وتقدم في سورة الفلق أنها وسورة الناس تسميان ( المعوذتين ) و ( المشقشقتين ) بتقديم الشين على القافين وتقدم أيضا أن الزمخشري والقرطبي ذكرا أنهما تسميان ( المشقشقتين ) بتقديم القافين على الشينين وعنونها ابن عطية في المحرر الوجيز ( سورة المعوذة الثانية ) بإضافة ( سورة ) إلى ( المعوذة ) من إضافة الموصوف إلى الصفة . وعنونهما الترمذي ( المعوذتين ) وعنونها البخاري في صحيحه ( سورة قل أعوذ برب الناس ) .
وفي مصاحفنا القديمة والحديثة المغربية والمشرقية تسمية هذه السورة ( سورة الناس ) وكذلك أكثر كتب التفسير .
A E وهي مكية في قول الذين قالوا في سورة الفلق أنها مكية ومدنية في قول الذين قالوا في سورة الفلق أنها مدنية . والصحيح أنهما نزلتا متعاقبتين فالخلاف في إحداهما كالخلاف في الأخرى .
وقال في الإتقان : أن سبب نزولها قصة سحر لبيد بن الأعصم وأنها نزلت مع ( سورة الفلق ) وقد سبقه على ذلك القرطبي والواحدي وقد علمت تزييفه في سورة الفلق .
وعلى الصحيح من أنها مكية فقد عدت الحادية والعشرين من السور نزلت عقب سورة الفلق وقبل سورة الإخلاص .
وعد آيها ست آيات وذكر في الإتقان قولا : إنها سبع آيات وليس معزوا لأهل العدد .
أغراضها .
إرشاد النبي A لأن يتعوذ بالله ربه من شر الوسواس الذي يحاول إفساد عمل النبي A وإفساد إرشاده ويلقي في نفوس الناس الإغراض عن دعوته . وفي هذا الأمر إيماء إلى الله تعالى معيذه في ذلك فعاصمه في نفسه من تسلط وسوسة الوسواس عليه ومتمم دعوته حتى تعم في الناس . ويتبع ذلك تعليم المسلمين التعوذ بذلك فيكون لهم من هذا التعوذ بذلك فيكون لهم من هذا التعوذ ما هو حظهم . ومن قابلية التعرض إلى الوسواس ومن السلامة منه بمقدار مراتبهم في الزلفى .
( قل أعوذ برب الناس [ 1 ] ملك الناس [ 2 ] إله الناس [ 3 ] من شر الوسواس الخناس [ 4 ] الذي يوسوس في صدور الناس [ 5 ] من الجنة والناس [ 6 ] ) شابهت فاتحتها فاتحة سورة الفلق إلا أن سورة الفلق تعوذ من شرور المخلوقات من حيوان وناس وسورة الناس تعوذ من شرور مخلوقات خفية وهي الشياطين .
والقول في الأمر بالقول وفي المقول وفي أن الخطاب للنبي A والمقصود شموله أمته كالقول في نظيره في سورة الفلق سواء .
وعرف ( رب ) بإضافته إلى ( الناس ) دون غيرهم من المربوبين لأن الاستعاذة من شر من يلقيه الشيطان في قلوب الناس فيضلون ويضلون فالشر المستعاذ منه مصبه إلى الناس فناسب أن يستحضر المستعاذ إليه بعنوان أنه رب من يلقون الشر ومن يلقى إليهم ليصرف هؤلاء ويدفع عن الآخرين كما يقال لمولى العبد : يا مولى فلان كف عني عبد .
وقد رتبت أوصاف الله بالنسبة إلى الناس ترتيبا مدرجا فإن الله خالقهم ثم هم غير خارجين عن حكمه إذا شاء أن يتصرف في شؤونهم ثم زيد بيانا بوصف إلهيته لهم ليتبين أن ربوبيته لهم وحاكميته فيهم ليست كربوبية بعضهم بعضا وحاكمية بعضهم في بعض .
وفي هذا الترتيب إشعار أيضا بمراتب النظر في معرفة الله تعالى فإن الناظر يعلن بادئ ذي بدء بأن له ربا بسبب ما يشعر به من وجود نفسه ونعمة تركيبه ثم يتغلغل في النظر فيشعر بأن ربه هو الملك الحق الغني عن الخلق ثم يعلم أنه المستحق للعبادة فهو إله الناس كلهم .
و ( ملك الناس ) عطف بيان من ( رب الناس ) وكذلك ( إله الناس ) فتكرير لفظ ( الناس ) دون اكتفاء بضميره لأن عطف البيان يقتضي الإظهار ليكون الاسم المبين " بكسر الياء " مستقلا بنفسه لأن عطف البيان بمنزلة علم للاسم المبين " بالفتح " .
والناس : اسم جمع للبشر جميعهم أو طائفة منهم ولا يطلق على غيرهم على التحقيق .
والوسواس : المتكلم بالوسوسة وهي الكلام الخفي قال رؤبة يصف صائدا في قترته : .
" وسوس يدعو مخلصا رب الفلق فالوسواس اسم فاعل ويطلق الوسواس بفتح الواو مجازا على ما يخطر بنفس المرء من الخواطر التي يتوهمها مثل كلام يكلم به نفسه قال عروة بن أذينة : .
وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها