وإسناد التب إلى اليدين لما روي من أن أبا لهب لما قال للنبي " تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا " أخذ بيد حجرا ليرميه به . وروي عن طارق المحاربي قال " بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا برجل حديث السن يقول : أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وإذا رجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه ساقيه وعرقوبيه يقول : " يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدقوه " . فقلت : من هذا ؟ فقالوا : هذا محمد يزعم أنه نبي وهذا عمه أبو لهب فوقع الدعاء على يديه لأنهما سبب أذا النبي A كما يقال للذي يتكلم بمكروه " بفيك الحجارة أو بفيك الكثكث " وقول النابغة : .
قعود الذي أبياتهم يثمدونهم ... رمى الله في تلك الأكف الكوانع ويقال بضد ذلك للذي يقول كلاما حسنا : لافض فوك وقال إعرابي من بني أسد : .
دعوت لما نابني مسورا ... فلبى فلبي يدي مسور لأنه دعاه لما نابه من العدو للنصر والنصر يكون بعمل اليد بالضرب أو الطعن .
وأبو لهب : هو عبد العزى بن عبد المطلب وهو عم النبي A وكنيته أبو عيبة تكنية باسم ابنه وأما كنيته بأبي لهب في الآية فقيل كان يكنى بذلك في الجاهلية ( لحسنه وإشراق وجهه ) وأنه اشتهر بتلك الكنية كما اقتضاه حديث طارق المحاربي ومثله حديث عن ربيعة بن عباد الديلي في مسند أحمد . فسماه القرآن بكنيته دون اسمه لأن في اسمه عبادة العزى وذلك لا يقره القرآن أو لأنه كان بكنيته أشهر منه باسمه العلم أ لأن في كنيته ما يتأتى به التوجيه بكونه صائرا إلى النار وذلك كناية عن كونه جهنميا لأن اللهب ألسنة النار إذا اشتعلت وزال عنها الدخان . والأب : يطلق على ملازم ما أضيف إليه كقولهم " أبوها وكيالها " وكما كني إبراهيم عليه السلام : أبا الضيفان وكنى النبي A عبد الرحمان بن صخر الدوسي : أبا هريرة لأنه حمل هرة في كم قميصه وكني شهر رمضان : أبا البركات وكني الذئب : أبا جعدة والجعدة سخلة المعز لأنه يلازم طلبها لافتراسها فكانت كنية أبي لهب صالحة موافقة لحاله من استحقاقه لهب جهنم فصار هذا التوجيه كناية عن كونه جهنميا لينتقل من جعل أبي لهب بمعنى ملازم اللهب إلى لازم تلك الملازمة في العرف وهو من أهل جهنم وهو لزوم ادعائي مبني على التفاؤل بالأسماء ونحوها كما أشار إليه التفتزاني في مبحث العلمية من شرح المفتاح وأنشد قول الشاعر : .
قصدت أبا المحاسن كي أراه ... لشوق كان يجذبني إليه .
فلما أن رأيت رأيت فردا ... ولم أر من بنيه ابنا لديه وقد يكون أبو لهب كنيته الحطب كما أنبأ عنه ما روي عن أبي هريرة " أن ابنة أبي لهب قالت للنبي A إن الناس يصيحون بي ويقولون إني ابنة حطب النار " الحديث .
وقرأ الجمهور لفظ ( لهب ) بفتح الهاء وقرأه ابن كثير بسكون الهاء وهو لغة لأنهم كثيرا ما يسكنون عين الكلمة المتحركة مع الفاء وقد يكون ذلك لأن ( لهب ) صار جزء علم والعرب قد يغيرون بعض حركات الاسم إذا نقلوه إلى العلمية كما قالوا : شمس بضم الشين . ولشمس بن مالك الشاعر الذي ذكره تأبط شرا في قوله : .
إني لمهد من ثنائي فقاصد ... به لابن عم الصدق شمس بن مالك قال أبو الفتح بن جني في كتاب إعراب الحماسة " يجوز أن يكون ضم الشين على وجه تغيير الأعلام نحو معد يكرب وتهلك وموهب وغير ذلك مما غير على حال نظائره لأجل العلمية الحادثة فيه اه .
A E وكما قالوا : أبو سلمى بضم السين كنية والد زهير بن أبي سلمى لأنهم نقلوا اسم سلمى بفتح السين من أسماء النساء إلى جعله اسم رجل يكنى به لأنهم لا يكنون بأسماء النساء غالبا .
ولذلك لم يسكن ابن كثير الهاء من قوله تعالى ( ذات لهب ) وقراءة ابن كثير قراءة أهل مكة فلعل أهل مكة اشتهرت بينهم كنية أبي لهب بسكون الهاء تحقيقا لكثرة دورانها على الألسنة في زمانه