( تابع . . . 3 ) : 3 باب التيمم .
صفحة [ 121 ] أن يبنى كما لو ظن في خلال الصلاة أنه نسى مسح الرأس فمشى ليمسح ثم تذكر أنه كان مسح فليس له أن يبنى بخلاف ما إذا ظن أنه سبقه الحدث فمشى ليتوضأ فعلم قبل أن يخرج من المسجد أنه ليس بحدث كان له أن يبنى لأن انصرافه هناك كان إصلاح الصلاة دون رفضها بدليل أن ما ظن لو كان حقا كان له أن يتوضأ و يبنى فما لم يفارق مكان الصلاة جعل كأنه في موضعه فبتى لهذا قال ومن استيقن بالتيمم فهو على تيممه حتى يستيقن بالحدث أو بوجود الماء للأصل الذي قدمناه في الوضوء أن اليقين لا يزول بالشك قال و إذا أراد التيمم فتمعك في التراب و دلك بذلك جسده كله فإن كان أصاي التراب وجهه و ذراعيه و كفيه أجزأه لأنه أتى بالواجب و زاد عليه و قد بينا فيه " حديث " عمار " رضى الله تعالى عنه أن النبي A قال كان يكفيك ضربتان يعنى ضربة للوجه و ضربة للذراعين " على ما عرف قال و إن بدأ بذراعيه في التيمم أو مكث بعد تيمم وجهه ساعة ثم تيمم على ذراعيه أجزاه لأنه بدل عن الوضوء و قد بينا أن الترتيب و الموالاة في الوضوء مسنون لا يمنع تركه الجواز فكذلك في التيمم قال و إذا تيمم جنب أو حائض من مكان ثم وضع آخر يده على ذلك المكان فتيمم به أجزأه لأن الصعيد الباقي في المكان بعد تيمم الأول نظير الماء الباقي في الإناء بعد وضوء الأول و إغتساله به فيكون طهورا في حق الثاني كذا هذا قال وإذا تيمم و هو مقطوع اليدين من المرفقين فعليه مسح موضع القطع من المرفق عندنا خلافا ل " زفر " C تعالى بناء على أن المرفق يدخل في فرض الطهارة عندنا خلافا ل " زفر " C تعالى ثم موضع القطع صار باديا في حقه فهو نظير الكف في حق من هو صحيح اليدين فعليه مسحه في التيمم و ان كان القطع من فوق المرفق لم يكن عليه مسحه لأن موضع الطهارة من يده فائت فإن ما فوق المرفق ليس بموضع الطهارة قال و إذا تيمم و في رحله ماء لا يعلم به بأن كان نسيه بعد ما وضعه أو وضعه بعض أهله فصلاته بالتيمم جائزة عند " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى و لا تجوز عند " أبي يوسف " C تعالى قال لأن الماء في السفر من أهم الأشياء عند المسافر فقد نسي ما لا ينسى عادة فلا يعتبر نسيانه كما لو كان الماء على ظهره أو معلقا في عنقه فنسيه لا يعتبر نسيانه و لأن جواز التيمم عند عدم الماء و هو واجد للماء لكونه في رحله في يده فلا يجزئه التيمم كالمكفر بالصوم إذا نسى الرقبة في ملكه لا يجزئه لهذا . و " أبو حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى احتجا في الكتاب .
