( تابع . . . 1 ) : قال - Bه - الأصل في حكم الإحصار قوله تعالى : { " وأتموا .
قال وكذلك المرأة تحرم بالحج وليس لها محرم ولا زوج يخرج معها فهي بمنزلة المحصر وهذا بناء على أن المرأة لا يجوز لها أن تخرج لسفر الحج إلا مع محرم أو زوج عندنا . وقال " الشافعي " - C تعالى - إذا وجدت رفقة نساء ثقات فلها أن تخرج وإن لم تجد محرما واحتج في ذلك " بأن النبي - A - فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة " فاشتراط المحرم يكون زيادة على النص ومثل هذه الزيادة تعدل عندكم النسخ ثم هذا سفر لإقامة الفرض فلا يشترط فيه المحرم كسفر الهجرة فإن التي أسلمت في دار الحرب لها أن تهاجر إلى دار الإسلام بغير محرم وهذا لأن شرائط إقامة الفرض ما يكون في وسع المرء عادة ولا ولاية لها على المحرم في إحرامه ولا يجب على المحرم الخروج معها وليس عليها أن تتزوج لأجل هذا الخروج بالاتفاق فعرفنا أن المحرم ليس بشرط إلا أن عليها أن تتحرز عن الفتنة وفي اختلاطها بالرجال فتنة وهي تستوحش بالوحدة فتخرج مع رفقة نسوة ثقات لتسأنس بهن ولا تحتاج إلى مخالطة الرجال وحجتنا في ذلك " حديث " ابن عباس " - Bه - أن النبي - A - قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر فوق ثلاثة أيام ولياليها إلا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها فقام رجل فقال إني أريد الخروج في غزوة كذا وإن امرأتي تريد الحج فماذا أصنع فقال - A - أخرج معها لا تفارقها " ففي هذا دليل على أنهم فهموا من السفر الذي ذكره سفر الحج حتى قال السائل ما قال وفي أمر رسول الله - A - الزوج بأن يترك الغزو ويخرج معها دليل على أنه ليس لها أن تخرج إلا مع زوج أو محرم والمعنى في ذلك أنها تنشئ سفرا عن اختيار فلا يحل لها ذلك إلا مع زوج أو محرم كسائر الأسفار بخلاف المهاجرة فإنها لا تنشئ سفرا ولكنها تقصد النجاة . ألا ترى أنه لو وصلت إلى جيش من المسلمين في دار الحرب حتى صارت آمنة لم يكن لها أن تسافر بعد ذلك من غير محرم ولأنها مضطرة هناك لخوفها على نفسها . ألا ترى أن العدة هناك لا تمنعها من الخروج وهنا لو كانت معتدة لم يكن لها أن تخرج للحج وتأثير فقد المحرم في المنع من السفر كتأثير العدة فإذا منعت من الخروج لسفر الحج بسبب العدة فكذلك بسبب فقد المحرم وهذا لأن المرأة عرضة للفتنة وباجتماع النساء تزداد الفتنة ولا ترتفع إنما ترتفع بحافظ يحفظها ولا يطمع فيها وذلك المحرم وتفسيره من لا يحل له نكاحها على التأييد بسبب قرابة أو رضاع أو مصاهرة . ألا ترى أنه يجوز له أن يخلو بها لأنه لا يطمع فيها إذا علم أنها محرمة عليه أبدا فكذلك يسافر بها .
