( تابع . . . 2 ) : 3 باب التيمم .
صفحة [ 116 ] فيتيمم بغباره و قد بينا فيه حديث " عمر " رضي الله تعالى عنه فإن كان المطر عم جميع ذلك لطخ بالطين بعض جسده فاذا جف حته و تيمم به و ان لم يجف لم يصل بغير وضوء و لا تيمم و ان ذهب الوقت و عن " أبي يوسف " C تعالى أنه يصلى ثم يعيد إذا قدر على الطهور . ووجهه أن لا ينبغي أن يمضى وقت صلاة على المسلم و لا يتشبه فيه بالمصلين فعليه أن يأتى بما قدر عليه تشبها كمن تسحر بعد طلوع الفجر كان عليه الإمساك تشبها بالصائمين و لكنا نقول الصلاة بغير طهارة معصية و التشبه بالمطيعين لا يحصل بمباشرة المعصية بخلاف الإمساك فانه ليس بمعصية قال وان وجد سؤر حمار أو بغل توضأ به و تيمم و ان قدم التيمم أجزأه إلا على قول " زفر " C تعالى فانه يقول ما دام معه ما هو مأمور باستعماله فلا عبرة بتيممه و لكنا نقول الإحتياط في الجمع بينهما لا في الترتيب فلا يلزمه اعادة الترتيب و ان كان الأفضل أن يقدم في التوضؤ به قال و إذا أصاب بدن المتيمم نجاسة لم ينقض ذلك تيممه و لكنه يمسح بخرقة أو تراب لتتقلل به النجاسة ثم يصلى فإن صلى لم يمسحه و أجزأه لأن المسح لا يزيل النجاسة فهو عاجز عن ازالتها فجازت صلاته معها قال و إذا توضأ الكافر أو اغتسل ثم أسلم فله أن يصلى بذلك الوضوء و الإغتسال عندنا خلافا " للشافعي " C تعالى بناء على ما تقدم من اشتراط النية فعنده الوضوء لا يجزئ إلا بنية القربة و الكافر ليس من أهلها و عندنا يجزئ من غير نية و يزول به الحدث فيصح من الكافر كغسل النجاسة و روى أن " عمر " رضي الله تعالى عنه لما طلب من أخته أن تناوله الصحفة قبل أن يؤمن حتى يغتسل ناولته فذلك دليل على صحة الإغتسال من الكافر قال و ان تيمم الكافر في حال عدم الماء ثم أسلم فليس له أن يصلى بذلك التيمم عند " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى و قال " أبو يوسف " C تعالى إذا تيمم بنية الإسلام أو الطهر فله أن يصلى به بعد الإسلام . وجه قوله أن التيمم يفارق الوضوء في اشتراط النية و بنية الطهر صح لأنه من أهله و نية الإسلام نية قربة فاذا اقترن بالتيمم نية القربة صح منه كما يصح من المسلم { ولنا } أن من شرط التيمم نية الصلاة به وا لكافر ليس من أهلها و التيمم لا يصح بغير نية و نية الإسلام لا تعتبر في التيمم إنما تعتبر نية قربة و نية القربة لا تصح إلا بالطهارة ألا ترى أن المسلم إذا تيمم بنية الصوم أو الصدقة لا تصح نيته ثم اصراره على الكفر إلى أن يفرغ من التيمم معصية فكيف يصح فيه معنى القربة و لو توضأ المسلم أو اغتسل ثم ارتد نعوذ .
