( تابع . . . 2 ) : قال - Bه - الأصل في حكم الإحصار قوله تعالى : { " وأتموا .
قال رجل أهل بعمرتين معا فسار إلى " مكة " ليقضيهما ثم أحصر قال يبعث بالهدي لواحد والأصل في هذه المسألة أن نقول من أحرم بعمرتين معا أو بحجتين معا انعقد إحرامه بهما في قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " - رحمهما الله تعالى - وقال ا ا " محمد " و " الشافعي " - رحمهما الله تعالى - ينعقد إحرامه بأحدهما لأن الإحرام غير مقصود عليه بل لأداء الأفعال به ولا يتصور أداء حجتين في سنة واحدة ولا أداء عمرتين في وقت واحد والعقد إذا خلا عن مقصوده لا يكون منعقدا أصلا فإذا خلا أحد العقدين هنا عما هو مقصود لم ينعقد الإحرام إلا بأحدهما وقاسا بالصوم والصلاة فإن من شرع في صومين في يوم واحد أو في صلاتين بتكبيرة واحدة لا يصير شارعا إلا في أحدهما وهذا على أصل " الشافعي " - C تعالى - واضح لأن عنده الإحرام من الأركان ولهذا لا ينعقد الإحرام بالحج في غير أشهر الحج عنده وعند ا ا " محمد " - C تعالى - وإن كان الإحرام من الشرائط ففي بعض الأحكام جعل من الأركان . ألا ترى أن فائت الحج ليس له أن يستديم الإحرام إلى أن يؤدي الحج به في السنة القابلة ولو كان من الشرائط لكان له ذلك كما في الطهارة للصلاة فإذا كان من الأركان بمنزلة سائر الأعمال لا يتصور اجتماع المثنى منه في وقت واحد كالوقوف لحجتين والطواف لعمرتين و " أبو حنيفة " و " أبو يوسف " - رحمهما الله تعالى - قالا لا تنافي بين العقدين بدليل أنه يثبت أحدهما وهما متساويان والأصل أنه إذا كان منافاة بين العقدين المتساويين أن لا يثبت أحدهما كنكاح الأختين معا وإذا ثبت أنه لا منافاة انعقد الإحرام ثم أداء الأفعال لا يتصل بالإحرام والتنافي بينهما في أداء الأفعال وإذا كان أداء الأفعال لا يتصل بالإحرام لا يمنع انعقاد الإحرام بهما بخلاف الصوم والصلاة فالشروع هناك من الأداء ويتصل به الأداء والوقت معيار الصوم فلا يتصور أداء الصومين في وقت واحد ثم الإحرام سبب لالتزام الأداء من غير أن يتصل به الأداء فيكون بمنزلة النذر والنذر بالعمرتين صحيح وقد بينا فيما سبق أن الإحرام من جملة الشرائط ابتداء وإن أعطى له حكم الأركان انتهاء فكان بمنزلة الطهارة للصلاة فلا تتحقق المنافاة فيه كمن تطهر لأداء الصلاتين إذا عرفنا هذا فنقول عند " أبي يوسف " - C تعالى - من عقد إحرامه بهما يصير رافضا لأحدهما لأنه كما فرغ من الإحرام جاء أو إن أداء الأعمال والمنافاة متحققة فيصير رافضا لأحدهما وعليه دم لرفضها ويمضي في الآخر فإن كان أحرم بعمرتين فعليه قضاء العمرة التي رفضها وإن كان إحرامه بحجتين فعليه قضاء عمرة وحجة لرفض أحدهما وعند " أبي حنيفة " - C تعالى - لا يصير رافضا لأحدهما ما لم يشتغل بالعمل للآخر ففي ظاهر الرواية كما يسير إلى " مكة " لأداء الأعمال يصير رافضا لأحدهما وفي الرواية الأخرى ما لم يأخذ في الطواف لا يصير رافضا لأحدهما لأنه لما لم يتناف الإحرامان ابتداء لا يتنافيان بقاء بل البقاء أسهل من الابتداء وإنما المنافاة في الأعمال فما لم يشتغل بعمل أحدهما لا يصير رافضا للآخر وفائدة هذا الاختلاف إنما تظهر فيما إذا أحصر قبل أن يسير إلى " مكة " فعلى قول " أبي حنيفة " - C تعالى - يبعث بهديين للتحلل لأنه محرم بإحرامين وعند " أبي يوسف " - C تعالى - يبعث بهدي واحد لأنه صار رافضا لأحدهما فإنما أحصر وهو حرام بإحرام واحد وعند ا ا " محمد " - C تعالى - لم ينعقد إلا إحرام واحد فلا يبعث إلا بهدي واحد وإن كان سار إلى " مكة " ثم أحصر فإنما يبعث بهدي واحد لأنه صار رافضا لأحدهما حين سار في عمل الآخر فعليه دم للرفض ودم آخر للتحلل فأما حكم القضاء فإن كان أهل بعمرتين فعليه قضاء عمرتين وإن كان أهل بحجتين فعليه قضاء حجتين وعمرتين .
