قال رضي الله تعالي عنه التيمم في اللغة القصد و منه قول القائل .
و ما أدرى إذا يممت أرضا .
_________ .
أريد الخير أيهما يلينى .
أي قصدت و في الشريعة عبارة عن القصد إلى الصعيد للتطهير الإسم شرعي فيه معنى اللغة و ثبوت التيمم بالكتاب و السنة أما الكتاب فقوله تعالى " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " و نزول الآية في غزوة " المريسيع " " حين عرس رسول الله A ليلة فسقط عقد " عائشة " Bها فلما ارتحلوا ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث رجلين في طلبه و نزلوا ينتظرونهما فأصبحوا و ليس معهم ماء فأغلظ " أبو بكر " رضي الله تعالي عنه على " عائشة " Bهما و قال حبست رسول الله A و المسلمين على غير ماء فنزلت آية التيمم فلما صلوا جاء " أسيد بن الحضير " إلى مضرب " عائشة " رضي الله تعالي عنها فجعل يقول ما أكثر بركتكم يا آل أبي بكر و في رواية يرحمك الله يا " عائشة " ما نول بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه فرجا " و السنة " ماروى عن رسول الله A أنه قال جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت و صليت " و " قال عليه الصلاة و السلام التراب طهور المسلم و لو إلى عشر حجج ما لم تجد الماء " إذا عرفنا هذا فنقول ينتظر من لا يجد الماء آخر الوقت ثم يتيمم صعيدا طيبا و هذا إذا كان على طمع من وجود الماء فإن كان لا يرجو ذلك لا يؤخر الصلاة عن وقتها المعهود لأن الإنتظار انما يؤمر به إذا كان مفيدا فاذا كان على طمع فالإنتظار مفيد لعله يجد الماء فيؤدي الصلاة بأكمل الطهارتين و إذا لم يكن على طمع من الماء فلا فائدة في الإنتظار فلا يشتغل به ثم بين صفة التيمم فقال يضع يديه على الأرض ثم يرفعهما فينفضهما و يمسح بهما وجهه ثم يضع يديه ثانية على الأرض ثم يرفعهما فينفضهما ثم يمسح بهما كفيه و ذراعيه من المرفقين . قال فإن مسح وجهه و ذراعيه و لم يمسح ظهر كفيه لم يجزه فقد ذكر الوضع و الآثار جاءت بلفظ الضرب " قال A " لعمار بن ياسر " أما يكفيك ضربتان " و الوضع جائز و الضرب أبلغ ليتخلل التراب بين أصابعه و ينفضهما مرة و عن " أبي يوسف " C أنه .
صفحة [ 107 ] قال ينفضهما مرتين و في الحقيقة لا خلاف فإن ما التصق بكفه من التراب ان تناثر بنفضة واحدة يكتفي بها و ان لم يتناثر نفض نفضتين لأن الواجب التمسح بكف موضوع على الأرض لا استعمال التراب فإن استعمال التراب مثله ثم التيمم ضربتان عند عامة العلماء و كان " ابن سيرين " يقول ثلاث ضربات ضربة يستعملها للوجه و ضربة في الذراعين و ضربة ثالثة فيهما و حديث " عمار " حجة عله كما روينا و كذلك ظاهر قوله تعالى " فامسحوا بوجوهكم و أيديكم منه " يوجب المسح دون التكرار ثم التيمم إلى المرافق في قول علمائنا و " الشافعي " رحمهم الله تعالى . و قال " الأوزاعي " و " الأعمش " إلى الرسغين و قال " الزهرى " C إلى الآباط و حديث " عمار " رضى الله عنه قد ورد بكل ذلك فرجحنا روايته إلى المرفقين لحديثين أحدهما " حديث " أبي أمامة الباهلي " رضى الله تعالى عنه أن النبي A علمه التيمم ضربتان ضربة للوجه و ضربة لليدين إلى المرفقين " و المعنى فيه أن التيمم بدل عن الوضوء ثم الوضوء في اليدين إلى المرفقين فالتيمم كذلك و تقريره أنه سقط في التيمم عضوان أصلا و بقي عضوان فيكون التيمم فيهما كالوضوء في الكل كما أن الصلاة في السفر سقط منه ركعتان كان الباقي منها بصفة الكمال و لهذا شرطنا الإستيعاب في التيمم حتى إذا ترك شيئا من ذلك لم يجزه إلا في رواية " الحسن " عن " أبي حنيفة " C تعالى قال إلا كثر يقوم مقام الكمال لأن في الممسوحات