( تابع . . . 1 ) : 3 باب التيمم .
صفحة [ 111 ] و للذي لم يعد أجزأتك صلاتك و عن " أبن عمر " Bهما أنه صلى العصر بالتيمم و انصرف من ضيعته و هو ينظر إلى أبيات ثم دخلها قبل غروب الشمس فلم يعد الصلاة " و المعنى أن المقصود هو اسقاط الفرض عن ذمته و قد حصل بالبدل فلا يعود إلى ذمته بالقدرة على الأصل كالمعتدة بالأشهر إذا حاضت بعد انقضاء العدة و هذا بخلاف الحج فإن جواز الإحجاج باعتبار وقوع اليأس عن الأداء بالبدن و ذلك لا يحصل إلا بالموت و ها هنا جواز التيمم باعتبار العجز عن استعمال الماء و كان متحققا حين صلى قال ويؤم المتيمم المتوضئين في قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى و هو قول " أبن عباس " Bهما و قال " محمد " C تعالى لا يؤم و هو قول " علي " رضي الله تعالى عنه فانه كان يقول لا يؤم المتيمم المتوضئين و لا المقيد المطلقين و لأن طهارة المتيمم طهارة ضرورة فلا يؤم من لا ضرورة له كصاحب الجرح السائل لا يؤم الأصحاء . و هما استدلا " بحديث " عمرو بن العاص " Bه فإن رسول الله A جعله أميرا على سرية فلما انصرفوا سألهم عن سيرته فقالوا كان حسن السيرة و لكنه صلى بنا يوما و هو جنب فسأله عن ذلك فقال احتلمت في ليلة باردة فخشيت الهلاك ان اغتسلت فتلوت قول الله D " و لا تقتلوا أنفسكم " فتيممت و صليت بهم فتبسم A في وجهه و قال يالك من فه " عمرو بن العاص " و لم يأمرهم باعادة الصلاة " و لأن المتيمم صاحب بدل صحيح فهو كالماسح على الخفين يؤم الغاسلين و هذا لأن البدل عند العجز عن الأصل حكمه حكم الأصل بخلاف صاحب الجرح فانه ليس بصاحب بدل صحيح قال و الجنب و الحائض و المحدث في التيمم سواء و هو قول " علي " و " أبن عباس " Bهما وقال " عبد الله بن مسعود " Bه لا يجوز التيمم للحائض و الجنب وروى أن " عمار بن ياسر " Bه قال ل " عمر " Bه أما تذكر اذ كنت معك في الإبل فأجنبت فتمعكت في التراب ثم " سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أصرت حمارا أما يكفيك ضربتان " فقال له " عمر " اتق الله فقال ان شئت فلا أذكره أبدا فقال " عمر " ان شئت فاذكره و ان شئت فلا تذكره و لما ذكرلا " بن مسعود " Bه " حديث عمار " فقال لم يقنع به " عمر " Bه و أصل الإختلاف في قوله تعالى " أو لا مستم النساء " فقال " عمر " و " ابن مسعود " Bهما المراد المس باليد فجوز التيمم للمحدث خاصة و قال " علي " و " أبن عباس " Bهما المراد المجامعه فذا القول اولى فإن الله تعالى ذكر نوعي الحدث .