قال رجل أهل بشيء واحد لا ينوي حجة ولا عمرة ينعقد إحرامه مع الإبهام لما " روي أن " عليا " و " أبا موسى " - Bهما - لما قدما من " اليمن " قال لهما رسول الله - A - بم أهللتما قالا أهللنا بإهلال كإهلال رسول الله - A " - فقد صحح رسول الله - A - إحرامهما مع الإبهام وقد بينا أن الإحرام بمنزلة الشرط للنسك ابتداء والإبهام فيه لا يمنع صحته كالطهارة للصلاة وبعدما انعقد الإحرام مبهما فللخروج منه طريقان شرعا إما الحج أو أعمال العمرة فيتخير بينهما إن شاء خرج عنه بأعمال العمرة وإن شاء بأعمال الحج وكان تعيينه في الانتهاء بمنزلة التعيين في الابتداء فإن أحصر قبل أن يعين شيئا فعليه أن يبعث بهدي واحد لأنه محرم بإحرام واحد فالتحلل عن إحرام واحد وعليه قضاء عمرة استحسانا وفي القياس عليه قضاء حجة وعمرة لأن إحرامه إن كان للحج فعليه قضاء حجة وعمرة والأخذ بالاحتياط في قضاء العبادات واجب ولكنه استحسن فقال المتيقن به يصير دينا في ذمته فقط والمتيقن للعمرة ولما كان متمكنا من الخروج عن عهدة هذا الإحرام قبل الإحصار بأداء العمرة فكذلك بعد الإحصار يتمكن من الخروج عن هذه العهدة بأداء العمرة .
قال وإن لم يحصر فهو على خياره ما لم يطف بالبيت فإن طاف بالبيت قبل أن ينوي شيئا فهي عمرة لأنه طواف العمرة واجب والتحية في الحج ليس بواجب فلا تتحقق المعارضة بين الواجب وبين ما ليس بواجب فلهذا جعلنا طوافه للعمرة ويحصل التعيين به .
قال وكذلك إذا جامع قبل التعيين فعليه دم الجماع والمضي في أعمال العمرة وقضاء عمرة لأنه لا يلزمه إلا المتيقن به إذا آل الأمر إلى أن يصير دينا والمتيقن هو العمرة فلهذا تعين إحرامه للعمرة ولأنه لو تعين للحج وقد أفسدها بالجماع في هذه السنة فيفوته الحج بصفة الصحة أصلا في هذه السنة وإذا تعين للعمرة لا يفوته شيء فلهذا تعين إحرامه للعمرة .
قال ولو أهل بشيء واحد كما بينا وسمى ثم نسيه وأحصر بعث بهدي واحد لما بينا أنه محرم بإحرام واحد .
