ومقتضى الظاهر أن يقال : إنه كان غفارا كما في آية ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) فيجري الوصف على ما يناسب قوله ( واستغفره ) فعدل عن ذلك تلطفا مع النبي A بأن أمره بالاستغفار ليس مقتضيا إثبات ذنب له لما علمت آنفا من أن وصف ( تواب ) جاء من تاب عليه الذي يستعمل بمعنى وفقه للتوبة إيماء إلى أن أمره بالاستغفار إرشاد إلى مقام التأدب مع الله تعالى فإنه لا يسأل عما يفعل بعباده لولا تفضله بما بين لهم من مراده ولأن وصف ( تواب ) أشد ملائمة لإقامة الفاصلة مع فاصلة ( أفواجا ) لأن حرف الجيم وحرف الباء كليهما حرف من الحروف الموصوفة بالشدة بخلاف حرف الراء فهو من الحروف التي صفتها بين الشدة والرخوة .
وروي في الصحيح عن عائشة قالت " ما صلى رسول الله A صلاة بعد أن نزلت عليه سورة ( إذا جاء نصر الله والفتح ) إلا يقول : سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن " أي يتأول الأمر في قوله ( فسبح بحمد ربك واستغفره ) على ظاهره كما تأوله في مقام آخر على معنى اقتراب أجله A .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة المسد .
سميت هذه السورة في أكثر المصاحف ( سورة تبت ) وكذلك عنونها الترمذي في جامعه وفي أكثر كتب التفسير تسمية لها بأول كلمة فيها .
وسميت في بعض المصاحف وفي بعض التفاسير ( سورة المسد ) . واقتصر في الإتقان على هذين .
وسماها جمع من المفسرين ( سورة أبي لهب ) على تقدير : سورة ذكر أبي لهب . وعنونها أبو حيان في تفسيره ( سورة اللهب ) ولم أره لغيره .
وعنونها ابن العربي في أحكام القرآن " سورة ما كان من أبي لهب " وهو عنوان وليس باسم .
وهي مكية بالاتفاق .
وعدت السادسة من السور نزولا نزلت بعد سورة الفاتحة وقبل سورة التكوير .
وعدد آيها خمس .
روي أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة . وسبب نزولها على ما في الصحيحين عن ابن عباس قال " صعد رسول الله A ذات يوم على الصفا فنادى " يا صباحاه " " كلمة ينادى بها للإنذار من عدو يصبح القوم " فاجتمعت إليه قريش فقال : إني نذير لكم من يدي عذاب شديد أرأيتم لو أني أخبرتكم أن العدو ممسيكم أو مصبحكم أكنتم تصدقوني ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ ! فنزلت تبت يدا أبي لهب " . ووقع في الصحيحين من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " لما نزلت ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله A حتى صعد الصفا " إلى آخر الحديث المتقدم .
ومعلوم أن آية ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) من سورة الشعراء وهي متأخرة النزول عن سورة تبت وتأويل ذلك أن آية تشبه آية سورة الشعراء نزلت قبل سورة أبي لهب لما رواه أبو أسامة يبلغ ابن عباس لما نزلت ( وأنذر عشيرتك الأقربين وقومك منهم المخلصين ) " ولم يقل من سورة الشعراء " خرج رسول الله A حتى صعد الصفا فتعين أن آية سورة الشعراء تشبه صدر الآية التي نزلت قبل نزول سورة أبي لهب .
أغراضها .
زجر أبي لهب على قوله " تبت لك ألهذا جمعتنا ؟ " ووعيده على ذلك ووعيد امرأته على انتصارها لزوجها وبغضها النبي A .
( تبت يدا أبي لهب وتب [ 1 ] ) A E افتتاح السورة بالتبات مشعر بأنها نزلت لتوبيخ ووعيد فذلك براعة استهلال مثل ما تفتتح أشعار الهجاء بما يؤذن بالذم والشتم ومنه قوله تعالى ( ويل للمطففين ) إذ افتتحت السورة المشتملة على وعيد المطففين للفظ الويل ومن هذا القبيل قول عبد الرحمان بن الحكم من شعراء الحماسة : .
لحا الله قيسا قيس عيلان إنها ... أضاعت ثغور المسلمين وولت وقول أبي تمام في طالعة هجاء : .
" النار والعار والمكروه والعطب ومنه أخذ أبو بكر بن الخازن قوله في طالع قصيدة هناء بمولد : .
" مجشري فقد أنجز الإقبال ما وعد والتب : الخسران والهلاك والكلام دعاء وتقريع لأبي لهب دافع الله به عن نبيه بمثال اللفظ الذي شتم به أبو لهب محمد A جزاء وفاقا