الاستيعاب ليس بشرط كما في المسح بالخف و الرأس فأما في ظاهر الرواية الإستيعاب في التيمم فرض كما في الوضوء و لهذا قالوا لابد من نزع الخاتم في التيمم و لا بد من تخليل الأصابع ليتم به المسح . و من قال التيمم إلى الرسغ استدل بآية السرقة قال الله تعالى " و السارق و السارقة فأقطعوا أيديهما " ثم كان القطع من الرسغ و لكنا نقول ذاك عقوبة و في العقوبات لا يؤخذ إلا باليقين و التيمم عبادة و في العبادات يؤخذ بالإحتيياط و من قال إلى الآباط قال اسم الأيدي مطلقا يتناول الجارحة من رؤوس الأصابع إلى الآباط و لكنا نقول التيمم بدل عن الوضوء فالتنصيص على الغاية في الوضوء يكون تنصيصا عليه في التيمم يقول في الكتاب . و قال " أبو يوسف " C تعالى سألت " أبا حنيفة " C تعالى عن التيمم فقال الوجه و الذراعان إلى المرفقين فقلت كيف فمال بيده على السعيد فأقبل بيده و أدبر ثم نفضهما ثم مسح وجهه ثم أعاد كفيه جميعا على الصعيد فأقبل لهما و أدبر ثم رفعهما و نفضهما ثم مسح بكل كف ظهر ذراع الأخرى و باطنها إلى المرفقين و في قوله أقبل بهما و أدبر وجهان . أحدهما أنه قبل الوضع على الأرض أقبل بهما و أدبر لينظر هل التصق بكفه شيء يصير حائلا بينه و بين الصعيد و الثاني أقبل بهما على الصعيد و أدبر بهما و هذا هو الأظهر . قال و ان كان مع رفيق له ماء فطلب منه فلم يعطه فتيمم و صلى أجزأه لأنه عادم للماء حين منعه صاحب الماء و هو شرط التيمم و ان لم يطلب منه حتى تيمم و صلى لم يجزه لأن الماء مبذول في الناس عادة خصوصا للطهارة فلا يصير عادما للماء إلا بمنع صاحبه فلا يظهر ذلك إلا بطلبه فإذا لم يطلب لا يجزئه فأما إذا لم يكن مع أحد من الرفقة ماء و تيمم و صلى جازت صلاته و ان لم يطلب الماء عندنا . و قال " الشافعي " رضي الله تعالى عنه لا بد من طلب الماء أو لا يمنة و يسرة فيهبط واديا و يعلو شرفا ان كان ثمة لقوله تعالى " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " و ذلك لا يتبين إلا بطلبه و لكنا نقول الطلب و قد يلحقه الحرج فربما ينقطع عن أصحابه و ما شرع التيمم إلا لدفع الحرج قال الله تعالى " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " قال و كل شيء من الأرض تيممم به من تراب أو جص أو نورة أو زرنيخ فهو جائز في قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى و كان " أبو يوسف " C تعالى يقول أو لا لا يجوز التيمم إلا بالتراب و الرمل ثم رجع فقال لا يجزئه إلا بالتراب الخالص و هو قول " الشافعي " رضى الله تعالى عنه و احتج بقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا . قال " أبن عباس " رضى الله تعالى عنه الصعيد هو التراب الخالص . و قال صلى الله عليه و سلم التراب طهور المسلم و الجص و النورة ليسا بتراب فلا يجوز التيمم بهما و ما سوى التراب مع التراب بمنزلة سائر المائعات مع الماء في الوضوء فكما يختص الوضوء بالماء دون سائر المائعات فكذلك التيمم و فيه اظهار كرامة الآدمي فانه مخلوق من التراب و الماء فحصا بكونهما طهورا لهذا و " أبو يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى استدلا بالآية فإن الصعيد هو الأرض " قال صلى الله عليه و سلم يحشر العلماء في صعيد واحد .
كأنهما سبيكة فضة فيقول الله تعالى يا معشر العلماء اني لم أضع علمي فيكم إلا لعلمى بكم أني لم أضع حكمتي فيكم و أنا أريد أن أعذبكو انطلقوا مغفورا لكم " فدل أن الصعيد هو الأرض . و " قال A جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا " ثم ما سوى التراب من الأرض .
أسوة التراب في كونه مكان الصلاة فكذلك في كونه طهورا .
