( تابع . . . 2 ) : الأذان في اللغة : الإعلام ومنه قوله تعالى : " وأذان من الله ورسوله " .
قال : وإن أذن للقوم غلام مراهق أجزأهم لحصول المقصود بأذانه وهو الإعلام والبالغ أولى لأنه أقرب إلى مراعاة الحرمة ولأن الصبي غير مخاطب بالصلاة والأذان للمكتوبات خاصة فالأولى أن يؤذن من هو مخاطب بالمكتوبات .
قال : وإن أذنت لهم امرأة جاز لحصول المقصود وهو مكروه لأن أذان النساء من المحدثات لم يكن في السلف وكل محدثة بدعة ولأن في صوتها فتنة وهي منهية عن الخروج إلى الجماعات والأذان لإقامة الصلاة بالجماعة .
قال : ويؤذن المؤذن حيث يكون أسمع للجيران لأن المقصود اعلامهم ويرفع صوته لأن الإعلام لا يحصل إلا به وفي الحديث يشهد للمؤذن من سمع صوته أو يستغفر للمؤذن مدى صوته .
قال : ولا يجهد نفسه فربما يضره ذلك ورأى " عمر " رضي الله تعالى عنه مؤذن بيت المقدس يجهد نفسه فقال أما تخشى أن ينقطع مريطاؤك والمريطاء عرق مستبطن بالصلب فإذا انقطع لم يكن معه حياة .
قال : ولا أكره له أن يتطوع في صومعته لما روي أن " بلالا " رضى الله تعالى عنه كان ربما تطوع في صومعته ولأنه بمنزلة السطح فلا بأس بالصلاة عليه .
قال : وأحب إلي أن يجزم قوله الله أكبر وقد بينا هذا في تكبيرة الإفتتاح .
قال : والتلحين في الأذان مكروه لما روى أن رجلا جاء إلى " عمر " رضى الله تعالى عنه فقال إني أحبك في الله فقال إني أبغضك في الله فقال لم ؟ قال لأنه بلغني أنك تغنى في أذانك يعني التلحين وأما التفخيم فلا بأس به لأنه إحدى اللغتين .
قال : وإن افتتح الأذان فظن أنها الإقامة فأقام في آخرها بأن قال قد قامت الصلاة ثم علم فإنه يتم الأذان ثم يقيم وإن كان في الإقامة فظن أنها الأذان فصنع فيها ما صنع في الأذان أعادها من أولها لأن هنا وقع التعيين في جميعها وفي الأول في آخرها وحقيقة المعنى في الفرق أن المقصود من الأذان إعلام الناس ليحضروا وبالإقامة في آخرها لا يفوت هذا المقصود بل يزداد لأن الناس يعجلون على ظن أنها الإقامة فلهذا لا يعيدها وعند الإقامة إقامة الصلاة والتعجيل وللإدراك فإذا صنع في الإقامة ما يصنع في الأذان يفوت هذا المقصود لأن الناس يظنون أنه الأذان فينتظرون الإقامة فلهذا يعيد الإقامة من أولها .
قال : فإن غشى عليه ساعة في الأذان أو الإقامة ثم أفاق فأحب إلي أن يبتدئها من أولها ألا ترى أنه لو غشى عليه في الصلاة لم يبن على صلاته فكذلك فيما هو من .
صفحة [ 139 ] أسباب الصلاة .
قال : وإن رعف فيها أو أحدث فذهب وتوضأ ثم جاء فأحب إلي أن يبتدئها من أولها لأن بذهابه انقطع النظم فربما يشتبه على الناس أنه كان يؤذن أو يتعلم كلمات الأذان والأولى له إذا أحدث في أذانه أو إقامته أن يتمها ثم يذهب فيتوضأ ويصلى لأن ابتداء الأذان أو الإقامة مع الحدث يجوز فإتمامه أولى .
قال : وإذ قدم المؤذن في أذانه أو إقامته بعض الكلمات على بعض فالأصل فيه أن ما سبق أداؤه يعتد به حتى لا يعيده في أذانه وما يقع مكررا لا يعتد به فكأنه لم يكرر .
قال : وإذا وقع في إقامته فمات أو أغمى عليه فأحب إلي أن يبتدئ الإقامة غيره من أولها لأن عمله قد انقطع بالموت ولا بناء على المنقطع .
قال : مؤذن أذن ثم ارتد فإن اعتدوا بأذانه وأمروا من يقيم ويصلى بهم أجزأهم لأن المقصود وهو الإعلام قد حصل بأذانه وبطلان ثواب عمله بالردة في حقه لا يبطله في حق غيره كما لو ارتد الإمام بعد فراغه من الصلاة تبطل صلاته ولا تبطل في حق القوم .