صفحة [ 122 ] و قالا بأن الله تعالى لم يكلفه إلا علمه و معنى هذا أن التكليف بحسب الوسع و ليس في وسعه استعمال الماء قبل علمه به و إذا لم يكن مخاطبا باستعماله فوجوده كعدمه كالمريض و من يخاف العطش على نفسه تقديره أنه عدم آلة الوصول إلى الماء و هو العلم به فكان نظير الواقف على شفير البئر و ليس معه آلة الإستقاء ففرضه التيمم بخلاف الرقبة فالمعتبر هناك ملكها حتىلو عرض انسان عليه الرقبة كان له أن لا يقبل و يكفر بالصوم و بالنسيان لم ينعدم ملكه و هنا المعتبر القدرة على استعمال الماء حتى لو عرض انسان عليه الماء لا يجزئه التيمم و بالنسيان زالت هذه القدرة فجاز تيممه و هو بخلاف ما إذا كان عالما به و ظن أنه قد نفد لأن القدرة على الإستعمال ثابتة بعلمه فلا ينعدم بظنه و عليه التفتيش فإذا لم يفعل لا يجزئه التيمم بخلاف ما نحن فيه على ما بينا قال و إذا كان به جدرى أو جراحات في بعض جسده فإن كان محدثا فالمعتبر أعضاء الوضوء فإن كان أكثره صحيحا فعليه الوضوء في الصحيح و ان كان أكثره مجروحا فعليه التيمم دون غسل الصحيح منه و ان كان جنبا فالعبرة بجميع الجسد فإن كان أكثره مجروحا تيمم و صلى عندنا . . و قال " الشافعي " C تعالى يلزمه الغسل فيما هو صحيح في الوجوه جميعا لأن سقوط الغسل عما هو مجروح لضرورة الضرر في إصابة الماء و الثياب و الضرورة تتقدر بقدرها و لنا إن الأقل تابع للأكثر " فإن النبي A قال في المجدور كان يكفيه التيمم " و أحد لايقول أنه يغسل ما بين كل جدريين فدل على أن العبرة للأكثر و إذا كان الأكثر مجروحا فكأن الكل مجروح و قد بينا أنه لا يجمع بين الأصل و البدل على سبيل رفو أحدهما بالآخر فإذا كان الأكثر مجروحا لم يكن له بد من التيمم فسقط فرض الغسل لهذا قال و إن أجنب الصحيح في المصر فخاف أن يقتله البرد أن اغتسل فإنه يتيمم في قول " أبي حنيفة " C تعالى كالمسافر إذا خاف ذلك في السفر و لا يجزئه في المصر قالا لأن السفر يتحقق فيه خوف الهلاك من البرد فإنه لا يجد ماء سخينا و لا ثوبا يتدفأ به و لا مكانا يأويه و إما المصر لا يعدم أحد هذه الأشياء إلا نادرا و لا عبرة بالنادر و لهذا لم يجعل عدم الماء في المصر مجوزا للتيمم بخلاف خارج المصر و " أبو حنيفة " C تعالى يقول المسافر يجوز له التيمم مع وجود الماء لخوف الهلاك من البرد فإذا تحقق ذلك في حق المقيم كان هو كالمسافر لأن معنى الحرج من استعمال الماء ثابت فيهما و لأن من جاز له التيمم مع وجود الماء فالمصر و السفر له سواء كالمريض .
صفحة [ 123 ] و أما المحبوس في السجن فإن كان في موضع نظيف و هو لا يجد الماء كان " أبو حنيفة " C تعالى يقول إن كان خارج المصر صلى بالتيمم و إن كان في المصر لم يصل و هو قول " زفر " رضى الله تعالى عنه ثم رجع فقال يصلى ثم يعيد و هو قول " أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى . وجه قوله الأول أن عدم الماء في المصر غير معتبر شرعا حتى لا يسقط عنه الفرض بالتيمم و يلزمه الإعادة فلم يكن التيمم طهورا له و لا صلاة إلا بطهور . وجه قوله الآخر أن عدم الماء في المصر إنما لا يعتبر لأنه لا يكون إلا نادرا فأما في السجن فعدم الماء ليس بنادر و هو رواية عن " أبي يوسف " C تعالى كما لو كان في السفر و في الإستحسان يعيد لأن عدم الماء كان لمعنى من العباد بخلاف المسافر فإن هناك جواز التيمم لعدم الماء لا للحبس فلا صنع للعباد فيه فهو نظير المقيد إذا صلى قاعدا تلزمه الإعادة إذا رفع القيد عنه بخلاف المريض و إن كان محبوسا في مكان قذر لا يجد صعيدا طيبا و لا ماء يتوضأ به فإنه لا يصلى في قول " أبي حنيفة " C تعالى . و قال " أبو يوسف " C تعالى يصلي بالإماء تشبها بالمصلين و اختلفت الروايات عن " محمد " C تعالى فذكر في الزيادات و نسخ " أبي حفص " C تعالى من الأصل كقول " أبي حنيفة " C تعالى و في نسخ " أبي سليمان " C تعالى ذكر قوله كقول " أبي يوسف " C تعالى و وجهه أن العاقل المسلم لا يجوز أن يمضي عليه وقت الصلاة و هو لا يتشبه بالمصلين فيه بحسب الإمكان و التكليف إنما يثبت بحسب وسعه و وجه قول " أبي حنيفة " C تعالى أن الصلاة بغير طهور معصية و لا يحصل التشبه بالمصلين فيما هو معصية و قد تقدم نظيره . و من نظائره الهارب من العدو ماشيا و المشتغل بالقتال في حال المسايفة و السابح في البحر بعد ما انكسرت السفينة عند " أبي يوسف " C تعالى يصلون بالإيماء تشبها ثم يعيدون . و عند " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى لا يصلون لأن مع العمل من القتال و السباحة و المشي لا كون الصلاة قربة في " الحديث أن النبي A شغل عن أربع صلوات يوم الخندق لكون كان مشغولا بالقتال " فدل أنه لا يصلي في هذه الحال قال مسافر جنب غسل فرجه و ذراعيه و رأسه ثم أهراق الماء فتيمم و افتتح الصلاة ثو قهقه فيها و وجد الماء فعليه أن يغسل وجهه و يمسح برأسه و يغسل .