صفحة [ 117 ] بالله لم يبطل وضوءه لأن الردة ليست بحدث و هو كفر و الكفر لا يمنع ابتداء الوضوء فلا يمنع البقاء بطريق الأولى { فإن قيل } أليس أن الردة تحبط عمله ووضوءه من عمله { قلنا } الردة تحبط ثواب العمل و ذلك لا يمنع زوال الحدث كمن توضأ على قصد المرا آة زال الحدث به و ان كان لا يثاب على وضوئه قال ولو تيمم المسلم ثم ارتد لم يبطل تيممه إلا على قول " زفر " C تعالى فانه يقول الكفر يمنع ابتداء التيمم فيمنع البقاء كمن صلى ثم ارتد بطلت صلاته حتى لو أسلم في الوقت لم تلزمه الإعادة و لكنا نقول تيممه قد صح باقتران نية القربة فلا ينقضه إلا الحدث أو وجود الماء و الردة ليست بحدث و هذا لأن التيمم إنما يفارق الوضوء في اشتراط النية و ذلك في الإبتداء لا في البقاء ففي البقاء الوضوء و التيمم سواء فكما يبقى وضوءه بعد ردته فكذلك تيممه قال وللمسافر أن يطأ جاريته و ان علم أنه لا يجد الماء و قال " مالك " C تعالى يكره ذلك وروي أن رجلا سأل " أبن عمر " رضي الله تعالى عنهما عن ذلك فقال أما " أبن عمر " فلا يفعل ذلك و أما أنت إذا وجدت الماء فاغتسل قال " مالك " C تعالى الضرورة لا تتحقق في اكتساب سبب الجنابة في حال عدم الماء و الصلاة مع الجنابة أمر عظيم فلا ينبغي أن يتعرض لذلك من غير ضرورة { ولنا } قوله تعالى " أو لامستم النساء " فذلك يفيد اباحة الملامسة في حال عدم الماء فكذلك اكتساب سبب الجنابة لأن في منع النفس بعد غلبة السبق بعض الحرج و ما شرع التيمم إلا لدفع الحرج قال و من تيمم و هو يريد تعليم الغير و لا يريد به الصلاة لم يجزه لما بينا أن التيمم في اللغة هو القصد و ذلك يدل على اشتراط النية فيه و ظاهر ما يقول في الكتاب أنه يحتاج إلى نية الصلاة . و عن " أبي يوسف " C تعالى أن نية الطهارة تكفي و كان " أبو بكر الرازي " C تعالى يقول يحتاج إلى نية التيمم للحدث أو الجنابة لأن التيمم لهما بصفة واحدة فلا يتميز أحدهما من الآخر إلا بالنية قال ولو تيمم بنية النفل جاز له أداء الفرض عندنا خلافا " للشافعي " رضى الله عنه و قد بينا هذا أنه يعتبر الضرورة للتيمم ثم أداء النافلة بالتيمم يجوز عندنا كأداء الفرض و قال " الزهري " رضي الله تعالى عنه لا يجوز لأنه لا ضرورة في أداء النافلة قال مسافرة طهرت من حيضها فلم تجد ماء فتيممت وصلت فلزوجها أن يقربها لأنا حكمنا بطهارتها حين صح تيممها و تأكد ذلك بجواز صلاتها و لم يذكر ما إذا تيممت و لم تصل .
صفحة [ 118 ] فقيل هو على الإختلاف عند " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى ليس للزوج أن يقربها و عند " محمد " C ذلك بناء على قصد الرجعة و الأصح أنه ليس للزوج أن يقربها عندهم جميعا لأن " محمد " ا C تعالى إنما جعل التيمم كالإغتسال فيما هو مبنى على الإحتياط و هو قطع الرجعة و الإحتياط في الوطء تركه فلم يجعل التيمم فيه قبل تأكده بالصلاة كالإغتسال كما لم يفعله في الحل للازواج قال مسافر مر بمسجد فيه عين ماء و هو جنب و لايجد غيره فانه يتيمم لدخول المسجد لأن الجنابة تمنعه من دخول المسجد على كل حال عندنا سواء قصد المكث فيه أو الإجتياز و عند " الشافعي " C تعالى له أن يدخله مجتازا لظاهر قوله تعالى " و لا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا " و لكن أهل التفسير قالوا ان إلا هنا بمعنى و لا أي و لا عابري سبيل و هذا محتمل فبقى المنع بقوله لا تقربوا و هو عاجز عن الماء قبل دخول المسجد فيتيمم ثم يدخل فيستقى منه وان لم يكن معه ما يستقى به و لا يستطيع أن يغترف منه و لكنه يستطيع أن يقع فيه فإن كان ماء جاريا أو حوضا كبيرا اغتسل فيه و ان كان عينا صغيرا فالإغتسال فيه ينجس الماء و لا يطهره فلا يشتغل به و لكنه يتيمم للصلاة و هذا اشارة منه إلى أنه لا يصلى بالتيمم الأول لأن قصده عند