و ( استجاب ) بمعنى أجاب عند جمهور أئمة اللغة فالسين والتاء للتأكيد مثل : استوقد واستخلص . وعن القراء وعلي بن عيسى الربعي : أن استجاب أخص من أجاب لأن استجاب يقال لمن قبل ما دعي إليه وأجاب أعم فيقال لمن أجاب بالقبول بالرد . وقال الراغب : الاستجابة هي التحري للجواب والتهيؤ له لكن عبر به عن الإجابة لقلة انفكاكها منه . ويقال : استجاب له واستجابه فعدي في الآية بالأم كما قالوا : حمد له وشكر له ويعدى بنفسه أيضا مثلها .
قال كعب بن سعد الغنوي يرثي قريبا له : .
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب وتعبيرهم في دعائهم بوصف ( بنا ) دون أسم الجلالة لما في وصف الربوبية من الدلالة على الشفقة بالمربوب ومحبة الخير له ومن الاعتراف بأنهم عبيده ولتتأتى الإضافة المفيدة التنشريف والقرب ولرد حسن دعائهم بمثله بقولهم " ربنا ربنا .
ومعنى نفي إضاعة عملهم نفي إلغاء الجزاء عنه : جعله كالضائع غير الحاصل في يد صاحبه .
فنفي إضاعة العمل بالاعتداد بعلمهم وحسبانه لهم فقد تضمنت الاستجابة تحقيق عدم إضاعة العمل تطمينا لقلوبهم من وجل عدم القبول وفي هذا دليل على أنهم أرادوا في قولهم ( وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) تحقيق قبول أعمالهم والاستعاذة من الحبط .
وقوله ( من ذكر أو أنثى ) بيان لعامل ووجه الحاجة إلى هذا البيان هنا أن الأعمال التي أتوا بها أكبرها الإيمان ثم الهجرة ثم الجهاد ولما كان الجهاد أكثر تكررا خيف أن يتوهم أن النساء لاحظ لهن في ذلك فهن في الإيمان والهجرة يساوين الرجال وهن لهن حظهن في ثواب الجهاد لأنهن يقمن على المرضى ويداوين الكلمى ويسقين الجيش وذلك عمل عظيم به استبقاء نفوس المسلمين فهو لا يقصر عن القتال الذي بع إتلاف نفوس عو المؤمنين .
وقوله ( بعضكم من بعض ) من فيه اتصالية أي بعض المستجاب لهم متصل ببعض وهي كلمة تقولها العرب بمعنى أن شأنهم واحد وأمرهم سواء . قال تعالى ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر ( إلخ... وقولهم : هو مني وأنا منه وفي عكسه يقولون كما قال النابغة : .
" فإني لست منك ولست مني وقد حملها جمهور المفسرين على معنى أن نساءكم ورجالكم يجمعهم أصل واحد وعلى هذا فموقع هذه الجملة موقع التعليل للتعميم في قوله ( من ذكر أو أنثى ) أي لأن شأنكم واحد . وكل قائم بما لو لم يقم بع لضاعت مصلحة الآخر فلا جزم أن كانوا سواء في تحقيق وعد الله إياهم وإن اختلفت أعمالهم وهذا كقوله تعالى ( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما أكتسبن ) .
A E والأظهر عندي أن ليس هذا تعليلا لمضمون قوله ( من ذكر أو أنثى ) بل هو بيان للتساوي في الأخبار المتعلقة بضمائر المخاطبين أي أنتم في عنايتي بأعمالكم سواء وهو قضاء لحق ما لهم من الأعمال الصالحة المتساوين فيها ليكون تمهيدا لبساط تمييز المهاجرين بفضل الهجرة الآتي في قوله ( فالذين هاجروا ) الآيات .
وقوله ( فالذين هاجروا ) تفريع عن قوله ( لا أضيع عمل عامل ) وهو من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام بذلك الخاص واشتمل على بيان ما تفضلوا فيه العمل وهو الهجرة التي فاز بها المهاجرون .
والمهاجرة : هي ترك الموطن بقصد استيطان غيره والمفاعلة فيها للتقوية كأنه هجر قومه وهجروه لأنهم لم يحصروا على بقائه وهذا أصل المهاجرة أن تكون لمنافرة ونحوها وهي تصديق بهجرة الذين هاجروا إلى بلاد الحبشة وبهجرة الذين هاجروا إلى المدينة .
وعطف قوله ( وأخرجوا من ديارهم ) على ( هاجروا ) لتحقيق معنى المفاعلة في هاجر أي هاجروا مهاجرة لزهم إليها قومهم سواء كان الإخراج بصريح القول أن بالإلجاء من جهة سوء المعاملة ولقد هاجر المسلمون الهجرة الأولى إلى الحبشة لما لاقوه من سوء معاملة المشركين ثم هاجر رسول الله A هجرته إلى المدينة والتحق به المسلمون كلهم لما لاقوه من أذى المشركين . ولا يوجد ما يدل على أن المشركين أخرجوا المسلمين وكيف واختفاء رسول الله A عند خروجه إلى المدينة يدل على حرص المشركين على صده عن الخروج ويدل لذلك أيضا قول كعب : .
في فتية من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا