أن النبي A قال " لمالك بن الحويرث " وابن عم له إن سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكثركما قرآنا " .
و " قال A من أذن في أرض قفر وأقام صلى بصلاته ما بين الخافقين من الملائكة ومن صلى بغير أذان وإقامة لم يصل معه إلا ملكاه " .
قال : وليس على النساء أذان ولا إقامة لأنهما سنة الصلاة بالجماعة وجماعتهن منسوخة لما في اجتماعهن من الفتنة وكذلك إن صلين بالجماعة صلين بغير أذان ولا إقامة لحديث رابطة قالت كنا جماعة من النساء عند " عائشة " رضى الله عنها فأمتنا وقامت وسطنا وصلت بغير أذان ولا إقامة ولأن المؤذن يشهر نفسه بالصعود إلى أعلى المواضع ويرفع صوته بالأذان والمرأة ممنوعة من ذلك لخوف الفتنة فإن صلين بأذان وإقامة جازت صلاتهن مع الإساءة لمخالفة السنة والتعرض للفتنة .
قال : وإن صلى أهل المصر بجماعة بغير أذان ولا إقامة فقد أساءوا لترك سنة مشهورة وجازت صلاتهم لأداء أركانها والأذان والإقامة سنة ولكنهما من أعلام الدين فتركهما ضلالة هكذا قال مكحول السنة سنتان : سنة أخذها هدى وتركها لا بأس به وسنة أخذها هدى وتركها ضلالة كالأذان والإقامة وصلاة العيدين وعلى هذا قال " محمد " C تعالى إذا أصر أهل المصر على ترك الأذان والإقامة أمروا بهما فإن أبو قوتلوا على ذلك بالسلاح كما يقاتلون عند الإصرار على ترك الفرائض والواجبات .
وقال " أبو يوسف " C تعالى المقاتلة بالسلاح عند ترك الفرائض والواجبات فأما في السنن فيؤدبون على تركها ولا يقاتلون على ذلك ليظهر الفرق بين الواجب وغير الواجب .
و " محمد " C تعالى يقول : ما كان من أعلام الدين فالإصرار على تركه استخفاف بالدين فيقاتلون على ذلك لهذا .
قال : فإن صلى رجل في بيته فاكتفى بأذان الناس واقامتهم أجزأه لما روي أن " ابن مسعود " رضي الله تعالى عنه صلى " بعلقمة " و " الأسود " في بيت فقيل له ألا تؤذن فقال أذان الحي يكفينا وهذا بخلاف المسافر فإنه يكره له تركهما وإن كان وحده لأن المكان الذي هو فيه لم يؤذن فيه لتلك الصلاة فأما هذا الموضع الذي فيه المقيم فقد أذن وأقيم فيه لهذه الصلاة فله أن يتركهما .
قال : وإن أذن وأقام فهو حسن لأن المنفرد مندوب إلى أن يؤدي الصلاة على هيئة الصلاة بالجماعة ولهذا كان الأفضل أن يجهر بالقراءة في صلاة الجهر وكذلك إن أقام ولم يؤذن فهو حسن لأن الأذان لإعلام الناس حتى يجتمعوا وذلك موجود هنا والإقامة لإقامة الصلاة وهو يقيمها .
ثم يختلفون في الأذان في ثلاثة مواضع : .
صفحة [ 134 ] قال : وليس لغير الصلوات الخمس والجمعة أذان ولا إقامة أما لصلاة العيد " فلحديث " جابر بن سمرة " رضى الله تعالى عنه قال A صلى في العيدين بغير أذان ولا إقامة " وكذلك توارثه الناس إلى يومنا هذا .
وأما في صلاة الوتر فلأنها لا تؤدى بالجماعة إلا في التراويح في ليالي رمضان وعند أدائها هم مجتمعون وأما في السنن والنوافل فلأنها لا تؤدى بالجماعة إلا التروايح في ليالي رمضان وهي تبع لصلاة العشاء وقد أذن وأقيم لها وهم مجتمعون عند أدائها .
فأما الجمعة يؤذن لها ويقام لأنها فرض مكتوب والأذان له منصوص في القرآن قال الله تعالى : " إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة " الجمعة : 9 . واختلفوا في الأذان المعتبر الذي يحرم عنده البيع ويجب السعى إلى الجمعة .