ذلك دخول المسجد و نية الصلاة شرطه لصحة التيمم في ظاهر الرواية فلهذا تيمم ثانيا و كذلك لو تيمم لمس المصحف فليس له أن يصلى به بخلاف ما إذا تيمم لسجدة تلاوة لأن السجدة من أركان الصلاة فنيته للسجدة عند التيمم كنية الصلاة فأما مس المصحف و دخول المسجد ليس من أركان للصلاة فلا يصير بنيته ذلك ناويا للصلاة قال و لا يتوضأ بسؤر الكلب إلا على قول " مالك " C تعالى و قد بينا أن عنده سؤره طاهر و الأمر بغسل الإناء من ولوغه تعبد و عند عامة العلماء سؤره نجس و ظاهر " قوله A طهور اناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله ثلاثا " دليل على نجاسته و التطهير لا يحصل بالنجس فكان فرضه التيمم قال ويتيمم لصلاة الجنازة في المصر إذا خاف فوتها و كذلك لصلاة العيد عندنا و قال " الشافعي " C تعالى لا يتيمم لهما لأن التيمم طهور شرع عند عدم الماء فمع وجوده لا يكون طهورا و لا صلاة إلا بطهور و مذهبنا مذهب " أبن عباس " رضي الله تعالى عنهما في صلاة العيد مثله و قد روينا " أن النبي A رد السلام بطهارة التيمم حين خاف الفوت .
صفحة [ 119 ] لمواراة المسلم عن بصره " قصار هذا أصلا إلى أن كل ما يفوت لا إلى بدل يجوز أداؤه بالتيمم مع وجود الماء و صلاة العيد تفوت لا إلى بدل لأنها لا تقضى إذا فاتت مع الإمام و كذلك صلاة الجنازة تفوت لا إلى بدل لأنها لا تعاد عندنا و كأن الخلاف مبنى على هذا الأصل و الفقه فيه أن التوضؤ بالماء انما يلزمه إذا كان يتوصل به إلى أداء الصلاة و هنا لا يتوصل بالتوضؤ إلى أداء الصلاة لأنه تفوته الصلاة لو اشتغل بالوضوء فاذا سقط عنه الخطاب باستعمال الماء صار وجود الماء كعدمه فكان فرضه التيمم و بهذا فارق صلاة الجمعة فانه لا يتيمم لها و ان خاف الفوت لأن الوضوء هناك يتوصل به إلى الصلاة و هو الطهر الذي هو أصل فرض الوقت فكان مخاطبا باستعمال الماء و بخلاف سجدة التلاوة لأنها غير مؤقته فلا تفوته و بالوضوء يتوصل إلى أدائها فلا يجزئه أداؤها بالتيمم لهذا قال وان سبقه الحدث بعد ما شرع في صلاة العيد فإن كان شروعه بالتيمم تيمم و بنى بالإتفاق و ان كان شروعه بالوضوء تيمم للبناء عند " أبي حنيفة " C تعالى و عندهما لا يتيمم لأنه لا يخاف الفوت فانه إذا ذهب للوضوء كان له أن يبنى و ان عاد بعد فارغ الإمام و " أبو حنيفة " رحمة الله تعالى يقول لما جاز الإفتتاح بطهارة التيمم فالبناء أجوز لأن حالة البناء أسهل و خوف الفوت قائم فربما يبتلى بالمعالجة مع الناس لكثرة ازدحامهم فتفسد صلاته و لا يصل إلى الماء حتى تزول الشمس فتفوته بمضى الوقت و قي لهذا الجواب بناء على جبائية الكوفة فإن الماء بعيد لا يصل إليه حتى يعود إلى المصر فأما في ديارنا الماء محيط بالمصلى فلا يتيمم للابتداء و لا للبناء لأنه لا يخاف الفوت و قد روى " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهم الله أن ولى الميت لا يصلى على الجنازة بالتيمم بخلاف غيره لأنه لا يخاف الفوت فإن الناس و ان صلوا عليها كان له حق الإعادة قال و لا يجوز التيمم من مكان قد كان فيه بول أو نجاسة و ان ذهب الأثر و ذكر " ابن كاسر النخمي " عن أصحابنا رضي الله تعالى عنهم أنه يجوز لأنه حكم بطهارة ذلك المكان حين ذهب أثر النجاسة بدليل جواز الصلاة عليها . وجه ظاهر الرواية ان شرط جواز التيمم طيبة الصعيد كما قال الله تعالى " فتيمموا صعيدا طيبا " و هذا المكان صار طاهرا و ليس من ضرورة الطهارة الطيبة و لم يصر طيبا ثم طهارة هذا المكان ثابتة بخبر الواحد و اشتراط الطهارة في الصعيد ثابت بنص مقطوع به فلا يتأدى بما يثبت بخبر الواحد و اشتراط الطهارة في الصلاة دون البيت لا تجوز صلاته لهذا و قد قررنا قال و ان افتتح الصلاة بالوضوء ثم سبقه الحدث فلم يجد ما تيمم و بنى لأن افتتاح الصلاة بالتيمم عند عدم .