صفحة [ 109 ] و بين أن الله يسر عله و على أمته و قد تدركه الصلاة في غير موضع التراب كما تدركه في موضع التراب فيجوز التيمم بالكل تيسيرا ثم حاصل المذهب أن ما كان من جنس الأرض فالتييم به جائز و ما لا فلا حتى لا يجوز التيمم بالذهب و الفضة لأنهما جوهران مودعان في الأرض ليس من جنسه حتى يذوب بالذوب و كذلك الرماد من الحطب لأنه ليس من جنس الأرض هكذا ذكر الشيخ الإمام " السرخسى " و غيره من مشايخنا رحمهم الله قال ان كان الملح جبليا يجوز لأنه من جنس التراب واحد كان مائعا لا يجوز لأنه ليس من جنس التراب داء سبخ و أما الكحل و المرداء سبخ من جنس الأرض فيجوز التيمم بهما و الأجر كذلك لأنه طين مستحجر فهو كالحجر الأصلى و التيمم بالحجر يجوز في قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى و ان لم يكن عليه غبار . و عن " محمد " C تعالى فيه روايتان في احدى الروايتين لا يجوز إلا أن يكون عليه غبار . و الدليل على الجواز " حديث " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم بال فسلم عليه رجل فلم يرد عليه حتى كاد الرجل يتوارى بحيطان المدينة فضرب بيده على الحائط فتيمم ثم رد عليه السلام " و حيطانهم كانت من الحجر فدل على جواز التيمم بها و كذلك الطين عند " أبي حنيفة " C تعالى يجوز به التيمم لأنه من جنس الأرض و في احدى الروايتين عن " محمد " C تعالى لا يجوز بالطين قال و إذا نفض ثوبه أو لبده و تيمم بغباره و هو يقدر على الصعيد اجزاه في قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما لله تعالى و لا يجزئه عند " أبي يوسف " C إلا إذا كان لا يقدر على الصعيد ووجهه أن الغبار ليس بتراب خالص و لكنه من التراب من وجه و المأمور به التيمم بالصعيد فإن قدر عليه لم يجزه إلا بالصعيد و ان لم يقدر فحينئذ تيمم بالغبار كما ان العاجز عن الركوع و السجود يصلى بالإيماء و " أبو حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى احتجا بحديث " عمر " رضي الله تعالى عنه فانه كان مع أصحابه في سفر فنظروا بالخابية فأمرهم أن ينفضوا لبودهم و سروجهم و يتيمموا بغبارها و لان الغبار تراب فإن من نفض ثوبه يتأذى جاره من التراب إلا أنه دقيق و كما يجوز التيمم بالخشن من التراب على كل حال فكذلك بالدقيق منه قال و ان تيمم في أول الوقت أجزأه و كذلك قبل دخول الوقت عندنا و قال " الشافعي " C تعالى لا يجزئه قبل دخول الوقت لأنها طهارة ضرورية فلا يعتد بها قبل تحقق الضرورة لكنها نستدل بقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فشرك عدم الماء فقط و جعله في حال .
صفحة [ 110 ] عدم الماء كالوضوء ثم التوضؤ بالماء قبل دخول الوقت لتقرر سببه و هو الحدث فكذلك التيمم فإن وجد الماء بعد ذلك فهو على أوجه أن وجده قبل الشروع في الصلاة يبطل تيممه إلا على قول " أبي سلمة بن عبد الرحمن " Bهما قال الطهارة متى صحت لا يرفعها إلا الحدث ووجود الماء ليس بحدث و لكنا " نستدل بقوله صلىالله عليه وسلم التراب كافيك " و لو إلى عشر حجج ما لم تجد الماء فاذا وجدت الماء فأمسه بشرتك و لأن التيمم لا يرفع الحدث و لكنه طهارة شرعا إلى غاية و هو وجود الماء و من حكم الغاية أن يكون ما بعدها خلاف ما قبلها فعند وجود الماء يصير محدثا بالحدث السابق و ان وجد الماء في خلال الصلاة فعليه أن يتوضأ و يستقبل القبلة عندنا و هو أحد أقاويل " الشافعي " C تعالى . و في قول آخر يقرب الماء منه حتى يتوضأ و يبنى و أظهر أقاويله أنه يمضى على صلاته . وجه قوله أن الشروع في الصلاة قد صح بطهارة التيمم فلا يبطل برؤية الماء كما لو رأى بعد الفراغ من الصلاة و إذا لم يبطل ما أدى فحرمة الصلاة تمنعه من استعمال الماء فلا يكون واجدا للماء كما لو كان بينه و بين الماء مانع أو كان على راس البئر و ليس معه آلة الإستسقاء { و لنا } أن طهارة التيمم انتهت بوجود الماء فلو أتم صلاته أتمها بغير طهارة و ذلك لا يجوز و حرمة الصلاة انما تمنعه من استعمال الماء أن لو بقيت و لم تبق ها هنا لما بينا أن التيمم لا يرفع الحدث فعند وجود الماء يصير محدثا بحدث سابق على الشروع في الصلاة و ذلك يمنعه من البناء كخروج الوقت في حق المستحاضة لأن البناء على الصلاة عرف بالأثر و ذلك في حدث يسبقه للحال فلهذا ألزمناه الوضوء و استقبال الصلاة و الشروع في الصلاة و ان صح كما قال إلا أن المقصود لم يحصل به لأنه اسقاط الفرض عن ذمته و متى قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل سقط اعتبار البدل كالمعتدة بالأشهر إذا حاضت و ان وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة و السلام لم تلزمه الإعادة إلا على قول " مالك " C فانه يقول إذا وجد الماء في الوقت يعيد الصلاة لأن طهارة التيمم لضرورة التمكن به من أداء الصلاة و الأداء باعتبار الوقت فاذا ارتفعت هذه الضرورة بوجود الماء في الوقت سقط اعتبار التيمم كالمريض إذا أحج رجلا بماله ثم برئ فعليه حجة الإسلام لبقاء الوقت فإن العمر للحج كالوقت للصلاة { ولنا } ما " روي أن رجلين من أصحاب رسول الله A صليا بالتيمم في الوقت ثم وجدا الماء فأعاد أحدهما و لم يعد الآخر فسألا عن ذلك رسول الله A فقال للذي أعاد أتاك أجرك مرتين .
( يتبع . . . )