قال ويستوي أن يكون المحرم حرا أو مملوكا مسلما أو كافرا لأن كل ذي دين يقوم بحفظ محارمه إلا أن يكون مجوسيا فحينئذ لا تخرج معه لأنه يعتقد إباحتها له فلا ينقطع طمعه عنها فلهذا لا تسافر معه ولا يخلو بها إذا عرفنا هذا فنقول إذا لم تجد المحرم وقد أحرمت بحجة الإسلام فهي ممنوعة من الخروج شرعا فصارت كالمحصر تبعث بالهدي فتتحلل به وإن كانت ذات زوج وأرادت أن تخرج لحجة الإسلام مع المحرم فليس للزوج أن يمنعها من الخروج عندنا وقال " الشافعي " [ - C تعالى - له أن يمنعها من الخروج لأنها صارت كالمملوكة له بعقد النكاح وثبت له حق الاستمتاع بها فهي بهذا الخروج تحول بين الزوج وبين حقه أو تلزمه مشقة السفر فكان له أن يمنعها من ذلك كما يمنعها من الخروج لزيارة الأقارب وكما يمنعها من الخروج لحجة التطوع لكنا نقول فرض الحج يتوجه عليها باستجماع الشرائط فكان ذلك مستثنى من حق الزوج وبسبب عقد النكاح لا يثبت عليها للزوج ولاية المنع من أداء الفرائض . ألا ترى أنه لا يمنعها من صيام شهر رمضان والمولى لا يمنع مملوكه من أداء الصلاة لأن ذلك مستثنى من حقه فهذا مثله بخلاف ما إذا لم تجد محرما فإن هناك الفرض لم يتوجه عليها لانعدام شرائطه حتى لو كانت لا تحتاج إلى سفر بأن كان بينها وبين مكة دون مسيرة ثلاثة أيام فليس للزوج أن يمنعها وإن لم تجد محرما لأن اشتراط المحرم للسفر لا لما دونه وأما حج التطوع فالخروج لأجله لم يصر مستثنى من حق الزوج لأن ذلك ليس بفرض عليها فإذا أحرمت بحجة التطوع كان للزوج أن يمنعها ويحللها إلا أن هنا لا يتأخر تحليله إياها إلى ذبح الهدي ولكن يحللها من ساعته وعليها هدي لتعجيل الإحلال وعمرة وحجة لصحة شروعها في الحج بخلاف حجة الإسلام لأن هناك لا تتحلل إلا بالهدي لأن هناك لا حق للزوج في منعها لو وجدت محرما وإنما تعذر عليها الخروج لفقد المحرم فلا تتحلل إلا بالهدي وهنا تعذر الخروج لحق الزوج وكما لا يكون لها أن تبطل حق الزوج لا يكون لها أن تؤخر حق الزوج فكان له أن يحللها من ساعته وتحليله لها أن ينهاها ويصنع بها أدنى ما يحرم عليها في الإحرام من قص ظفر ونحوه ولا يكون التحليل بالنهي ولا بقوله حللتك لأن عقد الإحرام قد صح فلا يصح الخروج إلا بارتكاب محظوره وذلك لا يحصل بقوله حللتك وهو نظير الصوم إذا صح الشروع فيه لا يصير خارجا إلا بارتكاب محظوره حتى أن الزوج لو نهاها عن صوم التطوع لا تصير خارجة عن الصوم بمجرد نهيه وكذلك المملوك يهل بغير إذن مولاه فللمولى أن يحلله لقيام حقه في خدمته ومنافعه والمملوك في هذا كالزوجة في حجة التطوع على ما بينا .
قال والمحصر بالحج إذا بعث بهديين حل بأولهما لأنه ما لزمه للتحلل إلا هدي واحد والأول منهما معين لأداء الفرض والثاني يكون تطوعا والإحلال لا يتوقف على هدي التطوع .
قال وإن حل المحصر قبل أن ينحر هديه فعليه دم لإحلاله لأنه حل قبل أوانه كما قال الله تعالى : { " ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله " } ويعود حراما كما كان حتى ينحر هديه لأن ذبح الهدي متعين للتحلل فلا يحل بغيره كطواف الزيارة لما كان متعينا للإحلال به في حق النساء لا يحصل الإحلال بغيره .
قال وإن كان المحصر معسرا لم يحل أبدا إلا بدم لأن الدم متعين لإحلاله بالنص كما أن طواف الزيارة متعين لإحلاله في حق النساء فكما لا يحصل الإحلال بغيره هناك فكذلك هذا وكان " عطاء " - C تعالى - يقول إذا عجز عن الهدي نظر إلى قيمة الهدي فجعل ذلك طعاما يطعم به المساكين كل مسكين نصف صاع أو يصوم مكان طعام كل مسكين يوما فيتحلل به بمنزلة الهدي في جزاء الصيد قال " أبو يوسف " - C تعالى - في الأمالي وهذا أحب إلي و " للشافعي " - C تعالى - فيه قولان أحدهما هكذا والثاني أنه إذا عجز عن الهدي صام مكانه عشرة أيام على قياس هدي المتعة لكنا نقول هذا كله قياس المنصوص على المنصوص ولا يجوز ذلك بل المرجع في كل موضع إلى ما وقع التنصيص عليه ولا يجوز العدول عنه إلى غيره .
قال وكل شيء صنعه المحصر قبل أن يحل فهو بمنزلة المحرم الذي ليس بمحصر وكذلك إن ذبح عن المحصر هديه في غير الحرم فإنه يبقى حراما على حاله حتى يبعث بهدي فيذبح عنه في الحرم وإن كان قد حل قبل ذلك فعليه دم لإحلاله سواء كان عالما به أو لم يكن عالما .
