أي قال قائل من المسلمين اخرجوا من مكة وعليه فكل ما ورد مما فيه أنهم أخرجوا من ديارهم بغير حق فتأويله أنه الإلجاء إلى الخروج ومنه قول ورقة ابن نوفل " يا ليتني أكونة معك إذ يخرجك قومك " وقول النبي A له " أو مخرجي هم ؟ فقال : ما جاء نبي بمثل ما جئت به إلا عودي " . وقوله ( وأوذوا في سبيلي ) أي أصابهم الأذى وهو مكروه قليل من قول أو فعل وفهم منه أن من أصابهم الضر أولى بالثواب وأوفى . وهذه حالة تصديق بالذين أوذوا قبل الهجرة وبعدها .
وقوله ( وقاتلوا وقتلوا ) جمع بينهما الإشارة إلى أن للقسمين ثوابا . وقرأ الجمهور : وقاتلوا وقتلوا وقرأ حمزة . والكسائي وخلف : وقتلوا وقاتلوا عكس قراءة الجمهور ومآل القراءتين واحد وهذه حالة تصديق على المهجرين والأنصار من الذين جاهدوا فاستشهدوا أو بقوا . وقوله ( لأكفرن عنهم سيئاتهم ) إلخ مؤكد بلام القسم . وتكفير السيئات تقدم السيئات تقدم آنفا .
( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد [ 196 ] متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد [ 197 ] لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار [ 198 ] ) اعتراض في أثناء هذه الخاتمة نشأ عن قوله ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم ) باعتبار ما يتضمنه عدم إضاعة العمل كم الجزاء عليه جزاء كاملا في الدنيا والآخرة وما يستلزمه ذلك من حرمان الذين لم يستجيبوا لداعي الإيمان وهم المشركون وهم المراد بالذين كفروا كما هو مصطلح القراء .
والخطاب لغير معين ممن يتوهم أن يغره حسن حال المشركين في الدنيا .
والغرر والغرور : الإطماع في أمر محبوب على نية عدم وقوعه أو إظهار الأمر المضر في صورة النافع وهو مشتق من الغرة بكسر الغين وهي الغفلة ورجل غر بكسر الغين إذا كان ينخدع لمن خادعه . وفي الحديث ( المؤمن غر كريم ) أي يظن الخير بأهل الشر إذا أظهروا له الخير .
وهو هنا مستعار لظهور الشيء في مظهر محبوب وهو في العاقبة مكروه .
وأسند فعل الغرور إلى التقلب لأن التقلب سببه فهو مجاز عقلي والمعنى لا ينبغي أن لا يغرك . ونظيره ( لا يفتننكم الشيطان ) و ( لا ) ناهية لأن نون التوكيد لا تجيء مع النفي .
وقرأ الجمهور : لا يغرنك بتشديد الراء وتشديد النون وهي نون التوكيد الثقيلة وقرأها رويس عن يعقوب بنون ساكنة وهي نون التوكيد الخفيفة .
والتقلب : تصرف على حسب المشيئة في الحروب والتجارات والغرس ونحو ذلك قال تعالى ( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ) .
A E والبلاد : الأرض والمتاع : الشيء الذي يشتري للتمتع به .
وجملة ( متاع قليل ) إلى آخرها بيان لجملة ( لا يغرنك ) . والمتاع : المنفعة العاجلة قال تعالى ( وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) .
وجملة ( لكن اتقوا ربهم ) إلى آخرها افتتحت بحرف الاستدراك لأن مضمونها ضد الكلام الذي قبلها لأن معنى ( لا يغرنك ) إلخ وصف ما هم فيه بأنه متاع قليل أي غير دائم وأن المؤمنين المتقين لهم منافع دائمة .
وقرأ الجمهور : بتخفيف النون ساكنة مخففة من الثقيلة وهي مهملة وقرأه أبو جعفر بتشديد النون مفتوحة وهي عاملة عمل إن .
والنزل بضم النون والزاي وبضمنها مع سكون الزاي ما يعد للنزيل والضيف من الكرامة والقرى قال تعالى ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ) .
و ( الأبرار ) جمع البر وهو الموصوف بالمبرة والبر وهو حسن العمل ضد الفجور .
( وأن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشرون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب [ 199 ] )