فكان " الطحاوى " يقول هو الأذان عند المنبر بعد خروج الإمام فإنه هو الأصل الذي كان للجمعة على عهد رسول الله A لما روى عن " السائب بن يزيد " قال : كان الأذان للجمعة على عهد رسول الله A حين يخرج فيستوي على المنبر وهكذا في عهد " أبي بكر " و " عمر " رضى الله تعالى عنهما ثم أحدث الناس الأذان على " الزوراء " في عهد " عثمان " فكان " الحسن بن زيادة " يقول : المعتبر هو الأذان على المنارة لأنه لو انتظر الأذان عند المنبر يفوته أداء السنة وسماع الخطبة وربما تفوته الجمعة إذا كان بيته بعيدا عن الجامع والأصح أن كل أذان يكون قبل زوال الشمس فذلك غير معتبر والمعتبر أول الأذان بعد زوال الشمس سواء كان على المنبر أو على " الزوراء . " .
قال : ولا يتكلم المؤذن في أذانه وإقامته لأنه ذكر معظم كالخطبة فيكره التكلم في خلاله لما فيه من ترك الحرمة وروى " المعلى " عن " أبي يوسف " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى أنه يكره رد السلام في خلال الأذان .
وكان " الثورى " C تعالى يقول : لا بأس برد السلام لأنها فريضة .
ولكنا نقول يحتمل التأخير إلى أن يفرغ من أذانه .
قال : وإن أذن قبل دخول الوقت لم يجزه ويعيده في الوقت لأن المقصود من الأذان إعلام الناس بدخول الوقت فقبل الوقت يكون تجهيلا لا إعلاما ولأن المؤذن مؤتمن " قال A الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين " وفي الأذان قبل الوقت إظهار الخيانة فيما ائتمن فيه ولو جاز الأذان قبل الوقت لأذن عند الصبح خمس مرات لخمس صلوات وذلك لا يجوزه أحد .
ولا خلاف فيه إلا في صلاة الفجر فقد قال " أبو يوسف " C تعالى آخرا لا بأس بأن يؤذن للفجر في النصف الآخر من الليل وهو قول " الشافعي " رضى الله عنه واستدلا .
صفحة [ 135 ] بتوارث أهل الحرمين ولما روي أن بلالا كا يؤذن على عهد رسول الله A بالليل فدل أنه لا بأس به ولأن وقت الفجر مشتبه وفي مراعاته بعض الحرج .
ولكن " أبو حنيفة " و " محمد " رحمهما الله قاسا الأذان للفجر بالأذان لسائر الصلوات بالمعنى الذي بينا وفي الأذان للفجر قبل الوقت إضرار بالناس لأنه وقت نومهم فيلتبس عليهم وذلك مكروه وقد روى أن " الحسن البصرى " C تعالى كان إذا سمع من يؤذن قبل طلوع الفجر قال علوج فراح لا يصلون إلا في الوقت لو أدركهم " عمر " لأدبهم فأما أذان بلال فقد أنكر عليه رسول الله A الأذان بالليل وأمره أن ينادى على نفسه إلا أن العبد قد نام فكان يبكي ويطوف حول المدينة ويقول ليت " بلالا " لم تلده أمه وابتل من نضح دم جبينه وإنما قال ذلك لكثرة معاتبة رسول الله A إياه .
وقيل : إن أذان " بلال " ما كان لصلاة الفجر ولكن كان لينام القائم ويقوم النائم فقد كانت الصحابة فرقتين فرقة يتهجدون في النصف الأول من الليل وفرقة في النصف الآخر وكان الفاصل أذان " بلال " . وإنما كان صلاة الفجر بأذان " ابن أم مكتوم " كما " قال A لا يغرنكم أذان " بلال فإنه يؤذن ليرجع قائمكم ويتسحر صائمكم ويقوم نائمكم فكلوا واشربوا حتى يؤذن " " ابن أم مكتوم " وكان هو أعمى لا يؤذن حتى يسمع الناس يقولون أصبحت أصبحت .