قال ويجزئه في هدي الإحصار الجذع العظيم من الضأن والثني من غيرها لما روي عن " ابن عباس " - Bه - قال ما استيسر من الهدي شاة وعن " جابر " - Bه - قال أشرك رسول الله - A - كل سبعة من الصحابة في بدنة عام الحديبية فتبين بهذا أن الواجب هنا ما يجزى في الضحايا والذي يجزى في الضحايا ما سمينا فكذا هنا وإن سرق الهدي بعد ما ذبح عنه فليس عليه شيء لأنه بلغ محله فإن أكل منه الذي ذبحه بعد ما ذبح فهو ضامن لقيمة ما أكل يتصدق به عن المحصر " لأن النبي - A - قال للبمعوث على يده لا تأكل أنت ولا رفقتك منها شيئا " ولأنه قد لزمه التصدق بجميع اللحم عن المحصر فإذا أكل منه شيئا كان ضامنا بدله وحكم البدل حكم المبدل فعليه أن يتصدق ببدله عن المحصر أيضا .
قال وإن قدم " مكة " قارنا فطاف وسعى لعمرته وحجته ثم خرج إلى بعض الآفاق قبل أن يقف " بعرفة " فأحصر فإنه يبعث بالهدي ويحل به وعليه حجة وعمرة مكان حجته وليس عليه عمرة مكان عمرته لأنه فرغ من عمرته حين طاف لها وسعى وإنما بقى عليه للعمرة الحلق أو التقصير فلهذا لا يبعث بهدي لأجل العمرة وإنما يبعث بالهدي للتحلل عن إحرام الحج فإن قيل أليس أنه طاف وسعى لحجته فينبغي أن يكفيه ذلك للتحلل كما في فائت الحج قلنا ما أتى به من الطواف لم يكن واجبا بل كان ذلك طواف التحية ولا يجوز أن يتحلل بمثله فلهذا يبعث بالهدي للتحلل من الإحرام للحج ولهذا كان عليه قضاء عمرة لأن ذلك الطواف والسعي صار وجوده كعدمه في حكم الإحصار فعليه عمرة وحجة وعليه دم لتقصيره في غير الحرم وهذا الدم إنما يلزمه عند " أبي حنيفة " و ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - لأن عندهما الحلق للعمرة يتوقت بالحرم خلافا ل " أبي يوسف " - C تعالى - وقد بينا هذا .
قال فإذا وقف " بعرفة " ثم أحصر لم يكن محصرا لأن معنى قوله تعالى : { " فإن أحصرتم " } أي منعتم عن إتمام الحج والعمرة " وقال - A - من وقف " بعرفة " فقد تم حجه " فإنما منع هذا بعد الإتمام فلهذا لا يكون محصرا ولأن حكم الإحصار إنما يثبت عند خوف الفوت وبعد الوقوف " بعرفة " لا يخاف الفوت فلا يكون محصرا ولكنه يبقى محرما إلى أن يصل إلى البيت فيطوف طواف الزيارة وطواف الصدر ويحلق أو يقصر وعليه دم لترك الوقوف بمزدلفة ولرمي الجمار دم ولتأخير الطواف دم ولتأخير الحلق دم عند " أبي حنيفة " - C تعالى - وعند " أبي يوسف " و ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - ليس عليه لتأخير الحلق والطواف شيء وقد تقدم بيان هذه الفصول فإن قيل أليس أنكم قلتم إذا ازدادت عليه مدة الإحرام يثبت حكم الإحصار في حقه وقد ازدادت مدة الإحرام هنا فلماذا لا يثبت حكم الإحصار في حقه قلنا لا كذلك فإنه يتمكن من التحلل بالحلق إلا من النساء وإن كان يلزمه بعض الدماء فلا يتحقق العذر الموجب للتحلل هنا .
قال وإذا قدم " مكة " فأحصر بها لم يكن محصرا وذكر " علي بن الجعد " عن " أبي يوسف " - رحمهما الله تعالى - قال سألت " أبا حنيفة " - C تعالى - عن المحرم يحصر في الحرم فقال لا يكون محصرا فقلت أليسط أن النبي - A - أحصر بالحديبية وهي من الحرم فقال إن " مكة " يومئذ كانت دار الحرب فأما اليوم فهي دار الإسلام " فلا يتحقق الإحصار فيها قال " أبو يوسف " - C تعالى - وإنما أنا أقول إذا غلب العدو على " مكة " حتى حالوا بينه وبين البيت فهو محصر والأصح أن يقول إذا كان محرما بالحج فإن منع من الوقوف وطواف الزيارة جميعا فهو محصر وإن لم يمنع من أحدهما لا يكون محصرا لأنه إن لم يكن ممنوعا من الطواف يمكنه أن يصبر حتى يفوته الحج فيتحلل بالطواف والسعي وإن لم يكن ممنوعا من الوقوف يمكنه أن يقف " بعرفة " ليتم حجه وإن كان ممنوعا منهما فقد تعذر عليه الإتمام والتحلل بالطواف فيكون محصرا كما لو أحصر في الحل .
( يتبع . . . )