صفحة [ 112 ] عند وجود الماء في قوله تعالى " إذا قمتم إلى الصلاة " و قوله و ان كنتم جنبا فاطهروا و ذكر نوعي الحدث عند عدم الماء و أمر بالتيمم لهما بصفة واحدة فكان الحمل علي المجامعة أكثر افادة من هذا الوجه . و الدليل على جوازه للحائض و الجنب " حديث " أبي هريرة " رضى الله عنه أن قوما سألوا رسول الله A فقالوا أنا نكون في هذه الرمال و ربما لا نجد الماء شهرا و فينا الجنب و الحائض فقال A عليكم بأرضكم " و في " حديث " أبي ذر " Bه قال اجتمع عند رسول الله A فقال مالك فسكت فقال ثكلتك أمك مالك فقلت أني جنب فأمر جارية سوداء فأتت بعس من ماء و سترتني بالبعير و الثوب فاغتسلت فكأنهما وضعت عن عاتقي حملا فقال النبي A كان يكفيك التيمم و لو إلى عشر حجج مالم تجد الماء " قال ويجوز للمريض أن يتمم إذا لم يستطع الوضوء أو الغسل أما إذا كان يخاف الهلاك باستعمال الماء فالتيمم جائز له بالإتفاق لقوله تعالى " و ان كنتم مرضى أو على سفر " قال " أبن عباس " رضى الله عنه نزلت الآية في المجدور و المقروح . و " روى أن رجلا من الصحابة كان به جدري فاحتلم في سفر فسأل أصحابه فأمروه بالإغتسال فاغتسل فمات فلما أخبر بذلك رسول الله A فقال قتلوه قتلهم الله كان يكفيه التيمم " و ان كان يخاف زيادة المرض من استعمال الماء و لا يخاف الهلاك { و لنا } أن زيادة المرض بمنزلة الهلاك في اباحة الفطر و جواز الصلاة قاعدا أو بالإيماء فكذلك في حكم التيمم و هذا لأن حرمة النفس لا تكون دون حرمة المال و لو كان يلحقه الخسران في المال باستعمال الماء بأن كان لا يباع إلا بثمن عظيم جاز له أن يتيمم فعند خوف زيادة المرض أولى هذا كله إذا كان يستضر بالماء فإن كان لا يستضر بالماء و لكنه للمرض عاجز عن التحرك للوضوء فظاهر المذهب أنه ان وجد من يستعين به في الوضوء لا يجوز له التيمم و ان لم يجد من يعينه في الوضوء فحينئذ يتيمم لتحقق عجزه عن الوضوء و روي عن " محمد " C تعالى قال و ان لم يجد من يعينه في الوضوء من الخدم فليس له أن يتيمم في المصر إلا أن يكون مقطوع اليدين ووجهه أن الظاهر أنه في المصر .
صفحة [ 113 ] يجد من يستعين به من قريب أو بعيد و العجز بعارض على شرف الزوال فاذا لم يجد من يوضئه جاز له التيمم لهذا ثم يصلى بتيممه ما شاء من الصلاة مالم يحدث أو تزل العلة و كذلك المسافر يصلى بتيممه ما شاء ما لم يحدث أو يجد الماء عندنا و قال " الشافعي " C تعالى لا يجمع بين فريضتين بتيمم واحد و له أن يصلى من النوافل ما شاء و حجته أنها طهارة ضرورة و باعتبار كل فريضة تتجدد الضرورة فعليه تجديد الوضوء و النوافل تبع للفرائض و هو نظير مذهبه في طهارة المستحاضة و قد بينا . و حجتنا " قوله A طهارة المسلم و لو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء " فقد جعل رسول الله A طهارة التيمم ممتدا إلى غاية وجود الماء و يتبين بهذا أنه في حال عدم الماء كالوضوء ثم المتوضئ له أن يصلى بوضوء واحد ما شاء ما لم يحدث فهذا مثله و لان بالفراغ من المكتوبة لم تنتقض طهارته حتى جاز له أداء النافلة و إذا بقيت الطهارة فله أن يؤدي الفرض لأن الشرط أن يقوم إليه طاهرا و قد وجد قال و ان وجد المتيمم الماء فلم يتوضأ حتى حضرت الصلاة و قد عدم ذلك الماء فعليه اعادة التيمم لأنه لما قدر على استعمال الماء بطل تيممه و صار محدثا بالحدث السابق فهذا محدث لا ماء معه فعليه التيمم للصلاة و الله أعلم قال و لا يجوز بأقل من ثلاثة أصابع فهو و المسح بالرأس و الخف سواء و قد بينا . قال و ان أجنب المسافر