وجملة ( وتب ) إما معطوفة على جملة ( تبت يدا أبي لهب ) عطف الدعاء على الدعاء إذا كان إسناد التبات إلى اليدين لأنهما آلة الأذى بالرمي في الحجارة كما في خبر طارق المحاربي فأعيد الدعاء على جميعه إغلاظا له في الشتم والتفريع وتفيد بذلك تأكيدا لجملة ( تبت يدا أبي لهب ) لأنها بمعناها وإنما اختلفا في الكلية والجزئية وذلك الاختلاف هو مقتضي عطفها وإلا لكان التوكيد غير معطوف لأن التوكيد اللفظي لا يعطف بالواو كما تقدم في سورة الكافرون .
وإما أن تكون في موضع الحال والواو واو الحال ولا تكون دعاء إنما هي تحقيق لحصول ما دعي عليه به كقول النابغة : .
جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل فيكون الكلام قبله مستعملا في الذم والشماتة به أو لطلب الإزدياد ويؤيد هذا الوجه قراءة عبد الله بن مسعود " وقد تب " فيتمحض الكلام قبله لمعنى الذم والتحقير دون معنى طلب حصول التبات له وذلك كقول عبد الله بن رواحة حين خروجه إلى غزوة مؤتة التي استشهد فيها : .
حتى إذا مروا على جدثي ... أرشدك الله من غاز وقد رشدا يعني ويقولوا : وقد رشدا فيصير قوله : أرشدك الله من غاز لمجرد الثناء والغبطة بما حصله من الشهادة .
( ما أغنى عنه ماله وما كسب [ 2 ] ) استئناف ابتدائي للانتقال من إنشاء الشتم والتوبيخ إلى الإعلام بأنه آيس من النجاة من هذا التبات ولا يغنيه ماله ولا كسبه أي لا يغني عنه ذلك في دفع شيء عنه في الآخرة .
والتعبير بالماضي في قوله ( ما أغنى ) لتحقيق وقوع عدم الإغناء .
و ( ما ) نافية ويجوز أن تكون استفهامية للتوبيخ والإنكار .
والمال : الممتلكات المتمولة وغلب على العرب إطلاقه على الإبل ومن كلام عمر " لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله " الخ في اتقاء دعوة المظلوم من الموطأ وقال زهير : .
" صحيحات مال طالعات بمخرم وأهل المدينة وخيبر والبحرين يغلب عندهم على النخيل وقد تقدم عند قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) في سورة البقرة وفي مواضع .
( وما كسب ) موصول وصلته والعائد محذوف جوازا لأنه ضمير نصب والتقدير : وما كسبه أي ما جمعه . والمراد به : ما يملكه من غير النعم من نقود وسلاح وربع وعروض وطعام ويجوز أن يراد بماله : جميع ماله ويكون عطف ( وما كسب ) من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام به أي ما أغنى عنه ماله التالد وهو ما ورثه عن أبيه عبد المطلب وما كسبه هو بنفسه وهو طريفه .
وروي عن ابن مسعود أن أبا لهب قال " إن كان ما يقول ابن أخي حقا فأنا افتدي نفسي يوم القيامة بمالي وولدي " فأنزل الله ( ما أغنى عنه ماله وما كسب ) وقال ابن عباس ( ما كسب ) هو ولده فإن الولد من كسب أخيه .
( سيصلى نارا ذات لهب [ 3 ] ) بيان لجملة ( ما أغنى عنه ماله وما كسب ) أي لا يغني عنه شيء من عذاب جهنم . ونزل هذا القرآن في حياة أبي لهب وقد مات بعد ذلك كافرا فكانت هذه الآية إعلاما بأنه لا يسلم وكانت من دلائل النبوة .
والسين للتحقيق مثل قوله تعالى ( قال سوف أستغفر لكم ربي ) .
و ( يصلى نارا ) يشوى بها ويحس بإحراقها . وأصل الفعل : صلاه بالنار إذا شواه ثم جاء منه صلي كأفعال الإحساس مثل فرح ومرض . ونصب ( نارا ) على نزع الخافض .
ووصف النار ب ( ذات لهب ) لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وبين كفره إذ هو أبو لهب والنار ذات لهب .
وهو ما تقدم الإيماء إليه بذكر كنيته كما قدمناه آنفا وفي وصف النار بذلك زيادة كشف بحقيقة النار وهو مثل التأكيد .
وبين لفظي ( لهب ) الأول ( ولهب ) الثاني الجناس التام .
( وامرأته حمالة الحطب [ 4 ] في جيدها حبل من مسد [ 5 ] ) أعقب ذم أبي لهب ووعيده بمثل ذلك لامرأته لأنها كانت تشاركه في أذى النبي A وتعينه عليه .
A E وامرأته : أي زوجه قال تعالى في قصة إبراهيم ( وامرأته قائمة ) وفي قصة لوط ( إلا امرأته كانت من الغابرين ) وفي قصة يوسف ( امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه )