هذا هو أصل إطلاقه وتفرعت عنه إطلاقات صارت حقائق للفظ أحد أشهرها أنه يستعمل اسما بمعنى إنسان في خصوص النفي نحو قوله تعالى ( لا نفرق بين أحد من رسله ) في البقرة وقوله ( ولا أشرك بربي أحدا ) في الكهف وكذلك إطلاقه على العدد في الحساب نحو : أحد عشر وأحد وعشرين ومؤنثه إحدى ومن العلماء من خلط بين " واحد " وبين " أحد " فوقع في ارتباك .
فوصف الله بأنه ( أحد ) معناه : أنه منفرد بالحقيقة التي لوحظت في اسمه العلم وهي الإلهية المعروفة فإذا قيل ( الله أحد ) فالمراد أنه منفرد بالإلهية . وإذا قيل الله واحد فالمراد أنه واحد لا متعدد فمن دونه ليس بإله . ومآل الوصفين . ومآل الوصفين إلى معنى نفي الشريك له تعالى في إلهيته .
فلما أريد في صدر البعثة إثبات الوحدة الكاملة لله تعليما للناس كلهم وإبطالا لعقيدة الشرك وصف الله في هذه السورة ب ( أحد ) ولم يوصف ب " واحد " لأن الصفة المشبهة نهاية ما يمكن به تقريب معنى وحدة الله تعالى إلى عقول أهل اللسان العربي المبين .
وقال ابن سينا في تفسير له لهذه السورة : إن ( أحد ) دال على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لا كثرة هناك أصلا لا كثرة معنوية وهي كثرة المقومات والأجناس والفصول ولا كثرة حسية وهي كثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلا كما في المادة والصورة . والكثرة الحسية بالقوة أو بالفعل كما في الجسم وذلك متضمن لكونه سبحانه منزها عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما يثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة اللائقة بكرم وجهه D على أن يشبهه شيء أو يساويه سبحانه شيء . وتبيينه : أما الواحد فمقول على ما تحته بالتشكيك والذي لا ينقسم بوجهه أصلا أولى بالواحدية مما ينقسم من بعض الوجوه والذي لا ينقسم انقساما عقليا أولى بالواحدية من الذي ينقسم انقساما بالحس بالقوة ثم بالفعل فأحد جامع للدلالة على الواحدية من جميع الوجوه وأنه لا كثرة في موصوفه اه .
قلت : قد فهم المسلمون هذا فقد روي أن بلالا كان إذا عذب على الإسلام يقول : أحد أحد . وكان شعار المسلمين يوم بدر : أحد أحد .
والذي درج عليه أكثر الباحثين في أسماء الله تعالى أن ( أحد ) ليس ملحقا بالأسماء الحسنى لأنه لم يرد ذكره في حديث أبي هريرة عند الترمذي قال : " قال رسول الله A إن لله تسعا وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة " . وعدها ولم يذكر فيها وصف أحد وذكر وصف واحد وعلى ذلك درج إمام الحرمين في كتاب الإرشاد وكتاب اللمع والغزالي في شرح الأسماء الحسنى .
وقال الفهري في شرحه على لمع الأدلة لإمام الحرمين عند ذكر اسمه تعالى ( الواحد ) . وقد ورد في بعض الروايات الأحد فلم يجمع بين الاسمين في اسم .
ودرج ابن برجان الأشبيلي في شرح الأسماء والشيخ محمد بن محمد الكومي " بالميم " التونسي ولطف الله الأرضرومي في معارج النور على عد أحد في عداد الأسماء الحسنى مع اسمه الواحد فقالا : الواحد الأحد بحيث هو كالتأكيد له كما يقتضيه عدهم الأسماء تسعة وتسعين وهذا بناء على أن حديث أبي هريرة لم يقتض حصر الأسماء الحسنى في التسعة والتسعين وإنما هو لبيان فضيلة تلك الأسماء المعدودة فيه .
والمعنى : أن الله منفرد بالإلهية لا يشاركه فيها شيء من الموجودات . وهذا إبطال للشرك الذي يدين به أهل الشرك وللتثليث الذي أحدثه النصارى الملكانية وللثانوية عند المجوس وللعد الذي لا يحصى عند البراهمة .
فقوله ( الله أحد ) نظير قوله في الآية الأخرى ( إنما الله إله واحد ) . وهذا هو المعنى الذي يدركه المخاطبون في هذه الآية السائلون عن نسبة الله أي حقيقته فابتدئ لهم بأنه واحد ليعلموا أن الأصنام ليست من الإلهية في شيء .
ثم أن الأحدية تقتضي الوجود لا محالة فبطل قول المعطلة والدهريين .
A E