صفحة [ 120 ] الماء جائز فالبناء أجوز لأنه بنى الضعيف على القوي و ذلك مستقيم فإن وجد ماء ينظر فإن كان بعد ما عاد إلى مكان توضأ و استقبل بالإتفاق و ان كان قبل ان يعود إلى مكانه فالقياس يتوضأ و يستقبل الصلاة و هو قول " محمد " C تعالى لأن حرمة الصلاة باقية بعد التيمم و هذا متيمم وجد الماء في خلال صلاته فبتوضأ و يبنى و يجعل كأنه لم يتيمم أصلا و لكنه كان في طلب الماء إلى أن يجد الماء بخلاف ما إذا عاد إلى مكان الصلاة فإن هناك لو جعلناه كأنه لم يتيمم كانت صلاته فاسدة و هذا لأنه إنما لا يتوضأ للبناء إذا أدى شيئا من الصلاة بطهارة التيمم و قبل العود إلى مكان الصلاة لم يؤد شيئا بطهارة التيمم فكان له أن يتوضأ و يبنى قال و إن كان الإمام متيمما فأحدث فاستخلف متوضئا ثم وجد الماء الإمام الأول فسدت صلاته وحده لأن الإمامة تحولت منه إلى لثاني و صار هو كواحد من القوم ففساد صلاته لا يفسد صلاة غيره و إن كان الإمام متوضئا و الخليفة متيمما فوجد الخليفة الماء فسدت صلاته و صلاة الأول و القوم جميعا لأن الإمامة تحولت إليه و صار الأول كواحد من المقتدين به و فساد صلاة الإمام تفسد صلاة القوم قال و إذا أم المتيمم المتوضئين فأبصر بعض القوم الماء و لم يعلم به الإمام و الآخرون حتى فرغوا فصلاة الإمام و القوم تامة إلا من أبصر الماء فإن صلات فاسدة عندنا و قال " زفر " Bه تعالى لا تفسد صلاته و هو رواية عن " أبي يوسف " C و وجهه أنه لا بد لفساد الصلاة من سبب و هو في نفسه متوضئ فرؤية الماء لا تكون مفسدا في حقه و إنما تفسد صلاته لفساد صلاته صلاة الإمام و صلاة الإمام هنا صحيحة فلا معنى لفساد صلاته { و لنا } أن طهارة الإمام معتبرة في حق المقتدى بدليل أنه لو تبين أن الإمام محدث لم تجز صلاة القوم و طهارته هنا تيمم فيجعل في حق من أبصر الماء كأنه هو المتيمم فلهذا فسدت صلاته لأنه اعتقد الفساد في صلاة امامه لأنه عنده أنه يصلى بطهارة التيمم مع وجود الماء و المقتدى إذا اعتقد الفساد في صلاة امامه تفسد صلاته كما لو اشتبهت عليهم القبلة فتحرى الإمام إلى جهة و المقتدى إلى جهة أخرى لا يصح اقتداؤه به إذا كان عالما أن امامه يصلى إلى غير جهته قال متيمم رأى في صلاته سرابا فظن أنه ماء فمشى إليه فاذا هو سراب فعليه أن يستقبل الصلاة لأن مشيه كان على وجه الرفض لتلك الصلاة بدليل أن ما ظن لو كان حقا كانت صلاته فاسدة فلم يكن له .
( يتبع . . . )