قال : وإذا دخل القوم مسجدا قد صلى فيه أهله كرهت لهم أن يصلوا جماعة بأذان وإقامة ولكنهم يصلون وحدانا بغير أذان ولا إقامة لحديث " الحسن " قال كانت الصحابة إذا فاتتهم الجماعة فمنهم من اتبع الجماعات ومنهم من صلى في مسجده بغير أذان ولا إقامة وفي " " الحديث أن النبي A خرج ليصلح بين الانصار فاستخلف " عبدالرحمن بن عوف " فرجع بعد ما صلى فدخل رسول الله A بيته وجمع أهله فصلى بهم بأذان وإقامة " فلو كان يجوز إعادة الجماعة في المسجد لما ترك الصلاة في المسجد والصلاة فيه أفضل وهذا عندنا .
وقال " مالك " C تعالى يفرد وقد قامت الصلاة أيضا ويروى فيه حديثا عن " سعد القرظي " ولكنه شاذ فيما تعم به .
وقال " الشافعي " رضى الله تعالى عنه لا بأس بتكرار الجماعة في مسجد واحد لأن جميع الناس في المسجد سواء وإنما بنى لإقامة الصلاة بالجماعة وهو قياس المساجد على قوارع الطرق فإنه لا بأس به بتكرار الجماعة فيها .
ولنا أنا أمرنا بتكثير الجماعة وفي تكرار الجماعة في مسجد واحد تقليلها لأن الناس إذا عرفوا أنهم تفوتهم الجماعة يعجلون للحضور فتكثر الجماعة وإذا علموا أنه لا تفوتهم يؤخرون فيؤدى إلى تقليل الجماعات وبهذا فارق المسجد الذي على قارعة .
صفحة [ 136 ] الطريق لأنه ليس له قوم معلومون فكل من حضر يصلى فيه فإعادة الجماعة فيه مرة بعد مرة لا تؤدي إلى تقليل الجماعات ثم في مسجد المحال إن صلى غير أهلها بالجماعة فلأهلها حق الإعادة لأن الحق في مسجد المحلة لأهلها ألا ترى أن التدبير في نصب الإمام والمؤذن إليهم فليس لغيرهم أن يفوت عليهم حقهم .
فأما إذا صلى فيه أهلها أو أكثر أهلها فليس لغيرهم حق الإعادة إلا في رواية عن " أبي يوسف " C تعالى قال : إن وقف ثلاثة أو أربعة ممن فاتتهم الجماعة في زاوية غير الموضع المعهود للإمام فصلوا بأذان وإقامة فلا بأس به وهو حسن لما " روى أن النبي A صلى بأصحابه فدخل أعرابي وقام يصلي فقال A ألا أحد يتصدق على هذا يقوم فيصلى معه فقام " أبو بكر " رضى الله عنه وصلى معه " .
قال : ومن فاتته صلاة عن وقتها فقضاها في وقت آخر أذن لها وأقام واحدا كان أو جماعة " لأن النبي A في ليلة التعريس بعد ما انتبه مع أصحابه بعد طلوع الشمس فقضى الفجر بأذان وإقامة أمر " بلالا " بهما " .
وشغل رسول الله A عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن بعد هوي من الليل قال " ابن مسعود " رضى الله تعالى عنه أمر " بلالا " فأذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها وقال " جابر " رضي الله تعالى عنه أمره فأذن وأقام لكل صلاة وقال " أبو سعيد الخدري " رضى الله تعالى عنه أمره بالإقامة لكل صلاة .
قال : وإن اكتفوا بالإقامة جاز لأن الأذان لإعلام الناس حتى يجتمعوا وذلك معدوم في القضاء والإقامة لإقامة الصلاة وإن إذن وأقام فهو حسن ليكون القضاء على سنن الأداء .
قال : ولا يجوز لمن فاته ظهر أمسه أن يقتدى بمن يصلي ظهر يوم غير ذلك وها هنا مسائل : .
أحداهما : اقتداء المتنفل بالمفترض فهو جائز بالإتفاق " لقوله A سيكون أمراء بعدي يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فإذا فعلوا فصلوا أنتم في بيوتكم ثم صلوا معهم واجعلوا صلاتكم معهم سبحة " أي نافلة ولأن المقتدي بنى صلاته على صلاة إمامه كما أن المنفرد يبنى آخر صلاته على أول صلاته وبناء النفل على تحريمة انعقدت للفرض يجوز وكذلك اقتداء المتنفل بالمفترض .
