( والأرحام ) قرأه الجمهور بالنصب عطفا على أسم الله . وقرأه حمزة بالجر عطفا على الضمير المجرور . فعلى قراءة الجمهور يكون الأرحام مأمورا بتقواها على المعنى المصدري أي اتقائها وهو على حذف مضاف أي اتقاء حقوقها فهو من استعمال المشرك في معنييه وعلى هذه القراءة فالآية ابتداء تشريع وهو ما أشار إليه قوله تعالى : ( وخلق منها زوجها ) وعلى قراءة حمزة يكون تعظيما لشأن الأرحام أي التي يسأل بعضكم بعضا بها وذلك قول العرب ( ناشدتك الله والرحم ) كما روي في الصحيح : أن النبي A حين قرأ على عتبة بن ربيعة سورة فصلت حتى بلغ ( فأن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة عاد وثمود ) فأخذت عتبة رهبة وقال : ناشدتك الله والرحم . وهو ظاهر محمل هذه الرواية وإن أباه جمهور النحاة استعظاما لعطف الاسم على الضمير المجرور بدون إعادة الجار حتى قال المبرد " لو قرأ الإمام بهاته القراءة لأخذت نعلي وخرجت من الصلاة " وهذا من ضيق العطن وغرور بأن العربية منحصرة فيما يعلمه ولقد أصاب مالك في تجويزه العطف على المجرور بدون إعادة الجار فتكون تعريضا بعوائد الجاهلية إذ يتساءلون بينهم بالرحم وأواصر القرابة ثم يهملون حقوقها ولا يصلونها ويعتدون على الأيتام من اخوتهم وأبناء أعمامهم فناقضت افعاله وأيضا هم آذوا النبي A وظلموه وهو من ذوي رحمهم وأحق الناس بصلتهم كما قال تعالى ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) وقال ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) . وقال ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) . وعلى قراءة حمزة يكون معنى الآية تتمة لمعنى التي قبلها .
( وآتوا اليتامى أموالهم ولا تستبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا [ 2 ] ) مناسبة عطف المر على ما قبله أنه من فروع تقوى الله في حقوق الأرحام لأن المتصرفين في أموال اليتامى في غالب الأحوال هم أهل قرابتهم أومن فروع تقوى الله الذي يتساءلون به والأرحام فيجعلون الأرحام من الحظ ما جعلهم يقسمون بها كما يقسمون بالله . وشيء هذا شأنه حقيق بأن تراعى أواصره ووشائجه وهم لم يرقبوا ذلك . وهذا مما أشار إليه قوله تعالى ( وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ... ) .
والإيتاء حقيقته الدفع والإعطاء الحسي ويطلق على تخصيص الشيء بالشيء مجعله حقا له مثل إطلاق الإعطاء في قوله تعالى ( إنا أعطيناك الكوثر ) وفي الحديث " رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها " .
واليتامى جمع يتيم وجمع يتيمة فإذا جمعت به يتيمة فهو فعائل أصله يتائم فوقع فيه قلب مكاني فقالوا يتامىء ثم خفقوا الهمزة فصارت ألفا وحركت الميم بالفتح وإذا جمع به يتيم فهو إما جمع الجمع بأن جمع أولا على يتمى كما قالوا : أسير وأسرى ثم جمع يتامى مثل أسارى بفتح الهمزة أو جمع فغيل على فعائل لكونه صار اسما مثل أفيل وافائل ثم صنع به من القلب ما ذكرناه آنفا . وقد نطقت العرب بجمع يتيمة على يتائم وبجمع فعيل على فعائل في قول بشر النجدي : .
أأطلال حسن في البراق التائم ... سلام على أطلالهن القدائم واستقاق اليتيم من الانفراد ومنه الدرة اليتيمة أي المنفردة بالحسن وفعله من باب ذرب وهو قاصر وأطلقه العرب على من فقد أبوه في حال صغره كأنه بقي منفردا لا يجد من يدفع عنه ولم يعتد العرب بفقد الأم في إطلاق وصف اليتيم إذ لا يعدم الولد كافلة ولكنه يعدم بفقد أبيه من يدافع عنه وينفقه . وقد ظهر مما راعوه في الاشتقاق أن الذي يبلغ الرجال لا يستحق أن يسمى يتيما إذ قد بلغ الدفع عن نفسه وذلك هو إطلاق الشريعة لاسم اليتيم والأصل عدم النقل .
وقيل : هو في اللغة فقد أبوه ولو كان كبيرا أو كان صغيرا وكبر ولا أحسب هذا الإطلاق صحيحا . وقد أريد باليتامى هنا ما يشمل الذكور والإناث وغلب في ضمير التذكير في قوله ( أموالهم ) .
A E