و معه من الماء مقدار ما يتوضأ به يتيمم عندنا و لم يستعمل الماء و قال " الشافعي " C تعالى يتوضأ بذلك الماء ثم يتيمم . و كذلك المحدث إذا كان معه من الماء ما يكفيه لغسل بعض الأعضاء عندنا يتيمم و عنده يستعمل الماء فيما يكفيه ثم يتيمم و استدل بقوله تعالى فلم تجدوا ماء فذكره منكرا في موضع النفي و ذلك يتناول القليل و الكثير فما بقى واجدا لشيء من الماء لا يجوز له أن يتيمم و لأن الضرورة لا تتحقق إلا بعد استعمال الماء فيما يكفيه فهو كمن أصابته مخمصة و معه لقمة من الحلال لا يكون له أن يتناول الميتة ما لم يتناول تلك اللقمة الحلال و لا يبعد الجمع بين التيمم و استعمال الماء كما قلتم في سؤر الحمار { و لنا } قوله تعالى " فلم تجدوا ماء فتيمموا " فإن المراد ماء يطهره . ألا ترى أن وجود الماء النجس لا يمنعه عن التيمم و لأنه معطوف على ما سبق و قد سبق بيان حكم الوضوء و الإغتسال ثم عطف عليه قوله تعالى فلم تجدوا ماء فيكون المفهوم منه ذلك الماء الذي يتوضؤن به و يغتسلون به عند الجنابة و هو غير واجد لذلك الماء و لأنه إذا لم يطهره استعمال هذا الماء لا يكون في استعماله إلا مضيعه .
صفحة [ 114 ] و لان الأصل لا يوفى بالإبدال لأنهما لا يلتقيان كما لا يكمل التكفير بالمال بالصوم و لا العدة بالشهور بالحيض و لم قلنا يتيمم بعد استعمال الماء كان فيه رفو الأصل بالبدل و لا نقول في مسئلة المخمصة أنه يلزمه مراعاة الترتيب فإن ما معه من الحلال إذا كان لا يكفيه لسد الرمق فله أن يتناول معه الميتة . و في سؤر الحمار الجمع بينهما عندنا للاحتياط لا لرفو الأصل بالبدل و لذلك لو أنه وجدالماء بعد التيمم فإن كان يكفيه لما خوطب به يبطل تيممه و ان كان لا يكفيه لا يبطل تيممه اعتبارا للانهاء بالإبتداء قال و إن تيمم للجنابة ثم أحدث و معه من الماء ما يتوضأ به توضأ به لأن ذلك التيمم أخرجه من الجنابة إلى أن يجد ما يكفيه للاغتسال فهو الآن محدث معه من الماء ما يكفيه للوضوء فيتوضأ به فإن توضأ به و لبس خفيه ثم مر بالماء فلم يغتسل ثم حضرت الصلاة و عنده من الماء قدر ما يوضئه فانه يتيمم لأنه لما مر بما يكفيه للاغتسال عاد جنبا كما كان فعليه أن يتيمم و لا يلزمه نزع الخف إذ لا تيمم في الرجل قال فإن تيمم ثم حضرت الصلاة الأخرى و قد سبقه الحدث فإنه يتوضأ لأنه بالتيمم الأول خرج من الجنابة إلى أن يجد ماء يكفيه للاغتسال و لم يجد بعد فهذا محدث معه ماء يتوضأ به فعليه أن يتوضأ و ينزع خفيه لأنه لما مر بماء يكفيه للاغتسال بعد لبس الخف وجب عليه نزع الخفين فلا يكون له أن يمسح بعد ذلك و ان لم يكن مر بالماء قبل ذلك مسح على خفيه لأن اللبس حصل على طهارة كاملة ما لم يجد ما يكفيه للاغتسال فكان له أن يمسح قال و ان كان مع المحدث ماء يكفيه للوضوء غير أنه يخاف العطش إذا استعمل الماء فكان عاجزا عن استعماله حكما بمنزلة ما لو كان بينه و بين الماء عدو أو سبع و قد بينا أن حرمه النفس لا تكون دون حرمة المال قال و إذا تيمم المسافر و الماء منه قريب و هو لا يعلم به أجزأه تيممه به لأنه عاجز عن استعمال الماء حين عدم آلة الوصول إليه و هو العلم به فهو كما لو كان على رأس البئر و ليس معه آلة الإستقاء فله أن يتيمم . و لم يفسر حد القرب في ظاهر الرواية في حالة العلم به و المروي عن " محمد " C تعالى قال التيمم و الميل ثلث فرسخ و قال " الحسن بن زياد " C تعالى إذا كان الماء أمامه يعتبر ميلين و ان كان يمنة أو يسرة فميل واحد لأن الميل للذهاب و مثله في الرجوع فكان ميلين و قال .