فأما المفترض إذا اقتدى بالمتنفل عندنا فلا يصح الإقتداء .
وقال " الشافعي " رضى الله تعالى عنه يصح لحديث " معاذ " رضي الله تعالى عنه أنه كان يصلى مع رسول الله A ثم يأتى قومه فيصلي بهم ولأن المشاركة بين الإمام والمقتدي في التحريمة والنفل والفرض يستدعي كل واحد منهما تحريمة مطلقة .
صفحة [ 137 ] فكما يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض فكذلك المفترض بالمتنفل .
ولنا " قوله A الإمام ضامن " معناه تتضمن صلاته صلاة القوم وتضمين الشيء فيما هو فوقه يجوز وفيهما هو دونه لا يجوز وهو المعنى في الفرق فإن الفرض يشتمل على أصل الصلاة والصفة والنفل يشتمل على أصل الصلاة فإذا كان الإمام مفترضا فصلاته تشتمل على صلاة المقتدي وزيادة فصح اقتداؤه به وإذا كان الإمام متنفلا فصلاته لا تشتمل على ما تشتمل عليه صلاة المقتدي فلا يصح اقتداؤه به لأنه بنى القوي على أساس ضعيف .
وحديث .
معاذ " تأويله كان يصلى مع رسول الله A بنية النفل ليتعلم منه سنة القراءة ثم يأتي قومه فيصلي بهم الفرض " .
وهذا على أن تغاير الفرضين عندنا يمنع صحة الإقتداء حتى إذا اقتدى مصلي الظهر بمصلي العصر أو مصلي عصر يومه بمصلي عصر أمسه لم يجز الإقتداء .
وعند " الشافعي " C يجوز وإذا اقتدى مصلي الظهر بمصلي الجمعة أو مصلي الظهر بالمصلي على الجنازة فله فيه وجهان .
وهذا الخلاف ينبنى على أصل نذكره بعد هذا هو : أن المشاركة بين الإمام والمقتدي لا تقوى عنده حتى إذا تبين أن الإمام محدث فصلاة المقتدي عنده صحيحة .
وعندنا المشاركة تقوى بينهما فتغاير الفرضين يمنع صحة المشاركة ثم المذكور في هذا الباب أنه يصير شارعا في التطوع مقتديا بالإمام حتى لو ضحك قهقهة يلزمه الوضوء لأن الإقتداء في أصل الصلاة صحيح إنما لا يصح في الجهة وفي باب الحدث قال لا يصير شارعا حتى لو قهقه لا يلزمه الوضوء وما ذكر هنا قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى بناء على أصلهما أن أصل الصلاة ينفصل عن الجهة ابتداء وبقاء وما ذكر بعد هذا قول " محمد " C تعالى بناء على مذهبه أن الجهة متى فسدت صار خارجا من الصلاة وعليه نص في زيادات الزيادات .
قال : ويجوز أذان العبد والأعمى وولد الزنا والأعرابي لأن المقصود وهو الإعلام حاصل وغيرهم أولى .
أما العبد فلأنه مشغول بخدمة المولى لا يتفرغ لمحافظة المواقيت وروى أن وفدا جاؤوا إلى " عمر بن الخطاب " رضي الله تعالى عنه فقال من يؤذن لكم فقالوا عبيدنا قال إن هذا لنقص بكم .
وأما الأعمى فهو محتاج إلى الرجوع إلى غيره في معرفة المواقيت وكان " لإبراهيم النخعي " C تعالى مؤذن أعمى يقال له معبد فقال له لا تكن آخر من يقيم ولا أولهم .
وأما ولد الزنا والأعرابي فالغالب عليهم الجهل وقد بينا أن الأذان ذكر معظم فيختار له من يكون محترما في الناس متبركا به ولهذا قال : أحب إلي أن يكون .
صفحة [ 138 ] المؤذن عالما بالسنة وفيه " حديث أن النبي A قال : يؤمكم قراؤكم ويؤذن لكم خياركم " .
( يتبع . . . )