صفحة [ 124 ] ما بقي من بعض جسده لأن شروعه في الصلاة قد صح بالتيمم و القهقهة في الصلاة لو طرأ على غسل جميع الأعضاء نقض طهارته فيها فكذلك إذا طرأ على غسل بعض الأعضاء بمنزلة سائر الأحداث . و عن " أبي يوسف " C تعالى في الإملاء قال القهقهة في الصلاة ناقض للطهارة التي بها شرع في الصلاة و شروعه في الصلاة هنا بالتيمم لا يغسل وجهه و ذراعيه و لا تنتقض بالقهقهة طهارته في الوجه و الذراعين و لا يلزمه إعادة الغسل فيهما كما لا يلزمه إعادة الغسل فيهما كما لا يلزمه إعادة الغسل فيما غسل من جسده سوى أعضاء الوضوء قال جنب اغتسل فبقى على بدنه لمعة لم يصبها الماء فإنه يتمم و يصلى لأن زوال الجنابة معتبر ثبوتها حكما فكلما لا يتحقق ثبوتها في بعض البدن دون البعض فكذلك لا يتحقق زوالها ما بقى شيء لم يصبه الماء فإن وجد الماء بعد ذلك غسل ذلك الموضع لأنه قدر على ما يطهره و لا يتيمم لأنه محدث معه ما يوضئه و إن كان لا يكفي لواحد منهما يتيمم للحدث و تيممه للجنابة باق و لكنه يستعمل ذلك الماء في اللمعة لتقليل الجنابة و إن كان يكفيه للمعة دون الوضوء غسل به اللمعة ليخرج من الجنابة ثم يتيمم للحدث و إن كان يكفيه للوضوء دون للمعة توضأ به و تيممه لجنابة باق و إن كان يكفيه لكل واحد منهما على الإنفراد غسل به اللمعة لتزول به الجنابة فإن حكمها أغلظ من الحدث حتى يمنع الجنب من القراءة دون المحدث ثم يتيمم للحدث فإن بدأ بالتيمم للحدث أجزأه في رواية كتاب الصلاة و لم يجزه في رواية الزيادات و قيل ما ذكر في الزيادات قول " محمد " C تعالى . و وجهه أنه تيمم و معه ماء يكفيه للوضوء فلا يعتبر تيممه و ما ذكر في الأصل قول " أبي يوسف " C تعالى و وجهه أن الماء مستحق للمعة فهو كالمعدوم في حق الحدث كالمستحق للعطش و شبه هذا بسؤر الحمار في أنه يجمع المسافر بين التوضؤ به و التيمم و الأولى أنه يبدأ بالوضوء به فإن بدأ بالتيمم أجزأه فكذلك هنا قال متيمم افتتح الصلاة ثم وجد سؤر حمار مضى على صلاته فإذا فرغ توضأ به و أعاد الصلاة لأن سؤر الحمار مشكوك في طهارته و شروعه في الصلاة قد صح فلا ينتقض بالشك فلهذا يتم للصلاة ثم يتوضأ به و يعيد احتياطا لجواز أن يكون سؤر الحمار طاهرا قال و لو وجد نبيذ التمر في خلال الصلاة فكذلك عند " محمد " C تعالى يتم صلاته ثم يتوضأ به و يعيد .
صفحة [ 125 ] لأنه كسور الحمار عنده و عند " أبي يوسف " C تعالى يتم صلاته و لا يعيد لأن النبيذ عنده ليس بطهور و عند " أبي حنيفة " C تعالى يقطع صلاته لأن نبيذ التمر بمنزلة الماء عنده في حال عدم الماء فتنتفض صلاته بوجوده فيتوضأ به و يستقبل لأن سؤر الحمار إن كان طاهرا فالنبيذ معه ليس بطهور فلهذا توضأ بهما و عند " أبي يوسف " C تعالى يمضي في صلاته فإذا فرغ توضأ بهما و أعاد الصلاة احتياطا .
فصل في ذكر المسائل المعدودة ل " أبي حنيفة " C تعالى .
إذا فرغ المصلي من تشهده و لم يسلم حتى انقضى وقت مسحه أو وجد في خفه شيئا فنزعه فانتقض صلاته بوجوده فيتوضأ به و يستقبل و إن وجد سؤر الحمار و النبيذ جميعا فعند " أبي حنيفة " C تعالى يمضى في صلاته فإذا فرغ توضأ بهما و أعاد الصلاة احتياطا