والنفس الواحدة : هي آدم . والزوج : حواء فإن حواء أخرجت من آدم من ضلعه كما يقتضيه ظاهر قوله ( منها ) .
A E و ( من ) تبعيضية . ومعنى التبغيض أن حواء خلقت من جزء من آدم . قيل : من بقية الطينة التي خلق منها آدم . وقيل : فصلت قطعة من ضلعه وهو ظاهر الحديث الوارد في الصحيحين .
ومن قال : إن المعنى وخلق منها زوجها من نوعها لم يأت بطائل لأن ذلك لا يختص بنوع الإنسان فإن انثنى كل نوع هي من نوعه .
وعطف قوله ( وخلق منها زوجها ) على ( خلقكم من نفس واحدة ) فهو صلة ثانية . وقوله ( وبث منهما ) صلة ثالثة لأن الذي يخلق هذا الخلق العجيب جدير بأن يتقى ولأن في معاني هذه لبصلات زيادة تحقيق اتصال الناس بعضهم ببعض إذ الكل من أصل واحد وإن كان خلقهم ما حصل إلا من زوجين فكل أصل من أصولهم ينتمي إلى أصل فوقه .
وقد حصل من ذكر هذه الصلات تفصيل لكيفية خلق الله الناس من نفس واحدة . وجاء الكلام على هذا النظم توفية بمقتضى الحال الداعي الإتيان باسم الموصول ومقتضى الحال الداعي لتفصيل حالة الخلق العجيب . ولو غير هذا الأسلوب فجيء بالصورة المفصلة دون سبق إجمال فقيل : الذي خلقكم من نفس واحدة وبث منها رجالا كثيرا ونساء لفاتت الإشارة إلى الحالة العجيبة . وقد ورد في الحديث : أن حواء خلقت من ضلع آدم فلذلك يكون حرف ( من ) في قوله ( وخلق منها ) للابتداء أي أخرج خلق حواء من ضلع آدم . والزوج هنا أريد به الأنثى الأولى التي تناسل منها البشر وهي حواء . وأطلق عليها اسم الزوج لأن الرجل يكون منفردا فإذا اتخذ امرأة فقد صار زوجا في بيت فكل واحد منهما زوج للآخر بهذا الاعتبار وإن كان أصل لفظ الزوج أن يطلق على مجموع الفردين فإطلاق الزوج على كل واحد من الرجل والمرأة المتعاقدين تسامح صار حقيقة عرفية ولذلك استوى الرجل والمرأة لأنه من الوصف بالجامد فلا يقال للمرأة " زوجة " ولم يسمع في فصيح الكلام ولذلك عده بعض أهل اللغة لحنا . وكان الأصمعي ينكره أشد الإنكار .
أذو زوجة أم ذو خصومة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا فقال : إن الرمة أكل المالح والبقل في حوانيت البقالين يريد أنه مولده .
وقال الفرزدق : .
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها وشاع ذلك في كلام الفقهاء قصدوا به التفرقة بين الرجل والمرأة عند ذكر الأحكام وهي تفرقة حسنة . وتقدم عند قوله تعالى ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ) في سورة البقرة .
وقد شمل قوله ( وخلق منها زوجها ) العبرة بهذا الخلق العجيب الذي أصله واحد ويخرج هو مختلف الشكل والخصائص والمنة على الذكران بخلق النساء لهم والمنة على النساء بخلق الرجال لهم ثم من على النوع بنعمة النسل في قوله ( وبث منهما رجالا كثيرا نساء ) مع ما في ذلك من الاعتبار بهذا التكوين العجيب .
والبث : النشر والتفريق للأشياء الكثيرة قال تعالى ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) .
ووصف الرجال وهو جمع بكثير وهو مفرد لأن كثير يستوي فيه المفرد والجمع وقد تقدم في قوله تعالى ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) في سورة آل عمران البث من الكثرة .
( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [ 1 ] ) شروع في التشريع المقصود من السورة وأعيد فعل ( اتقوا ) : لأن هذه التقوى مأمور بها المسلمون خاصة فإنهم قد بقيت فيهم بقية من عوائد الجاهلية لا يشعرون بها وهي التساهل في حقوق الأرحام والأيتام .
واستحضر أسم الله العلم هنا دون ضمير يعود إلى ربكم لإدخال الروع في ضمائر السامعين . لأن المقام مقام تشريع يناسبه إيثار المهابة بخلاف مقام قوله ( اتقوا ربكم ) فهو مقام ترغيب . ومعنى ( تساءلون به ) يسأل بعضكم بعضا به في القسم فالمسائلة به تؤذن بمنتهى العظمة فكيف لا تتقونه .
وقرأ الجمهور ( تساءلون ) " بتشديد السين " لإدغام التاء الثانية وهي تاء التفاعل في السين لقرب المخرج واتحاد الصفة وهي الهمس . وقرأ حمزة وعاصم والكسائي وخلف : تساءلون " بتخفيف السين " على أن تاء الافتعال حذفت تخفيفا .
A E