قال وإذا تحلل بالهدي فعليه عمرة وحجة وهذا احتياط وأخذ بالثقة لجواز أن يكون حين أحرم نوى الحج فيلزمه قضاء عمرة وحجة بخلاف الأول فإن هناك يتيقن أنه لم ينو الحج عند إحرامه ووجوب القضاء عليه باعتبار نية الحج فإذا تيقن هناك أنه لم ينو الحج لا يكون للأمر بالاحتياط معنى وهنا هو غير متيقن فمن الجائز أنه حين أحرم نوى الحج فكان هذا أوان الأخذ بالاحتياط فلهذا يحتاط ويقضي عمرة وحجة والفرق بين ما إذا لم يعين في الابتداء وبين ما إذا عين ثم نسي ظاهر في المسائل ألا ترى أن من أعتق إحدى أمتيه بغير عينها لا يجب عليه أن يجتنبهما وبمثله لو أعتق إحداهما بعينها ثم نسي فعليه أن يجتنبهما إلا أن يتذكر وكذا إن لم يحصر في هذا الفصل ولكنه وصل إلى البيت فعليه أن يؤدي عمرة وحجة ويلزمه ما يلزم القارن لأنه يحتمل أنه نوى إحرام الحج ويحتمل أنه نوى إحرام العمرة فيجمع بينهما أخذا بالاحتياط في العبادة ألا ترى أن من نسي صلاة من صلاة اليوم والليلة لا يعرفها يلزمه قضاء صلاة يوم وليلة استحسانا فكذلك هنا .
قال ولو جامع قبل أن يصل إلى البيت فعليه هدي واحد للجماع لأنه يتيقن أنه محرم بإحرام واحد ولكن عليه إتمام عمرة وحجة لأن الفاسد معتبر بالصحيح فكما أن قبل الإفساد عليه عمرة وحجة فكذلك بعد الإفساد عليه المضي في عمرة وحجة لأنه لا يخرج من الإحرام بالإفساد قبل أداء الأعمال والفاسد معتبر بالصحيح وليس عليه دم القران لأن دم القران إنما يلزمه عند صحة النسكين .
قال ولو جامع بعد ما نوى أن يجعلها عمرة وحجة ولبى بهما فعليه دمان لأنه يتيقن بعد ما لبى بهما أنه محرم بإحرامين بطريقة إضافة أحد الإحرامين إلى الآخر فعليه دمان للجماع وحكمه في القضاء مثل الأول كما بينا .
قال ولو أهل بشيئين ثم نسيهما فأحصر بعث بهديين لأنه متيقن أنه محرم بإحرامين فإذا تحلل بهديين كان عليه عمرتان وحجة استحسانا وفي القياس عليه حجتان وعمرتان لأن من الجائز أنه نوى عند إحرامه حجتين فعليه قضاء عمرتين وحجتين احتياطا ولكنه استحسن فقال فعل المسلم محمول على الصحة ما أمكن وعلى ما هو الأفضل فلا يحمل على الفساد إلا بعد تعذر حمله على الصحة فلو جعلنا إحرامه بحجة وعمرة كان فيه حمل أمره على الصحة وعلى ما هو الأفضل وهو القران ولو جعلنا إحرامه بحجتين كان فيه حمل أمره على الفساد لأنه يتعذر عليه الجمع بينهما أداء فلهذا جعلناه كالمحرم بالحج والعمرة فإذا تحلل بهديين كان عليه عمرتان وحجة بمنزلة القارن وإن لم يحصر ووصل إلى البيت فكذلك الجواب يجعل إحرامه عمرة وحجة كما يعمل القارن استحسانا وكان القياس أن يقضي عمرته وحجته مع الناس وعليه دم القران وعليه دم آخر وحجة وعمرة لأن من الجائز أنه كان أحرم بحجتين فعليه دم لرفض إحداهما وقضاء حجة وعمرة ومن الجائز أنه أحرم بعمرة وحجة فعليه دم القران فقلنا إنه يحتاط من كل جانب فيقضي عمرته وحجته مع الناس وعليه دم القران لاحتمال أحد الجانبين ثم عليه دم وقضاء عمرة وحجة لاحتمال الجانب الآخر وإن كان قد أهل بعمرتين فقد أتى بأعمال إحداهما وقضى الأخرى مع قضاء الحج فيصير خارجا مما عليه بيقين هذا هو القياس ولكنه استحسن فجعله قارنا حملا لأمره على الصحة وعلى ما يفعله الناس ثم عليه دم وقضاء عمرة وحجة وكذلك لو جامع فيهما وهو بمنزلة القارن إذا جامع استحسانا لأن الفاسد معتبر بالصحيح والله أعلم بالصواب