وقد عارض هذا الدليل أبو حامد الغزالي في المستصفى فقال " نفى كون البسملة من القرآن أيضا إن ثبت بالتواتر لزم أن لا يبقى الخلاف " أي وهو ظاهر البطلان " وإن ثبت بالآحاد يصير القرآن ظنيا قال ولا يقال إن كون شيء ليس من القرآن عدم والعدم لا يحتاج إلى الإثبات لأنه الأصل بخلاف القول بأنها من القرآن لأنا نجيب بأن هذا وإن كان عدما إلا أن كون التسمية مكتوبة بخط القرآن يوهن كونها ليست من القرآن فها هنا لا يمكننا الحكم بأنها ليست من القرآن إلا بالدليل ويأتي الكلام في أن الدليل ما هو فثبت أن الكلام الذي أورده القاضي لازم عليه اه وتبعه على ذلك الفخر الرازي في تفسيره ولا يخفى أنه آل في استدلاله إلى المصادرة إذ قد صار مرجع استدلال الغزالي وفخر الدين إلى رسم البسملة في المصاحف وسنتكلم عن تحقيق ذلك عند الكلام على مدرك الشافعي . وتعقب ابن رشد في بداية المجتهد كلام الباقلاني والغزالي بكلام غير محرر فلا نطيل به .
وأما المسلك الثاني وهو الاستدلال من الأثر فلا نجد في صحيح السنة ما يشهد بأن البسملة آية من أوائل سور القرآن والأدلة ستة : الدليل الأول : ما روى مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن إلى أبي هريرة أن رسول الله A قال : قال الله تعالى قسمت الصلاة نصفين بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل يقول العبد الحمد لله رب العالمين فأقول حمدني عبدي إلخ والمراد في الصلاة القراءة في الصلاة ووجه الدليل منه أنه لم يذكر بسم الله الرحمن الرحيم .
الثاني : حديث أبي بن كعب في الموطأ والصحيحين أن رسول الله A قال له : ألا أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل مثلها قبل أن تخرج من المسجد ؟ قال : بلى فلما قارب الخروج قال له : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال أبي : فقرآت الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها فهذا دليل على أنه لم يقرأ منها البسملة .
الثالث : ما في صحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي عن أنس بن مالك من طرق كثيرة أنه قال : صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا في أول قراءة ولا في آخرها .
الرابع : حديث عائشة في صحيح مسلم وسنن أبي داود قالت : كان رسول الله يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين .
الخامس : ما في سنن الترمذي والنسائي عن عبد الله بن مغفل قال : صليت مع النبي وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقول بسم الله الرحمن الرحيم إذا أنت صليت فقل الحمد لله رب العالمين .
السادس : وهو الحاسم : عمل أهل المدينة فإن المسجد النبوي من وقت نزول الوحي إلى زمن مالك صلى فيه رسول الله والخلفاء الراشدون والأمراء وصلى وراءهم الصحابة وأهل العلم ولم يسمع أحد قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة الجهرية وهل يقول عالم ان بعض السورة جهر وبعضها سر فقد حصل التواتر بأن النبي والخلفاء لم يجهروا بها في الجهرية فدل على أنها ليست من السورة ولو جهروا بها لما اختلف الناس فيها .
وهناك دليل آخر لم يذكروه هنا وهو حديث عائشة في بدء الوحي إلى رسول الله A وهو معتبر مرفوعا إلى النبي وذلك قوله " ففجئه الملك فقال : اقرأ قال رسول الله فقلت ما أنا بقارئ إلى أن قال فغطني الثالثة ثم قال ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) " الحديث . فلم يقل فقال لي بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ بسم ربك وقد ذكروا هذا في تفسير سورة العلق وفي شرح حديث بدء الوحي .
A E