قال : ويقعد المؤذن بين الأذان والإقامة في جميع الصلوات إلا في المغرب في قول " أبي حنيفة " C تعالى أما في سائر الصلوات فيكره له أن يصل الإقامة بالأذان ولا يقعد بينهما لما " روى أن النبي A قال " لبلال " اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله " والأولى به في الصلاة التي قبلها تطوع مسنون أو مستحب أن يتطوع بين الأذان والإقامة جاء في تأويل قوله تعالى : " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا " فصلت : 33 أنه المؤذن يدعو الناس بأذانه ويتطوع بعده قبل الإقامة فأما في صلاة المغرب فيكره له وصل الإقامة بالأذان كما في غيرها .
والأفضل عند أبي حنيفة C تعالى أن يفصل بينهما بسكتة : .
وذكر " الحسن " C تعالى عنه بقدر ما يقرأ ثلاث آيات .
وقال " أبو يوسف " و' محمد " رحمهما الله تعالى : الأفضل أن يفصل بينهما بجلسة مقدار جلسة الخطيب بين الخطبتين لحديث " ابن عمر " رضى الله تعالى عنهما أنه كان يفصل بين أذان المغرب والإقامة بجلسة ولأن السكتة تشبه السكتات بين كلمات الأذان فلا يتحقق بها الفصل فالجلسة للفصل أولى .
و " أبو حنيفة " C تعالى قال أمرنا بتعجيل المغرب " قال A لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب " .
وقال : بادروا بالمغرب قبل اشتباك النجوم ولا تتشبهوا باليهود فإنهم يصلون والنجوم مشتبكة والفصل بالسكتة أقرب إلى تعجيل المغرب .
وحديث " ابن عمر " رضى الله تعالى عنهما محمول على حالة العذر لكبر أو مرض وبه .
صفحة [ 140 ] نقول .
قال : ويكره أن يؤذن في مسجدين ويصلى في أحدهما لأنه بعد ما صلى يكون متنفلا بالأذان في المسجد الثاني والتنفل بالأذان غير مشروع ولأن الأذان مختص بالمكتوبات فإنما يؤذن ويقيم من يصلى المكتوبة على أثرهما وهو في المسجد الثاني يصلى النافلة على أثرهما .
قال : ويكره للإمام والمؤذن طلب الأجر على ذلك من القوم لأنهما يعملان لأنفسهما فكيف يشترطان الأجر على غيرهما ثم هما خليفتان للرسول في الدعاء والإمامة وقال الله تعالى : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " الشورى : 23 فمن يكون خليفته ينبغي أن يكون مثله وقال " عثمان بن أبي العاص الثقفي " رضي الله تعالى عنه آخر ما عهد إلى رسول A أن صلى بالناس صلاة أضعفهم وإذا اتخذت مؤذنا فلا تأخذ على الأذان أجرا وقال رجل " لعمر " رضى الله تعالى عنه إني أحبك في الله فقال إنى أبغضك في الله قال ولم قال لأنه بلغنى أنك تأخذ على الأذان أجرا .
فإن عرف القوم حاجته فواسوه بشيء فما أحسن ذلك بعد أن لا يكون على شرط لأنه فرغ نفسه لحفظ المواقيت وإعلامه لهم فربما لايتفرغ للكسب فينبغي لهم أن يهدوا إليه بهدية فقد كان الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم يقبلون الهدية وعلى هذا قالوا الفقيه الذي يفتى في بلدة أو قرية لا يحل له أن يأخذ على الفتيا شيئا من شرط فإن عرفوا حاجته فأهدوا إليه فهو حسن لأنه محسن إليهم في تفريغ نفسه عن الكسب وحراسة أمر دينهم فينبغي أن يقابلوا إحسانه بالإحسان إليه .
قال : والذي يواظب على الصلوات كلها أولى بالأذان من غيره لأن صوته يصير معهودا للقوم فلا يقع الإشتباه وإن أذن السوقي في صلاة الليل وأذن في صلاة النهار غيره فذلك جائز أيضا .
لأن السوقي محتاج إلى الكسب فيلحقه الحرج بالرجوع إلى المحلة في وقت كل صلاة .
قال : وإذا أذن السكران أو المجنون فأحب إلي أن يعيدوا لأن معنى التعظيم لا يحصل بأذانهما وعامة كلام السكران والمجنون هذيان فلا يحصل به الإعلام فربما يشتبه على الناس فالأولى إعادة أذانهم .
قال : ولا يجوز لأهل المسجد أن يقتسموا المسجد وينصبوا وسطه حائطا لأن بقعة المسجد تحررت عن حقوق العبد فصار خالصا لله تعالى والقسمة من التصرفات في الملك فلا يشتغل بها في المسجد كالزراعة وغيرها فإن فعلوا ذلك فليصل كل فريق منهم بإمام ومؤذن على حدة ما لم ينتقضوا القسمة لأنهما في حكم مسجدين متجاورين فينبغي أن يكون لكل واحد منهما إمام ومؤذن على حدة والله أعلم