صفحة [ 115 ] " زفر " C إذا كان بحيث يصل إلى الماء قبل خروج الوقت لا يجزئه التيمم و ان كان الماء قريبا منه لان التيمم لضرورة الحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت و لكنا نقول التفريط جاء من قبله بتأخير الصلاة فليس له أن يتيمم إذا كان الماء قريبا منه و من العلماء من يقول إذا كان لا يبلغه صوتهم فبعيد فحينئذ يجوز له التيمم قال و إذا كان مع رفيقه ماء فعليه أن يسأله إلا على قول " الحسن بن زياد " C تعالى فانه كان يقول السؤال ذل و فيه بعض الحرج و ما شرع التيمم إلا لدفع الحرج و لكنا نقول ماء الطهارة مبذول بين الناس عادة و ليس في سؤال ما يحتاج إليه مذلة فقد " سأل رسول الله A بعض حوائجه من غيره " فإن سأله فأبى أن يعطيه إلا بالثمن فإن لم يكن معه ثمنه يتيمم لعجزه عن استعمال الماء و ان كان معه ثمنه فإن أعطاه بمثل قيمته في ذلك الموضع أو بغبن يسير فليس له أن يتيمم و ان أبى أن يعطيه إلا بغبن فاحش فله أن يتيمم و قال " الحسن البصرى " C تعالى يلزمه الشراء بجميع ماله لانه لا يخسر على هذه التجارة و لا نأخذ بهذا فإن حرمة مال المسلم كحرمة نفسه فاذا كان يلحقه خسران في ماله ففرضه التيمم و الغبن الفاحش خسران و قد بين ذلك في النوادر فقال ان كان الماء الذي يكفي للوضوء يوجد في ذلك الموضع بدرهم فأبى أن يعطيه إلا بدرهم و نصف فله أن يشترى و ان أبى أن يعطيه إلا بدرهمين تيمم و لم يشتر فجعل الغبن الفاحش في تضعيف الثمن . و إنما قلنا إذا كان يعطيه بمثل الثمن فعليه أن يشترى لأن قدرته على بدل الماء كقدرته على عينه كما أن القدرة على ثمن الرقبة كالقدرة على عينها في المنع من التكفير بالصوم . و قال " أبو يوسف " C تعالى في الإملاء سألت " أبا حنيفة " رضى الله تعالى عنه عن المسافر لا يجد الماء أيطلبه عن يمين الطريق و عن يساره قال أن طمع في ذلك فليفعل و لا يبعد فيضر بأصحابه ان انتظروه أو بنفسه أن انقطع عنهم و لا يطلب ذلك إلا أن يخبر بماء فيطلبه الغلوة و نحوها لأن الطلب إنما يؤمر به إذا كان على رجاء من وجوده فإن لم يكن على رجاء منه فلا فائدة في الطلب و عدم الوجود كالوجود يتحقق من غير تقدم الطلب يقال وجد فلان لقطة و قال الله تعالى " ووجدك عائلا فأغنى " قال و ان كان المسافر في ردغة و طين لا يجد الماء و لا الصعيد نفض ثوبه أو لبده و تيمم بغباره و لا يؤمر بالتيمم بالطين و ان كان لو فعل أجزأه في قول " أبي حنيفة " C تعالى لأن فيه تلويث الوجه و هو مثلة و لكنه ينفض لبده .
( يتبع . . . )