وقد اصطلح علماء الكلام من أهل السنة على استخراج الصفات السلبية الربانية من معنى الأحدية لأنه إذا كان منفردا بالإلهية كان مستغنيا عن المخصص بالإيجاب لأنه لو افتقر إلى من يوجده لكان من يوجده إلها أول منه فلذلك كان وجود الله قديما غير مسبوق بعدم ولا محتاج إلى مخصص للوجود بدلا عن العدم وكان مستعينا على الإمداد بالوجود فكان باقيا وكان غنيا عن غيره وكان مخالفا للحوادث وإلا لاحتاج مثلها إلى المخصص فكان وصفه تعالى ب ( أحد ) جامعا للصفات السلبية . ومثل ذلك يقال في مرادفه وهو وصف واحد .
واصطلحوا على أن أحدية الله أحدية واجبة كاملة فالله تعالى واحد من جميع الوجوه . وعلى كل التقادير فليس لكنه الله كثرة أصلا لا كثرة معنوية وهي تعدد المقومات من الأجناس والفصول التي تتقوم منها المواهي ولا كثرة الأجزاء في الخارج التي تتقوم منها الأجسام . فأفاد وصف ( أحد ) أنه منزه عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما ينافي الوحدة الكاملة كما أشار إليه ابن سينا .
قال في الكشاف : " وفي قراءة النبي A ( الله أحد ) بغير ( قل هو ) اه ولعله أخذه مما روى أن النبي A قال من قرأ ( الله أحد ) كان بعدل ثلث القرآن كما ذكره بأثر قراءة أبي بدون ( قل ) مما تأوله الطيبي إذ قال وهذا استشهاد على هذه القراءة .
وعندي إن صح ما روي من القراءة أن النبي A لم يقصد بها التلاوة وإنما قصد الامتثال لما أمر بأن يقول . وهذا كما كان يكثر أن يقول " سبحان ربي العظيم وبحمده اللهم اغفر لي " يتأول قوله تعالى ( فسبح بحمد ربك واستغفره ) .
( الله الصمد [ 2 ] ) جملة ثانية محكية بالقول المحكي به جملة ( الله أحد ) فهي خبر ثاني عن الضمير . والخبر المتعدد يجوز عطفه وفصله وإنما فصلت عن التي قبلها لأن هذه الجمل مسوقة لتلقين السامعين فكانت جديرة بأن تكون كل جملة مستقلة بذاتها غير ملحقة بالتي قبلها بالعطف على طريقة إلقاء المسائل على المتعلم نحو أن يقول : الحوز شرط صحة الحبس الحوز لا يتم إلا بالمعاينة ونحو قولك : عنترة من فحول الشعراء عنترة من أبطال الفرسان .
ولهذا الاعتبار وقع إظهار اسم الجلالة في قوله ( الله الصمد ) وكان مقتضى الظاهر أن يقال : هو الصمد .
والصمد : السيد الذي لا يستغنى عنه في المهمات وهو سيد القوم المطاع فيهم .
قال في الكشاف : وهو فعل بمعنى مفعول من : صمد إليه إذا قصده فالصمد المصمود في الحوائج . قلت : ونظيره السند الذي تسند إليه الأمور المهمة . والفلق اسم الصباح بأنه يتفلق عنه الليل .
والصمد : من صفات الله والله هو الصمد الحق الكامل الصمدية على وجه العموم .
فالصمد من الأسماء التسعة والتسعين في حديث أبي هريرة عند الترمذي . ومعناه : المفتقر إليه كل ما عداه فالمعدوم مفتقر وجوده إليه والموجود مفتقر في شؤونه إليه وقد كثرت عبارات المفسرين من السلف في معنى الصمد وكلها مندرجة تحت هذا المعنى الجامع وقد أنهاها فخر الدين إلى ثمانية عشر قولا . ويشمل هذا الاسم صفات الله المعنوية الإضافية وهي كونه تعالى حيا عالما مريدا قادرا متكلما سميعا بصيرا لأنه لو انتفى عنه أحد هذه الصفات لم يكن مصمودا إليه .
وصيغة ( الله الصمد ) صيغة قصر بسبب تعريف المسند فتفيد قصر صفة الصمدية على الله تعالى وهو قصر قلب الإبطال ما تعوده أهل الشرك في الجاهلية من دعائهم أصنامهم في حوائجهم والفزع إليها في نوائبهم حتى نسوا الله . قال أبو سفيان ليلة فتح مكة وهو بين يدي النبي A وقال له النبي A أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله " لقد علمت أن لو كان معه إله آخر لقد أغنى عني شيئا " .
( لم يلد ولم يولد [ 3 ] ) A E