فأما المبحث الأول فهو أن لا خلاف بين المسلمين في أن لفظ بسم الله الرحمان الرحيم هو لفظ قرآني لأنه جزء آية من قوله تعالى ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) كما أنهم لم يختلفوا في أن الافتتاح بالتسمية في الأمور المهمة ذوات البال ورد في الإسلام وروي فيه حديث " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " لم يروه أصحاب السنن ولا المستدركات وقد وصف بأنه حسن وقال الجمهور إن البسملة رسمها الذين كتبوا المصاحف في أوائل السور ما عدا سورة براءة كما يؤخذ من محادثة ابن عباس مع عثمان وقد مضت في المقدمة الثامنة ولم يختلفوا في أنها كتبت في المصحف في أول سورة الفاتحة وذلك ليس موضع فصل السورة عما قبلها وإنما اختلفوا في أن البسملة هل هي آية من سورة الفاتحة ومن أوائل السور غير براءة بمعنى أن الاختلاف بينهم ليس في كونها قرآنا ولكنه في تكرر قرآنيتها كما أشار إليه ابن رشد الحفيد في البداية فذهب مالك والأوزاعي وفقهاء المدينة والشام والبصرة " وقيل باستثناء عبد الله بن عمرو ابن شهاب من فقهاء المدينة " إلى أنها ليست بآية من أوائل السور لكنها جزء آية من سورة النمل وذهب الشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وفقهاء مكة والكوفة غير أبي حنيفة إلى أنها آية في أول سورة الفاتحة خاصة وذهب عبد الله بن مبارك والشافعي في أحد قوليه وهو الأصح عنه إلى أنها آية من كل سورة . ولم ينقل عن أبي حنيفة من فقهاء الكوفة فيها شيء وأخذ منه صاحب الكشاف أنها ليست من السور عنده فعده في الذين قالوا بعدم جزئيتها من السور وهو الصحيح عنه . قال عبد الحكيم لأنه قال بعدم الجهر بها مع الفاتحة في الصلاة الجهرية وكره قراءتها في أوائل السور الموصولة بالفاتحة في الركعتين الأوليين .
وأزيد فأقول إنه لم ير الاقتصار عليها في الصلاة مجزئا عن القراءة .
أما حجة مذهب مالك ومن وافقه فلهم فيها مسالك : أحدها من طريق النظر والثاني من طريق الأثر والثالث من طريق الذوق العربي .
فأما المسلك الأول فللمالكية فيه مقالة فائقة للقاضي أبي بكر الباقلاني وتابعه أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن والقاضي عبد الوهاب في كتاب الاشراف قال الباقلاني : " لو كانت التسمية من القرآن لكان طريق إثباتها إما التواتر أو الآحاد والأول باطل لأنه لو ثبت بالتواتر كونها من القرآن لحصل العلم الضروري بذلك ولامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمة والثاني أيضا باطل لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن فلو جعلناه طريقا إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية ولصار ذلك ظنيا ولو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض أن القرآن دخله الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف " اه " وهو كلام وجيه والأقيسة الاستثنائية التي طواها في كلامه واضحة لمن له ممارسة للمنطق وشرطياتها لا تحتاج للاستدلال لأنها بديهية من الشريعة فلا حاجة إلى بسطها " . زاد أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن فقال : يكفيك أنها ليست من القرآن الاختلاف فيها والقرآن لا يختلف فيه اه . وزاد عبد الوهاب فقال : " إن رسول الله بين القرآن بيانا واحدا متساويا ولم تكن عادته في بيانه مختلفة بالظهور والخفاء حتى يختص به الواحد والاثنان ؛ ولذلك قطعنا بمنع أن يكون شيء من القرآن لم ينقل إلينا وأبطلنا قول الرافضة إن القرآن حمل جمل عند الإمام المعصوم المنتظر فلو كانت البسملة من الحمد لبينها رسول الله بيانا شافيا " اه .
وقال ابن العربي في العارضة : إن القاضي أبا بكر بن الطيب لم يتكلم من الفقه إلا في هذه المسألة خاصة لأنها متعلقة بالأصول .
A E