والصحيح أنه مكية فإنها جمعت أصل التوحيد وهو الأكثر فيما نزل من القرآن بمكة ولعل تأويل من قال : إنها نزلت حينما سأل عامر بن الطفيل وأربد أو حينما سأل أحبار اليهود : أن النبي A قرأ عليهم هذه السورة فظنها الراوي من الأنصار نزلت ساعتئذ أو لم يضبط الرواة عنهم عبارتهم تمام الضبط .
قال في الإتقان : وجمع بعضهم بين الروايتين بتكرر نزولها ثم ظهر لي ترجيح أنها مدنية كما بينته في أسباب النزول اه .
وعلى الأصح من أنها مكية عدت السورة الثانية والعشرون في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الناس وقبل سورة النجم .
وآياتها عند أهل العدد بالمدينة والكوفة والبصرة أربع وعند أهل مكة والشام خمس باعتبار ( لم يلد ) آية ( ولم يولد ) آية .
أغراضها .
إثبات وحدانية الله تعالى .
وأنه لا يقصد في الحوائج غيره وتنزيهه عن سمات المحدثات وإبطال أن يكون له ابن .
وإبطال ان يكون المولود إلها مثل عيسى عليه السلام .
والأحاديث في فضائلها كثيرة وقد صح أنها تعدل ثلث القرآن . وتأويل هذا الحديث مذكور في شرح الموطأ والصحيحين .
( قل هو الله أحد [ 1 ] ) افتتاح هذه السورة بالأمر بالقول لإظهار العناية بما بعد فعل القول كما علمت ذلك عند قوله تعالى ( قل يا أيها الكافرون ) .
ولذلك الأمر في هذه السورة فائدة أخرى وهي أنها نزلت على سبب قول المشركين : انسب لنا ربك فكانت جوابا عن سؤالهم فلذلك قيل له ( قل ) كما قال تعالى ( قل الروح من أمر ربي ) فكان للأمر بفعل ( قل ) فائدتان .
وضمير ( هو ) ضمير الشأن لإفادة الاهتمام بالجملة التي بعده وإذا سمعه الذين سألوا تطلعوا إلى ما بعده .
ويجوز أن يكون ( هو ) أيضا عائدا إلى الرب في سؤال المشركين حين قالوا : انسب لنا ربك .
ومن العلماء من عد ضمير ( هو ) في هذه السورة اسما من أسماء الله الحسنى وهي طريقة صوفية درج عليها فخر الدين الرازي في شرح الأسماء الحسنى نقله ابن عرفة عنه في تفسيره وذكر الفخر ذلك في مفاتيح الغيب ولا بد من المزج بين كلاميه .
وحاصلهما قوله ( قل هو الله أحد ) فيها ثلاثة أسماء لله تعالى تنبيها على ثلاثة مقامات .
الأول : مقام السابقين المقربين الناظرين إلى حقائق الأشياء من حيث هي هي فلا جرم ما رأوا موجودا سوى الله لأنه هو الذي لأجله يجب وجوده فما سوى الله عندهم معدوم فقوله ( هو ) إشارة مطلقة . ولما كان المشار إليه معينا انصرف ذلك المطلق إلى ذلك المعين فكان قوله ( هو ) إشارة من هؤلاء المقربين إلى الله فلم يفتقروا في تلك الإشارة إلى مميز فكانت لفظة ( هو ) كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء . المقام الثاني مقام أصحاب اليمين المقتصدين فهم شاهدوا الحق موجودا وشاهدوا الممكنات موجودة فحصلت كثرة في الموجودات فلم تكن لفظة ( هو ) تامة الإفادة في حقهم فافتقروا معها إلى مميز فقيل لأجلهم ( هو الله ) .
والمقام الثالث مقام أصحاب الشمال وهم الذين يجوزون تعدد الآلهة فقرن لفظ ( أحد ) بقوله ( هو الله ) إبطالا لمقالتهم اه .
فاسمه تعالى العلم ابتدئ به قبل إجراء الأخبار عليه ليكون ذلك طريق استحضار صفاته كلها عند التخاطب بين المسلمين وعد المحاجة بينهم وبين المشركين فإن هذا الاسم معروف عند جميع العرب فمسماه لا نزاع في وجوده ولكنهم كانوا يصفونه بصفات تنزه عنها .
أما ( أحد ) فاسم بمعنى " واحد " . وأصل همزته الواو فيقال : وحد كما يقال أحد قلبت الواو همزة على غير قياس لأنها مفتوحة " بخلاف قلب واو وجوه " ومعناه منفرد قال النابغة : .
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد أي كأني وضعت الرجل على ثور وحش أحس بأنسي وهو منفرد عن قطيعه .
وهو صفة مشبهة مثل حسن يقال : وحد مثل كرم ووحد مثل فرح . وصيغة الصفة المشبهة تفيد تمكن الوصف في موصوفها بأنه ذاتي له فلذلك أوثر ( أحد ) هنا على " واحد " لأن " واحد " اسم فاعل لا يفيد التمكن . ف " واحد " و ( أحد ) وصفان مصوغان بالتصريف لمادة متحدة وهي مادة الوحدة يعني التفرد .
A E